اجتثاث القوى المناهضة للإمبريالية تجربة يراد منها التعميم

الصورة: نموذج لشعارات الاجتثاث الارهابية في العراق.

قيس النوري

الاجتثاث كفعل يعني قتل الشيء لإنهائه من التأثير في الحياة، ربما ينجح الاجتثاث على الأشياء من مكونات الطبيعة، لكنه بالقطع يواجه الفشل الأكيد بإنهاء الأفكار والعقائد.

 

على مر التاريخ مارست قوى الغصب محاولات اجتثاث الفكر من العقل الإنساني، ولم يسلم من هذا الفعل حتى الدعوات الدينية التجديدية، ولعل محاولات روما القديمة محاربة المسيحية باعتبارها أفكاراً ناهضت النزعة الإمبراطورية وعبوديتها للإنسان مثال صارخ على تلك النزعة.

الاجتثاث في العصر الحديث ورثته الظاهرة الاستعمارية من أرثها الامبراطوري القديم وسيلة من وسائلها المتعددة الاشكال في محاولة القضاء على الفكر الحر المناهض لنزعتها الامبريالية المتوحشة، والاجتثاث بمعنى آخر هو استلاب للإنسان يستهدف عقله أولا حتى يتحول الى أداة طيعة مسلوبة الإرادة من المشاركة في صنع الحياة، وصولاً لمجتمع مفرّغ فكرياً عبر نسف الديناميكيات الفكرية الحية الفاعلة والمبدعة للشعوب.

منظّر عصر العولمة (فرانسيس فوكاياما) وأضرابه من منظّري التزييف يبشرون العالم بإعاده إنتاج هذه الممارسة بمقولتهم الفاسدة حول (نهاية التاريخ)، القصد منها أن تاريخ العالم يبدأ، دون سواه، من عصر الهيمنة الفكرية والسياسية والاقتصادية الاميركية بأدواتها المعلومة، فهو إذاً عصر أميركي يراد فرضه بإلغاء عقل الاخر ليتبنى المفاهيم والقيم الاميركية دون سواها ، أما الموروث التاريخي العظيم المتراكم معرفيا للشعوب المتجذر في عمق التاريخ والذي أنتج الفلسفات والآداب والقوانيين والفنون وإبداعات فكرية عميقة فهو في نظرهم مجرد موروث لا قيمة له، وعلى الشعوب مغادرته ومسحه من الذاكرة العقلية ما دامت اميركا أنتجت لنا حضارة ترتكز على فكرة الاستحواذ والقبول بها صاغرين ، ليس على الموارد حسب وانما على العقول أيضا لتأصيل الخواء!

أول ممارسة لهذه السياسة في العصر الحديث أعيد إنتاجها لتمارس العمل على المجتمع العراقي بعد احتلاله، حيث حوّلوا هذا البلد إلى مختبر لممارسة منهج الاجتثاث في محاكاة لمختبرات البحث والتطبيق، وهم يأملون في حال نجاح التجربة في المختبر العراقي تصديرها وتطبيقها على مستوى أوسع مستهدفا البلدان والشعوب الأخرى الرافضة لعصرهم الأميركي.

ليس سرا أن ممارستهم هذه المعادية للنزعة الإنسانية الحرة والتي أمعنوا في تطبيقها على المجتمع العراقي قد واجهت فشلها الذريع والمخزي في نفس الوقت، بل جاءت بمخرجات عكسية تماما خيّبت نتائج مختبرهم، حيث أن شباب العراق اليوم، والكثير منهم لم يشهد الممارسة السياسية للنظام الوطني قبل الاحتلال، بحكم العمر الغض لهؤلاء الفتية، بدأ يتغنى وبتحدي بطولي بذلك الإرث الوطني، صارخا بغضب بوجه الأدوات البائسة لذيول الاحتلال، وهو إثبات جديد على الحدس النافذ للشعور الشعبي وصدقه.

لم يعرف التاريخ الإنساني بكل صفحاته موت الفكر، كما قصائد الشعر الخالدة، فالموت يستعصي على الأفكار، مثلما لم يعرف التاريخ عبر قرونه وحقبه نجاح المسعى الحيواني السمات باجتثاث الفكر الكامن في الضمير الحي للإنسان المتطلع نحو بناء الحياة الأفضل.

مقاومة سياسات الاجتثاث وأفشالها ليست فقط واجباً وطنيا،ً وانما هي من صلب الواجبات ذات البعد الإنساني، كونها لا تستهدف مجتمعاً بعينه وانما يراد تطبيقها على القوى الوطنية أينما وجدت باعتبارها إحدى أدوات الهيمنة السهلة بعد اغتيال عقول الشعوب.


comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :136,038,461

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"