الاحتلال الأميركي التدريجي للعراق

جاسم الشمري

سبق وأن أوضحت في أكثر من مقال سابق أن الولايات المتحدة الأميركية تتجه نحو العودة التدريجية لاحتلال العراق بالحجة القديمة المستمرة في عموم السياسة الأميركية الخارجة في العراق والمنطقة، ألا وهي الحفاظ على السلم والأمن ومكافحة الإرهاب.

أميركا التي انسحبت من العراق تدريجياً حتى أتمت انسحابها الشكلي من لبلاد الرافدين نهاية عام 2011، نجدها اليوم تواقة للرجوع ثانية إلى هذا البلد المليء بالخيرات الطبيعية، وكأن ما حصل من دمار وخراب وقتل وتهجير لم يكن كافياً لإشباع الكراهية والحقد ضد العراقيين!

في بداية الأزمة (سيطرة مقاتلوا تنظيم الدولة الإسلامية على غالبية أراضي مدينة الموصل، ثاني أكبر المدن العراقية)؛ أرسلت أميركا (1500) مقاتلاً؛ من أجل العمل كمستشارين للحكومة والأجهزة الأمنية واليوم أرسلت أكثر من (1500) آخرين كمدربين للعسكريين الحكوميين وسبق ذلك، وأعقبه وصول عشرات الطائرات والآلاف المقاتلين من أميركا ومن الدول المتحالفة معها، الذين استقروا في قواعد عسكرية أميركية في دولة الكويت، وهم يمكنهم أن يكونوا - خلال  ساعات - في أقصى نقطة في العراق.

الرئيس الأميركي باراك اوباما أكد قبل أسبوعين تقريباً أن" الدور الأميركي في العراق تمثل في عدة مراحل انتهت المرحلة الأولى، وذلك بإكمال الكابينة الحكومية، والمرحلة الثانية تشمل توقف تمدد المتطرفين في عموم الساحة العراقية والمرحلة الأخيرة، أو الجديدة هي بداية شن الهجمات على مراكز تواجد المتطرفين"، بحسب تعبير أوباما.

المرحلة الجديدة مرحلة شن الهجمات على مراكز تنظيم على مراكز مقاتلي تنظيم الدولة يجعلنا نؤكد قرب استخدام وحدات عسكرية برية أميركية إلى العراق لكن هذه المرة ليس لمستشارين ولا كمدريين وإنما كقوات مهاجمة

هذا التدخل الأميركي لا أعتقد أنه سيجد معارضة حكومية واضحة، بل العكس هو الصحيح فرئيس الحكومة حيدر العبادي باعتباره القائد العام للقوات المسلحة أكد بداية الأسبوع الماضي أن الخطوة الأميركية بإرسال (1500) مدربا للعراق جاءت متأخرة وكان من المفترض أن تكون في وقت مبكر من اجل مساعدة العراقيين في مكافحة ما أسماه الإرهاب.

إذاً الموقف الحكومي مؤيد للتدخل الأجنبي ولو على شكل دفعات!

برلمانياً ربما سنسمع بعض الأصوات - غير الفاعلة - التي سترفض هذا التدخل، وربما ستتهم بأنها داعمة لداعش - إن لم توافق على دخول هذه القوات - وهذه مفارقة سخيفة؛ لأن قاعدة إن لم تكن معي فأنت ضدي لا يمكن تطبيقها هنا، فهنالك فرق بين قبول الإرهاب وقبول قوات أجنبية محتلة مجدداً بحجة مقاتلة الإرهاب.

أما شعبياً فاعتقد أن العراقيين يرفضون ذلك التدخل، وسيقفون بوجهه بكافة الإمكانيات المادية والإعلامية المتوفرة لديهم، وأظن أن الأميركان جربوا المستنقع العراقي، وليس من السهولة التورط فيه ثانية!

اليوم هنالك قرابة (4,000) آلاف مقاتل أميركي عدا القوات، التي لها مهام خاصة ومنها القوة التي يقال إنها جاءت خصيصا لتعقب أبو بكر البغدادي زعيم الدولة الإسلامية للتخلص منه  بدأت الطريقة التي تم التخلص بها من أسامة بن لادن، وهذه القوة لا أحد يعرف عددها وإمكانياتها، وهي الآن متمركزة في داخل المنطقة الخضراء ببغداد.

وهي قوة لا يمكن الاستهانة بها قياساً بالقوات الحكومية الحالية على أرض الميدان، وهذا يعني أننا سنلمس تغييراً – ربما سيكون ملموساً - على أرض المعركة؛ وذلك للأسلحة المتطورة وغير التقليدية التي تمتلكها تلك القوات إضافة إلى إمكانية أن تكون أعدادها أكبر بكثير مما تم الإعلان عنه في الإعلام الرسمي الأميركي والعراقي؛ ولكن هل تستطيع القوات الأميركية حسم المعركة بسهولة؟!

الواقع أن رجال التنظيم اليوم متمددون ومنتشرون في عموم مدينة الموصل، وعليه مسألة القدرة على ضرب كافة مقراتهم ربما ستوقع خسائر في صفوف المدنيين الذين ربما تصل أعدادهم إلى مليون مدني في عموم المحافظة وإن لم تؤخذ هذه الجزئية بعين الاعتبار فهذا يعني إننا أمام كارثة إنسانية يسقط فيها الآلاف من المدنيين الأبرياء.

أما الحل للخروج من هذه الإشكالية فان حل سياسي قبل أن يكون حلاً عسكرياً، وتمثل بإيقاف القصف الجوي ثم تطبيق غالبية مطالب الجماهير في المحافظات الشمالية والغربية ثم بعد ذلك يمكن أن ننطلق معا باتجاه بناء الدولة العراقية بعيداً، عن التهميش والإقصاء وهذا وما نأمله حقيقة لعراقنا الجريح.

 

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :135,627,630

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"