للأسف الشديد أثبتت تجارب 16 سنة من الاحتلال الأميركي الإيراني المشترك للعراق أن اليأس يزداد بسبب الشائعات التي تبث الوهم لا الحلم بين العراقيين، على وفق مخطط مدروس متسلسل الخطوات.
ومع كل حملات التوعية والتوضيح، ورغم اعتراف كثير من العراقيين بأن ما يسمعونه ليس إلا شائعات خبيثة، وهذا ما لمسوه فعلاً طيلة السنوات الماضي، إلا إننا لم نجد نكوصاً عنها أو عن مروّجيها، بل نرى أن ترويجها يتواصل بإصرار عجيب! أفهم طبعاً أن العراقيين، الغرقى في لجّة الإرهاب والإجرام والفساد، يقبلون التعلق بقشة، شأن كل غريق، لكنني أؤكد أن هذه القشة ليست لن تنقذهم فحسب، بل إنها ستقصم ظهرهم، حتى إذا تجاوزوا حالة الغرق التي يعانون منها الآن، لكي لا يستقيم لهم حال ولا يعلو لهم بنيان. ولعل قصم ظهور العراقيين، بعد النجاة من الغرق، هو الغاية القصوى من ترويج هذه الشائعات التي تتعدى آثارها السلبية المرحلة الحالية إلى مراحل مستقبلية. لابد من الإشارة إلى أن غياب المرجعية الوطنية الجامعة للعراقيين سياسياً وفكرياً، وغياب الإعلام الوطني الموجّه لكل المواطنين، ووجود الدور الخبيث لأصحاب عمائم الفساد والطائفية والإرهاب، فضلاً عن انتشار وسائل التواصل الاجتماعي التي يجعلها كثيرون مرجعهم الأعلى في استحصال المعلومات، تسبب في شيوع هذه الظاهرة على هذا النحو الخطير. والأدهى أن 90 % ممن نؤكد لهم زيف وخداع ما ينشرون ويتداولون، وهي مهمة نفعلها عشرات المرات كل يوم، يردّون علينا بالقول: إنها حرب نفسية. إنني بعد 36 عاماً من العمل الصحفي الاحترافي والتميز فيه بكل تجاربه الغنية، بتوفيق الله تعالى، أؤكد أنني لا أجيد الحرب النفسية التي تتداخل فيها علوم وخبرات شتى، كلها بات يدّعيها من لا يملك معشار الخبرة التي أمتلك! إن هذا الترويج الكارثي للإشاعات، والإصرار على الخطأ وعلى إشاعة الأوهام القاتلة يستلزم دراسات وأبحاث معمّقة متعددة، اجتماعية ونفسية، وأخرى أيضا، وهي واحدة من اكثر المهام الوطنية إلحاحاً، اليوم اليوم وليس غدا.