أوراق مختارة من سجل العلاقات العراقية – الإيرانية 6 إطلالات موجزة على العلاقات في فترة حكم الدولة الأموية

رعد البيدر             

ركَّز الأمويون في فترة حكمهم التي استمرت ما بين عامي (661 - 750) م على العنصر العربي حصراً ، ولم يُسندوا أي منصب مهم من مناصب الدولة لشخصٍ غير عربي ، لذا فقد تزايد نهج المعارضة في مواجهة الحكم الأموي، وجرى التركيز على استمالة الموالي الذين كانوا يشعرون بأنفسهم أقل قيمة من العرب ، فأندفع بعض الفرس بالترويج للشعوبية - وهي "حركه عنصريه ابتدأت من شعور وردود أفعال فارسيه أهم أهدافها تشويه النظرة إلى العرب والحط من شأنهم، وتأليب الشعوب الإسلامية الأخرى غير العربية على العرب ودعوتهم للثأر والانتقام . 

استهدف النهج الشعوبي في بداية ظهوره السعي للمساواة بين العرب والأعاجم، ثم ما لبث أن تحول إلى مساعي لتفضيل الفرس على العرب، ونشَّطَ بترويج ذلك ( السُم ) الشعوبي شعراء الفرس وأدباءهم لاسيما في أواخر حكم الدولة الأموية.

 ومما زاد الطين بلَّه - أخطاء الأمويون الذين اهتموا ببعض القبائل العربية وأهملوا قبائل عربية أخرى، فحوَّلوا تلك القبائل التي شعرت بإهمالها إلى خصوم يُعادون الحكم الأموي.

هكذا زاد حجم الخصوم الذين يسعون لإسقاط الحكم الأموي آنذاك إلى خمسة فئات هم : آل البيت ومن يناصرهم، والخوارج، والموالي بشكل عام ، والفرس بشكل خاص وهم ذوي العدد الأكبر و الحقد الأكثر ، وكان خامس الخصوم عشائر اليمانية العربية .

 لم تغب الاضطرابات الخطيرة التي انتشرت في دولة بني أمية عن مراقبة منافسيهم من بني العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم، بعد أن تثبُتَ للعباسيين اندثار الدعوة الحسينية وضياع الشخصية القيادية المؤهلة من نسل الإمام علي بن أبي طالب التي لها القدرة على إدارة كفة الصراع مع الحكم الأموي.

ملئ العباسيون فراغ عنصر القيادة المُعارض، وباشروا بالتحرك المضاد للأمويين ، فلاقت تحركاتهم تجاوباً وقبولاً بين الموالي، خصوصاً من الفرس الذين وجدوا في ( التشيُع ) حركة سياسية تؤطرهم بدعاوى دينية تستند إلى مظلومية الأمام الحسين بن علي، والندم على مقتله بواقعة " الطف " بكربلاء في العاشر من محرم عام (61) هجرية المصادف 9 تشرين ثاني / أكتوبر (680) م ، فتغلغل العباسيون بين ( الشيعة ) في بلاد فارس التي شاعت فيها رغبة الثورة أكثر من غيرها ، وحرضوهم على الانضمام إلى ثورة آل البيت مُذَّكرين إياهم بوجود عرق فارسي مشترك- يتمثل في كونهم أخوال نسل الإمام الحسين بن على المتزوج من ابنة " يزدجرد " الثالث آخر الملوك الساسانيين ، والذي انهزم وسقطت دولته في الفتح الإسلامي لبلاد فارس ، لذا فأن التشيُع أخذ صدى أكثر وتزايُداً في بلاد فارس. وبناء على التهيئة التي مَهَّدَ لها العباسيون وتلقفها ونفذ معظمها الفرس ، فقد رَكّز العباسيون دعوتهم بشكل خاص على مدينة خراسان- أقوى مدن فارس آنذاك لاستغلال الجمع بين كراهية الفرس للأمويين، وتهييج العواطف باستثمار صلة المصاهرة بين الحسين و الفرس، متوهمين بأن السببين هما الدافع الرئيسي. لكن الحقيقة التي أثبتتها الوقائع بأن الحقد القومي والديني كانا المحرك الرئيسي للفرس، وليس صلة المصاهرة . السؤال الذي يتطلب إجابه على هذه المعادلة غير ( المُتَوازنة) ، متى وفي ثقافات أي الشعوب كانت ( المصاهرة ) أقوى ارتباطاً وأكثر عمقاً من النسب ؟!!!. أنه ليس إلا التعَّكُز على(داينمو) المصالح الشخصية والفئوية.

  توَّعد العباسيون الفرس بإغراءات تعويضهم عما حُرموا منه في فترة الخلافـة الأموية من تقَّلـُدِ أي منصب رفيع في الدولة - بعد أن يتم لهم أسقاط الحكم الأموي ، وإن الفرس سيكونون ذراع الخلافة القادمـة، وذوي المناصب الرفيعة في الدولة القادمة ، فاتخذوهم دُعاةً ومؤازرين لنشر دعوتهم في بلاد فارس- منهم: أبو مسلم الخراساني الذي كان يطمع في الحكم المستقل بالأقاليم الفارسية التي جندها لنصرة العباسيين، من أجل أن يحكمها هو وأبناءه من بعـده تحت غطـاء اسمي ( رمزي ) للخـلافة العباسية.

 تعاقب خلفاء ضِعاف من بني أمية، فزاد وهن الدولة الأموية تدريجياً، وتهيأت الظروف الملائمة للعباسيين، فابتدأت ثورتهم من العراق بمساندة فارسية ، وتمكنوا من احتلال الكوفة، ثم سارت جيوشهم نحو الشام، فأُسقِطَت دمشق عاصمة الخلافة الأموية عام (750) م .

 في الورقة القادمة بمشئة الله، سنتطرق إلى أساليب التحركات الفارسية - بعد السكون والسكوت الفارسي أو ما أسماه مؤرخ إيراني معروف "مرحلة الوعي السلبي" وكيفية ظهور الانتقام الفارسي على أرض العراق بعد أن أنطَمَّر النفوذ الفارسي مدة قرنين من الزمن.

 

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :136,034,127

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"