يا مجربون اجنوا حصادكم؛ فالاحتلال لم يَعُد؛ لأنه لم يرحل

صلاح الدين محمد

يا قومنا تمهلوا فالاحتلال الأميركي لم يعد؛ لأنه لم يرحل، فهو (احتلال مستمر) يظهر في كل مرحلة بما يقتضيه وضعه وتتطلبه مصالحه، وما انتشاره الأخير في العراق، وخروج بعض قواته في تحركات علنية لا تلقي بالًا لأحد ولا تراعي أوضاعا دوليًة أو إقليمية؛ إلا في سياق مقتضيات الاتفاقية الأمنية الموقعة عام 2009 في عهد المالكي، التي من أهم أهدافها حماية حكومات الاحتلال ودستورها من الانهيار.

ولعل هذا يصدم تمامًا بعض من تعودوا تسويق الآمال الفارغة والأحلام والوعود (الخـُلَّب)، فأمّلوا الناس وبعثوا فيهم مشاعر النشوة المؤقتة التي لا تكاد تنتشر حتى تخفت وتذوب وتزول سريعًا؛ لأنها بلا واقع يسندها أو منطق يعينها؛ فتنشر بذلك مشاعر الخيبة والإحباط ذات الأثر الخطير على النفوس والآمال والأبدان والمشاريع الساعية للتغيير.

إن ما يجرى من حركات استعراضية للقوات الاميركية، ونقل لمعداتها الفارغة هنا وهناك وطيرانها المعلن في بعض أجواء العراق، ماهو إلا من قبيل الخروج المنظم والــُمرتب من سياسة عدم الظهور التي مارستها هذه القوات منذ عام 2011؛ مراعاة لما ادعته من انتصار لقواتها (المنهزمة) وإقرارٍ للديمقراطية المتوهمة؛ ولكنها تعمد اليوم مضطرة لتفادي انهيار حكومة (الاحتلال السابعة)، التي كانت توقعاتهم أنها لن تصمد سوى (6) أشهر، فما بالك بها لم تكتمل بعد في هذه الأشهر الستة؟! ولاسيما أن أبرز مهامها -المستحيلة- الموكلة إليها، وهي القضاء على الفساد؛ كان الفشل فيها أسرع بكثير مما كانون يمنون النفس به.
ونتيجة لعدم تحقق توقعات ما يسمى بالمجتمع الدولي بحل يسعف اللاعبين بمصائر العراقيين قبل هذه الأشهر الستة –وهذا ليس تحليلًا- حيث تترنح (الحكومة) وتتصارع أجنحتها علنًا؛ فلم يكن بدٌ مع وجود رئيس مثل ترمب -يعشق الاستعراض كثيرًا- إلا أن تنزل القوات الأميركية للشوارع كما هو منصوص عليه في الاتفاقية الأمنية. ولعلنا نسمع بعد أيام بث الإذاعات الأميركية الداخلية المنصوبة في قواعد القوات الأميركية -المصرح بها بحسب الاتفاقية الأمنية أيضًا- عبر شبكات الأثير في الشارع العراقي. وها هو ترمب يُجهز سريعًا على التوقعات والتعللات، ويفصح عن بعض مهام قواته المتحركة في العراق، معلنًا أنه سيتخذ من أراضي قريبة من سوريا منطلقًا لحرب (تنظيم الدولة_داعش). فيا ترى أين هي هذه الأراضي؟!.
وبحسب ما تقدم، فلن تقوم هذه القوات بتحقيق آمال العراقيين بالخلاص من الميليشيات الإيرانية الجاثمة على رقابهم، والسافكة لدمائهم والناهبة لأموالهم والسارقة لمقدرات العراق وثرواته، والممسكة بخناق كثير من مدنهم، والمتربصة بكل فعل لا يستقيم مع ما تريد، وما يمليه عليها وليها الأكبر وداعمها وموجهها لفعل الشرور، وهو النظام الإيراني بشخص أدواته المتحكمة في عراق اليوم، الذي يتقرب إليه من يدعون الحرص على مصالح (أهلهم) -كما يقول المتقربون- بحمده وشكره.
وسنقع مرة أخرى بين فكي الكماشة الأميركية الإيرانية، وسيكون العراقيون طعمًا وطعامًا لكل طرف من طرفيها، في سياق معركة لا ناقة للعراقيين فيها ولا جمل؟! وسنشكو بعد حين من تجاوزات هذه القوات، كما كان العراقيون يشكون من جرائمها في سنوات الاحتلال الأولى، عندما كانت تقيم حفلات الإعدام الجماعية والفردية اليومية في محافظات العراق ومدنه، وتدهس المارة في الشوارع، وتطبق عليهم قواعد اشتباكها القاتلة. ويمكن لمن يريد التوثق أو يهمه هذا الأمر أن يعيد قراءة بنود الاتفاقية الأمنية؛ ليكتشف أن ما يجري هو جزء فقط من الصلاحيات التي أعطتها الاتفاقية الموقعة في زمن -المالكي- لقوات الاحتلال الأميركي، والقادم أكثر.
وأقول لمن يروج عمدًا أو من غير قصد لمظاهر هذا التحرك وصوره، ويعول عليها: يكفي لعبًا وتلاعبًا بعقول العراقيين وقلوبهم ومشاعرهم، ومن لم يستطع منكم أن يكون عامل أمل، أو باعث تفاؤل حقيقي، أو ساعيا في الميدان لتخفيف معاناة العراقيين أو البحث لهم عن حل؛ أن يلزم خاصة نفسه ويعود عليها بالمراجعة والتهذيب، وعلى ما ينشره بالمراجعة والتعديل والضبط، فإذا كانت كلمة تهوي بصاحبها في مهاوي الردى والضياع؛ فما بالك بكلمات تهوي بغيره؛ حيث لا (حل) ممكن في سياق ما ارتضيتموه من (عملية سياسية)، إذا لم يستطع من يقترحه أن يفرضه أو على الأقل يجد فيه إمكانية للتطبيق ولو بنسبة متدنية، ولكن أنّى يكون ذلك والإرادة الأميركية حاكمة والهيمنة الإيرانية واقعة؛ بل وتزيد على (صديقتها أو عدوتها) الأميركية؛ بامتلاكها الأرض والقرب وكثرة الموالين، والمنفذين والمتعاونين والمتعاملين والمبررين للانخراط في قافلتها والمغردين في سربها، ممن كانوا يدعون خلاف ذلك.
وهنا يأتي سياق أسئلة عدة مهمة يحاول كثيرون التهرب منها وهي: ماذا فعلت الحلول المطروحة سابقًا، ومنها المشاركة الفاعلة في العملية السياسية، وماذا فعلت المشاركات السابقة في 4 تجارب انتخابية بائسة، وماذا صنعت الانتخابات الأخيرة، التي سقت مروجيها والداعين إليها والمصدرين الفتاوى لها، والداعين إلى الجهاد من أجل (الصندوق)؛ حصادها المر، الذي يأتيهم عامًا بعد عامٍ علقمًا.
وبدل أن يتوقف هؤلاء وأولئك من (قادة) الداخل -كما يسمونهم- عن تكرار التجارب الفاشلة ومراجعة الخطط المطروحة، والتفكير في حلول حقيقية؛ نراهم يزيدون من وتيرة الانحدار السياسي إلى التحالف مع القاتل الذي كانوا يدعون إلى الخلاص منه ويبررون مشاركتهم بتقليل ضرره، وها هم في محوره وكتلته أو يتحاشون ذكره أو التنبيه عليه؛ بل ويصنعون أسماء وعناوين ومرجعيات تسير في فلكه وتقتفي أثره وتنهل من فتات عطائه؟!.
ونراهم أيضًا يعودون إلى الماضي الذي كانوا يرفضون مجرد العودة إليه بسبب (سواده) وبذريعة أنهم من أبناء اليوم؛ بدل كل ذلك يعودون لتحميل غيرهم المسؤولية ويدعون لتقييم تجارب الآخرين وتحميلهم المسؤولية عما جرى!! وهي خطة لا يعوزها (الدهاء) وغير الدهاء مما نعف عن ذكره، ففيها هروب من ماضٍ سياسي فاشل، وقفز إلى الأمام بانتقاد الآخرين، مستلهمين أسلوب رعاة عمليتهم السياسية في الصدم والترويع، مع زيادة يقتضيها الحال ولا تفارق أساليبهم المعتادة وهي (التشويه) و(التدليس) و(الإدعاء بلا دليل).

ويحق لنا هنا أن نسأل: أين هي نتائج المشاركة في العملية السياسية، وأين هي وقائع التوافق المتحققة، وأين نجد تطبيقات المساءلة والعدالة الحقة، وترى كم مشروع إقليم نجحتم في إقراره، وما هي ثمرات مجالس الحكم المحلية التي قدتموها بأنفسكم، وأين هي المصالح الاقتصادية التي انجزتموها لأبناء محافظاتكم التي كنتم تطالبون بها، وترى أين هي وحدة فعلكم السياسي واجتماع كلمتكم كساسة تؤمنون: بالمرونة و(البراغماتية) وتتمتعون بحس المخاطرة العالية، وفهم السياسة، والاعتدال وعدم التشدد، والواقعية وعدم المثالية؟! ثم أين هي (معركتكم الموهومة) مع (تنظيم الدولة_داعش) الذي نصبتموه في الظاهر عدوًا وتعاملتم معها خفيًا، واستخدمتوه (مخوفين به) في معارككم الجانبية وتصفياتكم الداخلية، مقتبسين في ذلك أسلوب عدوكم الإيراني وقبله محتلكم الأميركي في التعامل معه وفسح المجال له لتخريب كل جهد وطني حقيقي؟!.
ها أنا أراكم ويراكم العراقيون على كفتي ميزان، ليس لهما من معاني البناء والإصلاح شيءٌ يُذكر؛ وكلما ارتفعت كفة هذا طاشت كفة ذاك، فأين مشاريعكم الوطنية، وأين قراركم المستقل، وأين محاوركم الفعالة، وحلولكم الناجعة، وأين هوياتكم وتوافقاتكم وتضامنكم وخلاصكم وأين وأين وأين؟! أسئلة يطرحها عليكم كثيرون ممن اسقيتموهم وعود الخلاص بلا خلاص؟! ثم أين هي وعود القوة وأماني (الحرس الحامي) لمحافظاتكم؟ وأين هي معطيات تصحيح المعادلة العسكرية في الشرطة والجيش، التي تعرفون تمامًا أنها محسومة ومحسوبة منذ ساعات الاحتلال الأولى ولا خلاص منها ولا فكاك، فأنتم يا سادة دخلتم مجلس حكمهم في بدايته، ثم في عمليتهم السياسية في مراحلها المختلفة، وفقًا لقاعدة (الأقلية) وبنسبة لن تستطيعوا لها تغييرًا ولا تعديلًا، فما بالكم اليوم في ظل صراع القوى المهيمنة والميليشيات المتنفذة؟!.
وأخيرًا: أين محيطكم وداعميكم؟! وقد تُركتم كما تُرك غيركم لقدرهم، ونجح عدوكم في تجريدكم من كل أسلحتكم، وسرت عدواكم للسوريين واليمنيين كذلك، فالمصيبة واحدة والواقعة الأليمة نزلت بالجميع، ولا عزاء للمعتذرين والمبررين والمتشبثين بالنظام العربي الرسمي والإقليمي الذي لم تنجح دوله بلا استثناء، في تخفيف ضرر ما يقع -ولا أقول حسمه فالقدرات والإرادات معروفة- فإذا بالضرر يضرب أركان المنطقة جميعًا.

نشرالمقال هنا

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :135,624,904

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"