إيران ولعبة استلاب وتوظيف الرموز

قيس النوري

دأبت السلطة الإيرانية كل عام عقد مؤتمر تحت عنوان عريض (الوحدة الإسلامية) وقد اختارت لفاعليات المؤتمر الثاني والثلاثين الأخير شعارا براقا يحمل في طياته إيحاء مقصود، حيث جاء تحت عنوان (القدس محور وحدة الامة).

من يقرا عنوان المؤتمر الأخير يتبادر الى ذهنه إلى أن إيران الكهنوتية قد غادرت تطلعاتها الطائفية الضيقة، عماد سياستها والمرتكز الأساس في سياستها الخارجية تجاه العالم الإسلامي الواسع، والذي لا يشكل المنهج والنموذج الإيراني طائفيا إلا نسبة ضئيلة جدا منه إزاء المحيط الإسلامي الواسع المترامي الأطراف.

ورغم أن السياسة الخارجية الإيرانية منذ عام 1979 اتسمت بمنهج تعرضي استهدف الدول والمجتمعات الإسلامية أولا، بدأته بالتحرش بالعراق بتصريحات تحريضية صريحة على لسان كبار مسؤولي النظام الجديد، بدأه الخميني نفسه مرورا برئيس الجمهورية آنذاك أبو الحسن بني صدر الذي قال صراحة في مقابله أجرتها معه صحيفة (النهار العربي والدولي)

الصادرة في باريس آنذاك بقوله إن السلطة الجديدة لا تستطيع منع الجيش الإيراني من تحرير القدس عبر بغداد وكربلاء هكذا في نية واضحة لاحتلال العراق.

ثم تتضخم التدخلات الإيرانية لتطال الأقطار العربية دون استثناء حتى لنظام حافظ الأسد الحليف لهم والشريك في استهداف وابتزاز النظم العربية.

نعود لمغزى المؤتمر السنوي العتيد (الوحدة الإسلامية) ونتساءل ما هو فهم السلطة الإيرانية لوحدة العالم الإسلامي، وما هي غاياته وأبعاده طبقا لذلك الفهم.

توظف السلطة الإيرانية مفهوم العالم الإسلامي من فهمها أن إيران حصرا هي الإسلام، ومنظومتها الطائفية الاستلابية هي وحدها صحيح الإسلام، وبموجب هذا الفهم تسعى لزعامة العالم الإسلامي متجاهلة أنها تتقاطع بالكامل وبعمق مع الطيف الإسلامي الواسع سلوكا وفهما وممارسة.

إذا ما هو الدافع الكامن وراء التوجهات الإيرانية وهذا الإصرار على محاولة التبؤ القسري لقيادة العالم الإسلامي؟

حقيقة أن محاولات الهيمنة الإيرانية ليست بجديدة، فقد حاول شاهات إيران سابقا، وآخرهم كان محمد رضا بهلوي فرض الهيمنة الفارسية بالتوسع بقوة السلاح وبالتواطؤ مع قوى دولية ( بريطانيا والولايات المتحدة ) ، فانتزعت أولا إمارة المحمرة في الربع الأول من القرن الماضي (1925 ) ، ثم أحتلت جزر عربية في الخليج حال الانسحاب البريطاني من الخليج العربي وبتواطؤ مع بريطانيا ، وشاركت عسكريا في قمع انتفاضات جنوب الجزيرة العربية ، ومولت ودعمت حركات مسلحة استهدفت نظم عربية ، وناصبت تجربة عبد الناصر الرائدة العداء ، وشاركت مع حلفاء عرب في فصم عرى وحدة مصر وسوريا ، ودعمت وزودت الانفصاليين الاكراد في شمال العراق بالأسلحة الثقيلة جنبا الى جنب مع الخبراء الصهاينة .

هذا الإرث السلبي لم ينتهي مع رحيل شاه إيران ، وإنما استمر على نفس الوتيرة بعد إعادة صياغته مع الاحتفاظ بجوهر فكرة تحقيق الامن القومي الإيراني بطبعته المستحدثة بغطاء إسلامي مذهبي هذه المرة ، انطلاقا من تقسيمهم للعالم الى (عالم الاستكبار ) و ( عالم المستضعفين ) بقيادة النظام الإيراني ، لكن الأمر الممارس هو إيغال إيران بواسطة أذرعها في إيذاء العالم الإسلامي بالتدخل ونشر الفرقة وترويج خرافات تتنافى والعقل والمنطق قيل أن تتعارض مع سماحة وجوهر الإسلام ، في حين تتحاور وتتفاوض سرا مع ( عالم الاستكبار ) بل تتزود بالأسلحة والمعدات من الكيان الصهيوني مباشرة ( إيران غيت )

النظام الإيراني منذ مجيئه عام 79 يمارس لعبة تدليس باستلاب الرموز، القدس، وفلسطين، وما تمثله هذه الرموز من قدسية دينية ووطنية وقومية ووقع تأثيري عميق لدى العرب تحديدا ليوظفها في إدامة الغرض التوسعي خارج جغرافية الهضبة الإيرانية، وهي نظرة قاصرة لا تملك مصداقيتها بالمقارنة مع السياسة الممارسة المتناقضة حتى مع ادعاءاتهم ومؤتمراتهم وصراخهم.

إن أي سياسة تفقد صدقيتها ما لم تكن مقرونة بفعل يعبر عنها، فالجهاد والنضال من أجل فلسطين طريق عبدته دماء الالاف من العرب والمسلمين من غير العرب، باستثناء واحد يشكل مفارقة تفضح وتعري الادعاء الإيراني، حيث لا يوجد إيراني واحد استشهد من أجل فلسطين على مدى التاريخ، فشواهد من استشهد من أجل فلسطين ما زالت محفورة في صفحات التاريخ الدامي تستذكره الشعوب بفخر وهي شواهد لا تقبل التزوير.

وظف النظام الإيراني أدواته في استخدام البعد الديني بنموذجه الطائفي وسيلة اختراق للمجتمعات الإسلامية تجديدا للتوجه الذي لازم الدولة الإيرانية الفارسية منذ نشأتها كدولة، فطالما كانت نظرة التوسع باتجاه غرب حدودها تمارس قضم الأرض والمياه العربية على مراحل.

بقراءة تاريخ العلاقات العربية ــ الفارسية، والعلاقات العربية ــ الإيرانية لاحقا، نجد أن تلك الحقب اتسمت دائما بالتوتر والازمة الدائمة في علاقاتها مع جوارها العربي وهي بذلك تعتمد الإدارة بالأزمة وليس العمل للتوصل لحل الازمات العالقة.

في مقابل استمرارية هذا الموقف الإيراني، فأن الجانب العربي، منفردا ومجتمعا، لم يبلور سياسة كفيلة باحتواء وتحييد التوجهات الإيرانية، مما وفر الفرص للإبقاء على بيئة متوترة قابلة للانفجار خدمت أهداف السياسة الخارجية الإيرانية والحقت الأذى في البيئة العربية.

حالة السلبية في الجانب العربي، أضافت بعدا خطيرا الى البيئة الإقليمية المتوترة لجهة توفير فرص مضافة للتدخلات الأجنبية المتطلعة لأحكام قبضتها على مصادر الطاقة، وهو هدف تتوافق عليه دول العالم الصناعي.

أن غياب الرؤية الاستراتيجية العربية إزاء محيطها الإقليمي استثمر من الجانب الإيراني مما وفر له بناء علاقات عميقة من نظم عربية اصطفت مع إيران في تفاعلات حركتها السياسية والأمنية كانت وبالا على الجانب العربي مما شكل اختراق عميق للأمن الوطني والقومي العربي.

إن من أهم ضرورات بناء رؤية أمنية عربية تجابه الخطر الإيراني، الوعي بالأبعاد الاستراتيجية لهذا الخطر المتداخل والمتوافق مع الخطر الصهيوني والذي وضع منطقة المشرق العربي بين جانبي كماشة، الصهيوني غربها والإيراني شرقها، وهي حالة تغذيها وتوظفها القوى الدولية الكبرى في مفردات تعاملها مع العرب .

الامن القطري المنفرد لا يتيح ويرسخ تحقيق الامن وضمان استمراريته دون النظر الى البعد الشمولي لأمن المنطقة لاعتبارات موضوعية يفرضها البعد الجيوسياسي ومستحقاته من ثراء وموقع جيواستراتيجي.

متى الوعي فالخطر ماثل؟

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :136,042,949

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"