الآن حصحص الحق

مصطفى كامل

بعث لي أحد الأصدقاء مقالاً للكاتب الكردي شيرزاد شيخاني بعنوان 'الآن حصحص الحق' نشر مؤخراً، تحدث فيه عن بؤس واقع التجربة الانفصالية الكردية في شمال العراق.

وفي هذا المقال أسهب الكاتب، الذي طالما روَّج لوهم الانفصال الكردي عن الوطن وهاجم تجربة العهد الوطني في العراق، أسهب في تعداد مظاهر الخراب الحاصل في محافظات شمال العراق الثلاث الواقعة تحت حكم الحزبين الكردستانيين (الديمقراطي والوطني) رغم استيلاء هذين الحزبين على نحو 120 مليار دولار من الميزانية العامة ومن مبيعات النفط غير القانونية ومن عائدات المنافذ الحدودية، كما قال الكاتب، متغافلاً عن الذي استحوذ عليه الحزبان من أسلحة وتجهيزات ومعدات وسيارات وأبنية عائدة للجيش الوطني العراقي بُعيد الاحتلال وعلى مدى السنوات اللاحقات.

وبرغم كل ما سرده الكاتب من معالم الخراب والفساد في تلك المحافظات الثلاث إلا إنها تبقى أقل، بكثير، من ذلك الخراب المحدق بباقي محافظات العراق لأسباب عديدة.

في الوقت نفسه تتوالى اعترافات العملاء، الذين اشتركوا بذبح العراق، عن حجم الجرائم التي ترتكب في وطننا الحبيب في أعقاب غزوه واحتلاله.

فمن الاعترافات المتكررة لعزة الشابندر وقبله ضياء الشكرجي، وهما قطبان بارزان في حزب الدعوة الشيطانية، بخراب المنظومة الطائفية المتحكِّمة سواءً على صعيد الأحزاب السياسية أو الميليشيات الإرهابية بل وحتى المرجعية الشيعية ذاتها، الى الاعتراف الصارخ الذي تقدم به مشعان الجبوري، قبل أيام، بفساد كل المنظومة المتحكمة بالعراق سواء كانت في المنطقة الخضراء أو في مجالس المحافظات، وهو الاعتراف الذي طال رئيس هيئة النزاهة البرلمانية التي يُفترض توليها شؤون الرقابة على مال الشعب وضمان صيانته وحفظه، وطال كذلك منظومة القضاء الفاسد التي رسَّخت حكم الطائفة وسمحت بتغوَّل الميليشيات الإجرامية واستباحت دماء الأبرياء.

فيما يأتي اعتراف المجرم الإرهابي هادي العامري بأنه قاتل الرئيس صدام حسين لعشرين عاما وأنه كان سيقاتل معه لو عرف أن بديله سيكون بهذا القدر من الإرهاب والخراب، ملقياً كل مشاكل العراق على تنظيمي القاعدة وداعش، متجاهلاً تماماً ما ألحقه هو وعصابته ومجرمي العصابات الأخرى من قتل ودمار وتخريب وسرقات وفساد، يأتي هذا الاعتراف دلالة واضحة على حجم ما تسبب به هؤلاء المجرمين جميعا من دمار وفساد وإرهاب.. مع التأكيد على أن هذا العميل الحقير لا يرقى إلى مستوى جنود العهد الوطني الذين نالوا شرف الدفاع عن الوطن بإمرة قيادة وطنية غيورة مخلصة، حيث كتب هو على نفسه ذلَّ الخيانة وخزي القتال مع المعتدين الفرس والأميركيين ضد العراق وشعبه.

وهذا ما نجده كذلك في خطاب الرئيس الأميركي باراك أوباما، بتاريخ 5/8/2015، في كلية الخدمة الدولية بالجامعة الأميركية في واشنطن، الذي تحدث فيه عن غزو العراق والنتائج الكارثية المترتبة عليه.

إن هذه الاعترافات، ومن قبلها ما أدلى به مراراً كل من أياد علاوي وحسن العلوي وأياد جمال الدين وغيرهم من أحاديث عن بؤس تجربة (العراق الجديد)، وما سبق أن ثبَّته من حقائق مجرمو الحرب توني بلير ودونالد رامسفيلد وبول بريمر، بل وحتى اللعين جورج بوش الابن، كل هذه الاعترافات، وإن تأخرت، تكشف سوءات هذا النظام الفاسد بالمجمل التدميري بالكامل، الذي أحال العراق خراباً وقتل نحو مليونين من شعبه واعتقل مئات الآلاف من شبابه وأفسد نفوس الملايين من أبنائه وسرق وأهدر مئات مليارات الدولارات من أمواله، ورهن مستقبل أجياله بيد شركات النفط الاحتكارية التي تواصل نهب خيراته.

إن اعترافات هؤلاء المجرمين جميعا تؤكد ان عورات هذا (العراق الجديد) لا يمكن تغطيتها بادعاءات زائفة فارغة من المضمون عن إنجاز مزعوم هنا أو هناك، ولا بتسويق فرية جلب الديمقراطية إلى هذا البلد، ولا بأيِّ ادعاء آخر، مهما كان نوعه وحجمه.

كما إن كل ذلك يمكن أن يشكِّل بداية حملة سياسية/ قانونية/ إعلامية للمطالبة بحقوق العراق المشروعة الناجمة عن كارثة الغزو والاحتلال، استناداً إلى هذه الاعترافات المهمة والواضحة التي أدلى بها أوباما وبوش وبلير ورامسفيلد وبريمر، وأدواتهم العميلة التي استكملت مهام التخريب والتدمير الشيطانية الإجرامية.

الآن حصحص الحق

فبعد اعترافات هذا العميل وذاك وهذا السفاح وغيره عن جرائمهم سيندم كل من حمل سلاحاً أو كتب حرفاً أو رفع صوتاً ضد نظام العراق الوطني، سواءً كان شيعي المذهب أو سنياً، كردي القومية أو عربياً أو تركمانياً، مسلماً أم مسيحياً، أيأ كان دينه وعرقه ومذهبه.

‏ربما يقول قائل إن هؤلاء السفاحين الفاسدين يقصدون أشياء أخرى غير التي تلك البادية في ظاهر كلماتهم، وقد يكون هذا صحيحاً، لكن من الواضح أنه أياً كان قصد هؤلاء العملاء والسفاحين في اعترافاتهم المتتالية وأياً كانت مراميهم اللئيمة فهي اعترافات بلسانهم تؤكد فشل مشروعهم الاحتلالي وبؤس تجربتهم وخرابهم الذي أحدثوه في العراق.

كما أن هذه الاعترافات تكشف، من جانب آخر، صواب منهج العهد الوطني، الممتد على سنواتِ ثمانية عقود حافلة بالمنجزات الباهرة، صواب منهج ذلك العهد الوطني في البناء وصواب منهجه في التصدي لهذه الشراذم العميلة المجرمة، وتؤكد أن ذلك المنهج هو الذي حمى العراق وأجَّل استباحة قطعان الشر له عقوداً طوالا.

لقد انتقم الله تعالى من هؤلاء المجرمين وأراهم، بأم أعينهم، فظاعة جرائمهم وفشل مشاريعهم التي تحققت منذ الأيام الأولى للاحتلال وتواصلت وتعمَّقت خراباً وتدميراً وفساداً وإرهاباً على مدى السنوات العجاف في العراق، وستتعمق المأساة وسنقرأ عن هروب الجرذان من سفينة (العراق الجديد) الغارقة قريباً، بإذن الله تعالى، حيث ستتحطم بالكامل كل تلك الأمنيات الخائبة وكل تلك المخططات الإجرامية بحق العراق وشعبه.

لقد كانت رؤيتنا، كجزء من القوى الوطنية المقاومة للاحتلال والمناهضة لمشروعه التدميري، وهو ما نتشرف به، كانت صائبة منذ البداية، حينما انحزنا بكل وضوح إلى معاني الحق وقيم العدل والإنصاف، حيث أدركنا بوعي أصيل أن مشروع الاحتلال تدميري إجرامي تخريبي بالمطلق، وأن مشروعاً كهذا بكل ما يحمله من دوافع حاقدة وثأرية وإجرامية لن يكتب له النجاح، لأن الله لا يُصلح عمل المفسدين، فلم تخدعنا شعاراته الزائفة ولم تُغْرِنا بوارقه ولم نخضع حتى لابتزازه وتهديده وتحمّلنا، جميعاً، في سبيل ذلك كل مغرمٍ، وجدناه مغنماً للوطن، ورصيداً لمعاني الشرف والقيم والعدل والخير.

الآن حصحص الحق

وسنجد مع مرور الأيام المزيد من هذه الاعترافات الدامغة، التي ستؤكد كلها أن حق العراق لن يضيع، وأن دماء أبنائه البررة لن تُهدر، وسيقتصُّ العراقيون من قتلتهم وسرّاقهم الذين استباحوا كل محرَّم واستحلّوا دماء الأبرياء وأعراضهم وأموالهم، وكلَّ غالٍ عليهم.

والله المستعان

 

* يرجى الإطلاع على هذين المقطعين الفيلميين لتوثيق ما ورد في أعلاه، مع التقدير.





 

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :133,414,422

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"