عودة الوعي لشيعة العراق بقرار أميركي‎

هايدة العامري

كان احتلال العراق عام 2003 واسقاط نظام حكم حزب البعث وصدام حسين هو جزء من خطة مرسومة من زمن بعيد وهذه الخطة معدة بطريقة منهجية ووفق متطلبات سياسية واقتصادية.

والمثير في الامر كله ان اول من تحدث عن هذه الخطة كان صدام حسين بنفسه ضمن مقال كتبه في جريدة حزب البعث الداخلية والتي كانت تسمى الثورة العربية وذلك عام 1978 والذي يقرا ماكتبه صدام حسين اليوم يقول ان صدام حسين اما كان يعلم الغيب او انه كان على علم كامل بتفاصيل الخطة الاميركية والتي وضعت من منتصف السبعينات واساس الخطة كان يرتكز لنشوء صراع ديني وطائفي بين دويلات ومجموعات دينية متفرقة ومتطرفة وكل ذلك بغية انتاج تقسيم جديد للمنطقة يكون اساسه حماية اسرائيل ومنابع النفط في المنطقة ويكون الكل بحاجة للحماية الاميركية المباشرة . 

ويتذكر الجميع عام 1991 كيف تم اسقاط اغلب المحافظات العراقية وكيف انسحب الجيش العراقي من الكويت وكيف كانت اميركا تستطيع اسقاط نظام صدام يومها واحتلال بغداد بكل يسر وسهولة وذلك بعد الانهيار الكبير الذي حصل حينها ولكن لماذا لم تسقط اميركا النظام العراقي في حينه واسقطته بعد 12 سنة ؟  

يعرف كل من يفهم ويطلع على طبيعة المخططين الستراتيجيين الاميركان انهم يخططون خططا بعيدة المدى واهدافها تتحقق بعد خمسين سنة او مئة سنة وعام 1991 كان اسقاط نظام الحكم في العراق لن يفيد اميركا لانها كانت تريد اسقاط المنظومة المجتمعية والاخلاقية للشعب العراقي قبل اسقاط النظام وان تجعل الشعب العراقي يدور في حلقات الجوع والحرمان وان يتم افراغ العراق من الكفاءات العلمية التي لابد ان تخرج من العراق نتيجة الظروف الاقتصادية والسياسية والمجتمعية السيئة وهذا ماتم بالفعل وظل المجتمع والشعب العراقي يعاني ويعود الى الوراء  ويتذكر الجميع كيف كان الناس يبيعون اثاثهم بل وحتى كتبهم من اجل لقمة العيش وكيف انحدر الواقع الاخلاقي في البلد حينها ووصل البلد الى حال سيئة وتم افراغه من اغلب الكفاءات العلمية والثقافية وكانت الهجرة من العراق هي الحلم لاغلب الناس من العراقيين .

وعندما جاء عام 2003  وتم احتلال العراق قامت اميركا بتدمير الدولة العراقية تدميرا كاملا وهي كانت تستطيع حماية البلد ووزاراته ومصانعه ولكنها لم تفعل ذلك بل جعلت الباب مفتوحا للسراق وللناس الذين وجدوا في سرقة المكيف والسجادة والكرسي من دوائر الدولة متنفسا لهم وتغطية لاحتياجاتهم المحرومين منها طول 12 سنة وهذا كله كان ايضا مخططا ومرسوما بدقة متناهية والمصيبة الكبرى انها اتت بطبقة سياسية تضم في اغلبتها اشخاصا تركوا العراق من وقت طويل واغلبهم كانوا لاجئين في العالم وفي دول الجوار وهولاء كانوا يعيشون على المساعدات ورواتب اللجوء وهي لاتتعدى قيمتها بضعة ورقات من فئة المئة دولار وعندما عادوا للعراق ووجدوا انفسهم في موقع يستطيعون به الحصول على ملايين الدولارات وهو مالم يكونوا يحلمون به قاموا بنهش مايمكن نهشه وشاعت في العراق ثقافة ونهج الفساد كما وصفه ابراهيم الجعفري في احدى خطبه العصماء في مجلس النواب وكانت هناك اغلبية من العراقيين نستطيع تسميتهم بالاغلبية الصامتة او المنتظرة وكانت هذه الاغلبية تنتظر ماسيصبح عليه الحال ولكن هذه الاغلبية صدمت عندما شاهدت كيف سيطر وتغلغل النفوذ الايراني في العراق واصبح المقربون من ايران هم الذين بيدهم مفاتيح الحل والربط في العراق وصار الانطباع السائد لدى العراقيين السنة ان الشيعة تابعين لولاية الفقيه ولايران وكان مايعزز هذا الانطباع هو الانقياد الكامل للنفوذ والطلبات الايرانية ووصل النفوذ الايراني لدرجة التدخل في الامور الصغيرة ولمن لايعلم فان تعيين محافظ لمدينة كربلاء تتدخل فيه ايران وهذا ماكان واضحا للمطلعين عندما تم تعيين عقيل الطريحي محافظا لكربلاء المقدسة وكانت الاغلبية من العراقيين شيعة وسنة مصدومة بالاستسلام الاميركي للنفوذ الايراني وكيف وصلت ايران لمرحلة التدخل لتسمية رئيس الوزراء وهذا الشيء يعرفه القاصي والداني والطفل حديث الولادة . 

كل هذه المقدمة الطويلة سقتها لتوضيح شيء معين وهو هل يصدق المطلعون ان الولايات المتحدة الاميركية بهذه السذاجة والغباء بحيث ترسل جيشها وتصرف كل هذه الاموال الطائلة  لكي تسقط نظام صدام حسين وتسلم العراق الى ايران على طبق من ذهب وهل الادارة الاميركية من الادب والاخلاق بحيث تستحي من مطالبة المسؤولين العراقيين بعدم الانقياد وراء النفوذ الايراني وهي تستطيع ان تامرهم امرا وقواتها كانت موجودة وهل الاميركان من الغباء بحيث يخرجون قواتهم بطلب من المالكي مدفوعا بطلب من الايرانيين ويتركون العراق تابعا لقاسم سليماني ولنفوذ الولي الفقيه وهل الاميركان كانوا لايعرفون ان المالكي طائفي كما يصفونه الان ولماذا سمحوا له باضطهاد السنة وكانوا يسكتون عليه والان يتكلمون علنا بهذه الاشياء وهل كانوا لايعرفون كيف تمت عملية كتابة الدستور والالغام الموجودة فيه ولماذا سكت الاميركان عن مطالب المعتصمين ولم يتدخلوا حتى حين تم ارتكاب مجزرة الحويجة وهناك الكثير من الاسئلة التي طرحتها ولكن الاميركان لايهمهم شيء غير مصالحهم والتي تتحقق من خلال تطبيق الخطط الستراتيجية التي وضعت لتطبيقها . 

لسان حال الاميركان كان يقول علنا ان صدام حسين ظلم الشيعة ومنعهم من ممارسة طقوسهم الدينية ولذلك فان الشيعة ومنذ عام 2003 يمارسون كافة الطقوس الدينية بحرية كاملة وجرب الشيعة النفوذ الايراني وماترتب عليه من امور سياسية للعراق كدولة وشعب والعراق بعد 11 سنة وجد نفسه مكروها ومعزولا من جيرانه العرب لانه تابع للنفوذ الايراني وعلاقاته سيئة مع محيطه العربي الذي هو الرئة التي يتنفس بها العراق وجاء ماتم تسميته بالربيع العربي وتم اسقاط حكومات عربية وسيطر الاخوان المسلمون على مصر وتونس ولبييا وهي دول سنية كما هو معروف ولكنها لم تستطع تحمل حكم الاسلاميين والمتشددين فتم اسقاط مرسي في مصر وتم تطيير النفوذ الاسلامي في تونس والان سيتم القضاء على الاسلاميين والمتشددين في ليبيا بعد ان تم سحب الاغلبية المتشددة من هذه الدول وغيرها الى العراق وسوريا تحت راية تنظيم داعش الذي هو الابن الشرعي لتنظيم خراسان وتم احتلال الموصل وتكريت بكل يسر وسهولة ولكن لم يتم اسقاط الانبار بهذه السهولة ولم يسمح الاميركان بسقوط الانبار والسبب واضح وضوح الشمس وهو ان الانبار لديها حدود مشتركة مع الاردن والسعودية واتذكر جيدا مدى القلق الايراني والتخبط الذي اصيبت به القيادات الايرانية اثناء فترة تشكيل الحكومة واحتلال الموصل وتكريت والتهديد باحتلال بغداد ويومها احس الايرانيون ان اميركا قد وضعتهم في مازق ولم يستطع الايرانيون ان يصروا على بقاء المالكي رغم تعهدهم له بذلك لانهم يعرفون ان اميركا من السفالة بحيث تستطيع ادخال الذئب الى البيت بدلا من وقوفه على الباب كما وصفه الرئيس الاميركي اوباما قبل اسابيع. 

الان بدا النفوذ الايراني بالانحسار وهذا الشيء لن يحصل بين ليلة وضحاها بل سيحصل تدريجيا وللجميع اكشف سرا ان الاميركان قد خيروا الساسة في العراق بين اميركا او ايران ولذلك تجدهم لايتدخلون عسكريا بصورة جدية بل يتدخلون بطريقة القطارة ويطلبون من الدكتور العبادي وحكومته طلبات مثل استبدال القيادات العسكرية ولن اكشف سرا ان قلت ان التغييرات كان للجانب الاميركي دورا كبيرا فيها وصل لدرجة تحديد الاسماء وستاتي الايام القريبة بدخول القوات الاميركية تحت ستار دعم العراق وتخليصه من داعش وتحرير تكريت والموصل وفق خطط اميركية والذي لايوافق على التدخل الاميركي عليه ان يذهب لايران لاجئا بعد ان تسقط داعش العراق . 

نعم ايها الاخوة جميعا اقول لكم ان العد التنازلي للنفوذ الايراني في العراق قد بدا وان شيعة العراق سيعودون لوعيهم بعد ان تتم تصفية المتطرفين من الشيعة والسنة في العراق والمنطقة وقد يقول قائل هنا ومن سيحد من نفوذ المليشيات وهي كثيرة وهنا اجيبكم واقول مثلما المرجعية الشيعية في النجف رفضت ولاية ثالثة للمالكي ومثلما المرجعية دعت الى تكوين الحشد الشعبي والجهاد الكفائي فانها ستقوم بردع هذه المليشيات وعدم الاعتراف بها بل وستجدون ان الدولة والحكومة والاجهزة الامنية ستجهز وتردع هذه المليشيات وستجدون السياسيين المحسوبين على ايران يتصرفون بطريقة تخالف التعليمات الايرانية التي يصدرها سليماني وغيره وستكون اول بوادر الاصلاح التدريجي البطيء في العراق هو عودة الوعي للجمهور الشيعي وتيقنه من انه لن يكون هناك بلد اسمه العراق ان لم يتم نبذ النفوذ الايراني وستجدون ان الشيعة والسنة هما المكونين الرئيسيين للعراق مثلهم مثل دجلة والفرات وتذكروا هذه المقالة جيدا لانها ليست احلام بل هي ستصبح امرا واقعا لان العراق هو العراق الذي عرفه اجدادنا الاوائل ولاننا كلنا عراقيون وسنبقى كذلك لاننا طيبون وسنعود لجلدنا الطبيعي الذي يعرفه عنا الجميع وحمى الله العراق والعراقيين.

 

نشر المقال هنا

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :136,050,993

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"