حصانة للمالكي من الولي الفقيه

نزار السامرائي
يمكن الربط بين الزيارة التي اختتمها رئيس مجلس الوزراء حيدر العبادي إلى طهران ليوم واحد في العشرين من تشرين الأول الماضي والتي كانت أول زيارة رسمية لبلد آخر في حال اعتبرنا أن زيارته لمقر الأمم المتحدة في نيويورك زيارة لمقر المنظمة الدولية وليست زيارة للولايات المتحدة، وبين الزيارة الأخيرة لنوري المالكي رئيس الوزراء المعزول ونائب رئيس الجمهورية حاليا والتقائه بنفس المسؤولين الإيرانيين الذين التقاهم العبادي.

ذلك أن العبادي كان حريصا على إيصال رسالة لدولة الولي الفقيه بأن شيئا من التغييرات الجذرية لن يطرأ على المشهد السياسي وخاصة فيما يتعلق بدور إيران كلاعب رئيس في الساحة العراقية، وأن ما حصل كان لا بد أن يقع بسبب انكشاف ظهر القوة التي كان يهدد بها المالكي داخليا وخارجيا، وإذا بها أوهن من بيت العنكبوت.
ما جرى في 9 حزيران الماضي وسيطرة الثوار على نحو نصف مساحة العراق، بعد أن استولوا على الموصل وتكريت وأجزاء واسعة من محافظات نينوى وصلاح الدين وديالى والأنبار، وفرار ثلاث فرق متكاملة الأسلحة الحديثة من دون أن تطلق رصاصة واحدة، وتترك كل أسلحتها غنائم جاهزة للاستعمال حتى أصبحت تحت سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية، بعد أن استنزفت الميزانية العسكرية وميزانية التسليح أكثر من نصف ميزانية الدولة، يحكي قصة تاريخ لم يدرسه الطغاة بصورة معمقة ولهذا يرتكبون أخطاء غيرهم، ولهذا فإن مشهد ما جرى صباح ذلك اليوم الذي التقى فيه غبار الأرض مع دخان الآليات العسكرية مع حرارة العراق، انعكس على مكانة نوري المالكي ومستقبله السياسي، بسبب سوء إدارته وأدائه طيلة ثماني سنوات قاتمة السواد من تاريخ العراق.
بعد تلك الأحداث كان لا بد للتحالف الشيعي وحزب الدعوة اللذين يحكمان البلد من بداية حكم إبراهيم الجعفري رئيس الوزراء الأسبق ووزير الخارجية الحالي وحتى اليوم، من أن يغسلا الأيدي من عار تلك الحقبة المظلمة والمليئة بكل أشكال الظلم والقهر والتمييز العنصري والديني والمذهبي، ويعلنا البراءة التامة من الممارسات التي ارتكبت طيلة حكم الجعفري والمالكي وكأنهما جاءا كوكب آخر وليس ابني هذا الحزب الذي قاد التحالف الشيعي، وهذا ديدن الحركات المتسلطة على رقاب العباد باسم الإسلام بعد أن سيّست الدين الحنيف وأفرغته من كل ما فيه من مضامين إنسانية، فكانت الخطوة الحتمية هي التنصل عما ارتكبه المالكي من أخطاء كارثية وخطايا مروعة وتحميله وبعضا من فريقه الظلامي وزر التدهور المتسارع للعراق في وديان الفساد والفقر والتجويع والتجهيل والتخلف والقتل والتهجير على الهوية، فوجد التحالف الشيعي أن استمرار المالكي سيعني خسارة الفرصة تلو الأخرى، حتى أوشك الإجماع أن يحصل لدى العموم، على أن الشيعة لا يصلحون للحكم بسبب ثنائية الشخصية التي يحملها الشيعي، فهو من جهة جبار مع من يمتلك سلطة رسمية أو دينية عليه بما في ذلك من هم يشاطرونه المعتقد، في حين نراه خنوعا خاضعا مسلوب الإرادة أمام من هو أعلى منه، وخاصة من يسميهم مراجع التقليد الذين توجب عليه طاعتهم في الأوامر والنواهي لتصل حد تحريم الزوجة على زوجها في حال الخروج على الفتوى الصادرة عن المراجع، فمن لا يستطيع اتخاذ القرار السياسي الذي يتطلب أعلى درجات المرونة، إلا بالعودة إلى المرجع لا يمتلك أبسط المؤهلات المطلوبة بالقائد السياسي، وأهمها حرية القرار السياسي واستقلاليته.
في ضوء كل هذه الأحداث المتسارعة، تنادى كل من شعر بأن فرصة العمر تكاد أن تفلت من الأيدي، والتقت إرادتهم مع الإرادة الأمريكية التي وضعت شروطا صارمة لمواصفات الشخص الذي تريد دعمه بديلا عن المالكي، فوجد المالكي أن فرصته انتهت وأنه أصبح جزء من الماضي مع كل ما يسببه له ذلك من أرق ومعاناة مريرة، وأن هناك الآلاف من ملفات أولياء الدم لمن قتل بأوامر من المالكي أو بعلمه، وملفات التهجير وملفات الفساد والمحسوبية والتلاعب بالمال العام، ووجد أن منصب نائب رئيس الجمهورية لا يوفر لها الحصانة المطلوبة، وأن من كان يعتمد عليهم عندما كان رئيسا للوزراء يمتلك القدرة على المنح والمنع، لن يكونوا هم أنفسهم بعد فقد مفاتيح الخزائن العراقية الرسمية وقرارات التعيين في المناصب العليا، وأن من تحولت إليه هذه الصلاحيات هو من يجب أن يمنح الولاء وليس رئيس وزراء رحل وأصبح مع مرور الوقت غير قادر على حماية نفسه.
ولما وجد المالكي أن أتباعه انفضوا عنه أو هم في طريقهم ليفعلوا ذلك، وأن مجلس النواب قد يتحول إلى سكين تحز رقبته بعد أن أذله طيلة ثماني سنوات، طفق يبحث عن حصانة أكبر من مجلس النواب وأكبر من الحكومة وأكبر من المراجع العظام وغير العظام، فوجد ضالته في دولة الولي الفقيه فيمم وجهه شطرها، وطفق يبحث عن فتوى يخصف بها على سوءاته من ورقها الذي يظنه ورافا.
التقى المالكي بالولي الفقيه وقرأ على رأسه من طلاسمه التي تحول بينه وبين إحالته إلى القضاء الإنساني، أما القضاء الرباني فهو قادم ولن تنفع معه أكداس من فتاوى مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي، ومن باب إبراز زهد المالكي في المنصب، قال خامنئي إن عدم تمسكه به جنب العراق مأزقا سياسيا كبيرا، وأردف قائلا إن المالكي يجب أن يتمتع بالحصانة التي تحول بينه وبين القضاء.
لا ندري هل أن خامنئي يستطيع رد الروح لعراقي واحد قتل بأوامر المالكي؟ وهل يستطيع إعادة مهجر واحد إلى بيته وهو آمن مطمئن على عرضه وماله ودينه ونفسه؟ ولا ندري هل أن خامنئي وهو إيراني ينتمي لبلد حارب العراق في الماضي، يمتلك الحق في إصدار العفو عن اللصوص والسراق والسماسرة الذين تلاعبوا بأموال العراق والتي وصل حجم الفساد فيها إلى مئات المليارات من الدولارات؟ 
نوري المالكي زار طهران ليزيل نتائج زيارة العبادي، ولكنه أخفق في ذلك لأن القطار الأمريكي في العراق بدأ العمل بسائق أمريكي بالتعاون مع السائق الإيراني، بعد أن وجهه السائق الإيراني إلى جهات لم يتم الاتفاق عليها مسبقا، ولما لم يجد المالكي فرصة لإعادة العجلة إلى الوراء، حصل على وعد ويبقى في نطاق الوعد بالحصانة من المساءلة القانونية عما أرتكب في عهده من جرائم، سواء كانت في جرائم دم أو فساد، ولعل التغييرات التي أجراها العبادي في المؤسسة العسكرية يوم الأربعاء، هي الدليل البارز على أفول نجم المالكي، وبدأ عهد جديد لم يخطو خطوة واحدة لتحويل العهود والتعهدات إلى وقائع والأمنيات إلى تطبيقات.

 

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :136,048,852

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"