بعد 40 سنة، بني صدر يكشف المستور: خميني أعدَّ خطة سرية لانتزاع صلاحيات مطلقة وتواطأ مع ريغان في أزمة الرهائن، والملالي ألبسوا صراع النفوذ ثوباً دينياً

إسراء أحمد فؤاد

الثورة تأكل أبناءها..

قبل 40 عاما ما أن تصدَّع عرش الطأووس، وسقط النظام الشاهنشاهى لمحمد رضا بهلوي، عاد آية الله خميني من المنفي بباريس إلى طهران، وسرعان ما دبَّ الخلاف بين المقرَّبين منه، وبدأت الثورة تلتهم أبناءها، كان أحدهم أبو الحسن بنى صدر، أول رئيس جمهورية لإيران بعد ثورة 1979، قضى عليه خميني، فنجا بحياته واختار العيش في المنفى.

ولد بنى صدر عام 1933 في همدان غرب إيران، وكان لأب من رجال الدين النافذين، درس الاقتصاد والحقوق الاسلامية في جامعة طهران، نشط في مؤسسة الدراسات والبحوث لمدة أربع سنوات، انخرط في العمل السياسى وانضم للحركات الطلابية منذ الستينيات، انضم إلى مجموعة المقأومة الايرانية بزعامة خميني في فرنسا، عاد إلى إيران في شباط/ فبراير1979، حيث عين نائبا لوزير الاقتصاد والمالية، وشغل منصب القائم بأعمال وزير الخارجية ووزيرا للمالية من 79 وحتى 1980.

بارك المرشد خميني انتخاب "بنى صدر" كأول رئيس إيرانى يأتى عبر انتخابات رئاسية لمدة أربع سنوات بعد الثورة في كانون الثاني/ يناير عام 1980 وحصل على 11 مليون و700 ألف صوت،  وسرعان ما دبَّ الخلافات بينه وبين المرشد حول مبدأ ولاية الفقيه واتهم بضعف الأداء في قيادة القوات المسلحة خلال الحرب العراقية الإيرانية، كما اتهم بالتقارب مع جماعة معارضة للجمهورية (الإسلامية)، قام البرلمان الإيراني بسحب الثقة من بنى صدر بغيابه في حزيران/ يونيو 1981، وتنحيته من منصبه بعد تسعة أشهر من تولى رئاسة البلاد، وبقى مختبئا لبضعة أسابيع حتى استطاع أن يفرَّ إلى تركيا ثم إلى فرنسا ويعيش بالمنفي حتى يومنا هذا، وأصبحت كلمة بنى صدر في الأدبيات السياسية الإيرانية تعنى "العزل السياسى".

 

استبدال استبداد نظام الشاه باستبداد نظام "الملالي"

بعد 40 عاما فتح "بنى صدر" دفتر ذكرياته وكشف المستور والمسكوت عنه طيل أربعة عقود من الزمن، حيث يروى في مقابلة مطولة أجراها الزميل سلام مسافر لبرنامج قصارى القول الذي تبثه قناة "روسيا اليوم" أن "ثورة إيران كانت حركة شعبية الجميع شارك فيها، والأساس الذى ارتكزت عليه هو فاعلية الجمهور حيث يكون التغيير قادم من القاعدة، وعندما غادر نظام الشاه كنا أمام خيارين، إما إعادة بناء استبدادٍ موازٍ أو إعطاء الحقوق المدنية لجميع المواطنين، موضحاً أن أولئك الذين أيدو فكرة الجمهورية بإعطاء حقوق مدنية مسأوية للجميع وجدوا انفسهم في  مواجهة مع من أرادوا إعادة إنتاج نظام استبداد الشاه مرة أخرى، هنا حأول كل طرف الغاء الأخر، وللسلطة آلية لا تقبل القسمة على اثنين.

https://youtu.be/KfTcmNXYdgQ

 

وقال خلال البرنامج، إنه منذ الثورة وحتى اليوم 40 سنة وهذه الآلية ذاتها، جانب يسعى لإلغاء الآخر، وحتى لحظتنا الراهنة هناك اشخاص في النظام الحالي هناك اشخاص يجرى استبدالهم إما بالاقامة الجبرية وإما بالسجن أو النفي أو الطرد، هكذا تعمل آلية السلطة".

وتساءل: لماذا حصل هذا؟ ويجيب: لأن الصراع كان إما بين تحقيق إرادة الشعب أو إرادة استبداد آخر، يسمى اليوم "نظام الملالي".

وأكد بنى صدر للزميل مسافر أن الخلاف الذى دبَّ بين خميني ورجال السلطة لم يكن خلافا ايديولوجيا، فالقول إن الخلاف كان أساسه فكرى كاذب، الخلاف كان أساسه يدور حول السلطة والنفوذ، ولكن لم يرغب أحد أن يقول ذلك في تلك الفترة، لذا ألبسوا الخلاف ثوبا فكريا دينيا، هذا كذب ما حدث ان احد الاطراف اراد إعادة بناء استبداد النظام السابق مرة أخرى ليصبح هو مكان الشاه، كان هناك خطة سرية جرى الكشف عنها السنوات الأخيرة، وفقا لهذه الخطة يُمنح خميني صلاحيات مطلقة ويختار مجلساً للشورى لتنفيذ أوامره إلى جانب وجود حزب واحد يسيطر على المجتمع، وهذا لم يكن منسجما مع طبيعة الثورة الايرانية، لأن الثورة لم تنتج عن مؤسسة سياسية وإنما كانت انتفاضة شعبية، لذا فان الخلاف حدث بين المطالبين بالحقوق المدنية والساعين للسلطة، والطرف الأول جرى تصفيتهم ليقع الخلاف بين المجموعة الثانية حول السلطة.

وحول الأحزاب السياسية، قال بنى صدر "خميني لم يكن مؤيدا لفكرة الحزب، ولكن عندما تأسس حزب الجمهورية الإسلامية وفقاً للخطة السرية قدم له الدعم المالي والسياسى حتى يقف على قدمين وهو نفس الحزب الذى حلّه لاحقاً، ولكن في بداية الثورة ساعد هذا الحزب كثيرا حتى يكون الحزب الواحد المسيطر على المجتمع".

وحول "ولاية الفقيه" قال أول رئيس إيرانى، غيّر خميني وجهة نظره في ولاية الفقيه خمس مرات بحسب رؤيته، وعندما كان في إيران قبل الثورة كان معارضا لفكرة ولاية الفقيه، بعد ذلك في النجف قال أن ولاية الفقيه تعنى تطبيق أحكام الدين، وفي فرنسا قال إن الولاية للشعب، وعندما وصلنا لإيران دعا لأن يكون الإشراف للولي الفقيه، ثم عندما استتب له الأمر جعلها ولاية مطلقة للفقية، وهذا مرتبط بعلاقته بالسلطة، عندما كان بعيدا عنها كان معارضا لها، وعندما توحد بالسلطة دعا بالولاية المطلقة".

وحول مدى نجاح مشروع الاصلاحات الاجتماعية الذي تبناه الشاه في ذلك الوقت، قال بنى صدر لـ "قصارى القول" إنه "بدون توافر المسببات فإن الامر لن يحدث، لو كان نظام الشاه قابلاً للاصلاح لحدث ذلك، أساس نظام الشاه هو الاستبداد المطلق والصلاحيات الكاملة للشاه، وهو ما يخالف الدستور حينها ويمنع أى شكل للإصلاح، وذكر ذلك مدير مكتب الشاه، علي أميني، في مذكراته، أن الشاه استدعاهم وطالبهم باستمرار هذا النظام المستبد من بعده، ولم يقدم الشاه على التغيير وظل رافضاً لكل أشكال الإصلاح، وحتى أنه لم يوافق على خفض موازنة الجيش حينها، ما دفع أمينى لتقديم استقالته، وقال الشاه أيضا إنه جمع قادة نظامه وقال لهم إنه أراد استمرار هذا الاستبداد، في اللحظات الاخيرة ومن خصائص الأنظمة التي تثور أمامها الشعوب أنها تقرر التغيير في الوقت الضائع، لكنها في الوقت الذى كان التغيير فيه ممكنا لا تُقدم عليه، وظل معانداً ورافضاً للمصلحين، حتى سلّم مقاليد البلاد لحكومة بختيار وخرج منها، ولو سلّم للإصلاحيين وأجرى تعديلات اصلاحية ربما لما قامت الثورة ضد" على حد تعبير بني صدر.

 

الثورة كانت ضد نظام الشاه والنفوذ الأميركى معاً

وحول علاقة الثورة الايرانية بالغرب، واعتقاد البعض أن الشاه اصبح غير مريح لهم حين بدأ يتحدث عن أنه لن يعيد اتفاقية النفط مع الشركات الغربية، رأى بنى صدر "هذه أكاذيب روّجها الشاه بعد سقوطه وهى أن الغرب تخلى عنه بسبب سياساته النفطية، مستشهدا بالقول "بلغ سعر برميل النفط 12 دولاراً و70 سنتاً، وعندما قمنا بالثورة غيّرنا السوق وأصبحت قيمة البرميل 34 دولارا، واضاف أنه كانت هناك حلقتان، الأولى هى استبداد نظام الشاه، والثانية وقوع ايران تحت النفوذ الأميركية، التحدى أمام الثورة أن تخرج المجتمع من هذين الحلقتين.

وأكد "لذلك كانت الثورة ضد نظام الشاه وضد النفوذ الأميركى في ذات الوقت، وجيمى كارتر وحتى اللحظة الأخيرة كان داعماً لنظام شاه، وذلك من أجل تثبيت أركانه، والولايات المتحدة وحلفاءها عندما لم يرغبوا بالشاه لم يرغبوا بخميني، وأرادوا الحفاظ على النظام بتثبيت رئيس الوزراء بختيار، هكذا كانت خطته، ولو كان ذلك غير صحيح لاستمع كارتر لسفيره بوجوب الدخول في مفاوضات مع خميني، لكنه لم يوافق على ذلك، وألغى قراراً لإرسال ممثل عن الخارجية الأميركية للقاء خميني، نظام الشاه كان متوهما ولم يرد الاعتراف بالحقيقة لأن عائلة بهلوي حكمت ايران لأكثر من 60 عاما تحت الاستبداد والفساد والخيانة والاجرام والاهانة التي كانت توجه للشعب وهو ما لم يتحمله الأخير، والقول بأن ثورة الشعب الإيراني كان سببها الولايات المتحدة هى إهانة للشعب. الأميركيون كانوا مستفيدين من سياسة الشاه النفطية وما من سبب للإنقلاب عليه".

 

صفقة بين خميني والمرشح الرئاسى ريغان

وحول احتجاز الرهائن الأميركيين في 1979، قال بنى صدر، أولا الشاه نفسه كان له دور فيها، كما أن أولئك الذين داورا القضية في أميركا مثل روكفلر وكيسنجر وبعض مسؤولى السي آي أي هم الذين أوصلوا القضية لهذا المستوى.

ويروى بنى صدر "في ذلك الوقت ذهبت أشرف بهلوي شقيقة الشاه إلى روكفلر وكان قد جرى استدعاؤها في أميركا لتصبح أحد الاسباب في اقتحام السفارة، وطالب الثوار بإعادة الشاه من الولايات المتحدة، والأميركيون كانوا يريدون أن يقدم الشاه استقالته وأن يحلّوا مكانه ابنه أو شقيقه، وهذا هو الذى قاد لإقتحام السفارة.

وحول سبب استمرار الأزمة 444 يوما، قال "الأمر يتعلق بانتخابات الولايات المتحدة، ففي ربيع 1980 سعى حلف ريغان– بوش، للتواصل مع ايران، ومعى أنا شخصيا، وجناح خميني وقادة حزب الجمهورية الاسلامية، ان لم أرحب بالامر وقلت لهم هذا يخالف القانون الدولي وعلى أي أساس يمكن لمرشح رئاسي أميركي أن يجلس مع رئيس جمهورية ايران من أجل التفاوض على قضية الرهائن، لكن الجناح الآخر رحّب بالامر.

وقال بنى صدر تمت الصفقة بينهما في باريس (بين خميني وريغان لتأخير اطلاق سراح الأميركيين)، وكما تعلمون فاننى ذهبت للكونغرس الأميركى وأدليت بشهادتى وشكل الكونغرس لجنة للتحقيق ليتم الكشف عما حدث في تلك الفترة، والروس أيضا أرسلوا تقريرا للأميركيين حول الأمر، وقالوا ان التقرير وصل متأخرا، وحينها شكلوا لجنة تحقيق. وسألوني: هل تعلم معنى القول ان ما حدث في تشرين الأول/ اكتوبر كان حقيق؟ وهل حدث اتفاق بين ريغان وخميني على تأخير اطلاق سراح الأسرى؟ قلت له نعم.

لكن تصرف الادارة الأميركية حينها لم يكن قانونياً، وقلت يجب أن تتحدثوا عن هذا لأن الديمقراطية التي تتحدثون عنها ستكون في خطر، وسكت أنا ولم أكشف شيئاً حول الأمر، لكنني في ذلك الوقت لم يكن لدي دليل على أن السيد تى سي والذى أصبح رئيس السي آي أي التقى مندوب خميني، وأصبح معروفا أن بوش الأب والذى كان نائبا للرئيس ريغان وأصبح رئيسا في وقت لاحق، جمع وثائق قدمها لأحد الصحفيين الأميركيين والتي تعود لسفارة أميركا في مدريد وتقول أن السيد تى سى التقى مع ممثل خميني في مدريد.

وأكد بنى صدر أن الصفقة تمت بين خميني وريغان بسرية وإلا وما معنى أن يطلق سراحهم في ساعة فوز ريغان وأداءه القسم؟!

بعد ذلك جرى الكشف عن فضيحة "إيران غيت"، التي كانت صفقة سرية جرى بموجبها بيع الايرانيين أسلحة من أميركا، وحتى الأميركيون أنفسهم توسطوا عند اطراف أخرى حتى يشتري الايرانيين اسلحة مختلفة، مؤكداً أن العلاقات السرية بين الولايات المتحدة ونظام خميني لا يمكن انكارها.

 

المصدر

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :136,004,015

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"