لماذا يدافع ماكرون عن الصهيونية؟

محمد سيف الدولة

قال "ماكرون" خلال كلمة ألقاها يوم الأربعاء 20 شباط/فبراير الجاري في باريس، خلال العشاء السنوي للمجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية في فرنسا (إن معاداة الصهيونية هي شكل حديث من معاداة السامية.. وإن فرنسا ستعتمد في نصوصها ومراجعها تعريفا جديدا لمعاداة السامية يشمل أيضا معاداة الصهيونية لتصبح بذلك معاداة الصهيونية بمثابة معاداة للسامية).

وقال بأنه قبل اتخاذ قراره بشأن معاداة الصهيونية قد (اتصل برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتياهو وأعلمه بالقرار).

لماذا يدافع ماكرون عن الصهيونية؟

هل يحتمي بالمنظمات الصهيونية الفرنسية بعد إن تراجعت شعبيته وانفجرت الانتفاضة الشعبية في وجهه؟

ولماذا يستقوي غالبية حكام العالم بالصهيونية العالمية و(بإسرائيل)، كلما اهتزت مراكزهم داخل مجتمعاتهم؟

ولماذا تعجز الجاليات العربية والإسلامية الضخمة في أميركا وأوروبا عن أن تؤسس حركات ومنظمات وجماعات ضغط قوية مماثلة تكون قادرة على التصدي للنفوذ المتصاعد للمنظمات الصهيونية العالمية؟ 

لقد كنا نتصور أن الحكام العرب هم وحدهم الذين يستجدون الاعتراف والحماية الدولية عبر بوابة التقرب إلى (إسرائيل) والتطبيع والتحالف معها. 

ولكن ها هو ماكرون يفعلها، ومن قبله فعلها ترمب منذ الأيام الأولى، فكانت قراراته بالاعتراف بالقدس عاصمة ل(إسرائيل)، وبنقل السفارة، وبتصفية القضية الفلسطينية فيما يعرف بصفقة القرن، وبقطع المساعدات عن الاونروا ثم عن السلطة الفلسطينية، كانت كلها قرارات تغازل اللوبى الصهيونى الأميركى في مواجهة أزماته الداخلية التي لا تنتهي. 

وها هو "غوايدور" رجل أميركا في فنزويلا يصرح بأنه ينتوى إعادة العلاقات مع (إسرائيل)، في مواجهة "مادورو" الرئيس الشرعي المعادى للأميركان المناهض ل(إسرائيل) والداعم لفلسطين بلا حدود والقائمة تطول.

ولكن فلنراجع معا ماهية الصهيونية التي يتصدى "ماكرون" لحمايتها والدفاع عنها ضد مناهضيها من المواطنين والسياسيين الفرنسيين:

إنها عقيدة ونظرية تنطلق من أن كل يهود العالم يشكلون امة واحدة، شعب واحد، فدينهم هو قوميتهم، وقوميتهم هي دينهم، ومن ثم فهي تجردهم من كل انتماءاتهم الوطنية والقومية الأصلية والطبيعية، وتصطنع لهم انتماءً بديلا باطلا وزائفا، لا يوجد له مثيل في كل شعوب العالم. 

وهى نظرية غارقة في عدوانيتها وعنصريتها إذ تنطلق من انه ليس لليهود ارض ووطن سوى ارض فلسطين التي وهبها لهم وخصها بهم إلههم منذ آلاف السنين، بعد أن اصطفاهم وفضلهم على كل خلق الله من الاغيار الأشرار. 

وهى تبنى على ذلك أن السكان الذين كانوا يقيمون علي هذه الأرض منذ 14 قرنا وأكثر هم احتلال عربي فلسطيني. 

وإن الحركة الصهيونية ما هي إلا حركة تحرر وطني نجحت في تحرير جزء من أرضها المحتلة من الاستعمار العربي، وستظل تكافح إلى أن تنجح في تحرير باقي أرضها المحتلة التي هي كل فلسطين من النهر إلى البحر في إحدى الروايات ومن النيل إلى الفرات في روايات صهيونية أخرى. 

ويترجم الكيان الصهيوني المسمى (بإسرائيل) يوميا هذه النظريات الباطلة إلى اعتداءات وسياسات في الأرض المحتلة منذ ما يزيد عن قرن من الزمان، فيحتل الأرض، ويفرغها من أصحابها طردا وتهجيرا وقتلا وإباد، فلولا العنف والإرهاب والقتل والتصفية والتهجير والطرد والمذابح على غرار دير ياسين لما قامت (إسرائيل) على حد المقولة الشهيرة لمناحم بيجين.

 ويمنع عودة المطرودين من اللاجئين الفلسطينيين رغم صدور القرار رقم 194 من الأمم المتحدة عام 1948، الذي يلزم (إسرائيل) بذلك كشرط لقبول عضويتها بالأمم المتحدة. بينما تفتح باب الهجرة إلى فلسطين لكل من هب ودب من اليهود من كل بلاد العالم.

وتعتدي على الدول العربية المجاورة وتحتل أراضيها وتردعها وتهددها بالضرب والعدوان إن هي قدمت أي دعم للشعب الفلسطيني لاسترداد أرضه، حتى المقدسات الدينية لم تنج من اعتداءاتها والتحرش بتا والسعي إلى الاستيلاء عليها وتهوديها.

 وكله قائم على أكاذيب كبرى وادعاءات باطلة وأساطير زائفة عن الشعب اليهودي وارض الميعاد.

 كانت هذه بعض من معاني الصهيونية وممارساتها، وبالتالي فان في أي دفاع عنها، من ماكرون أو من غيره، اعتناق لنظريتهم الاستعمارية العنصرية الاجتثاثية الباطلة، ومباركة لكل جرائم القتل والإرهاب التي يرتكبونها في حق الشعب الفلسطيني، كما أن فيها عداء صريحا للأمة العربية بكل شعوبها، حيث أن كل الوجود العربي من المنظور الصهيوني هو وجود استعماري غير مشروع سواء في فلسطين أو خارجها، كما أن فيه دعم لاحتلال أوطان الشعوب بالقوة بالمخالفة لميثاق الأمم المتحدة، ودعم لأعمال العربدة والبلطجة التي ترتكبها (إسرائيل) كل يوم من عدوان أو تهديد لباقي الشعوب العربية من سوريا إلى لبنان إلى تونس إلى العراق إلى السودان.

 ناهيك على أن الصهيونية بتلك الرؤية لا تهدد فلسطين والعرب فقط، بل يمتد تهديدها إلى فرنسا ذاتها أو إلى أي دولة في العالم يتجه ولاء مواطنيها من اليهود إلى كيان خارجها يسمى (بإسرائيل).

إن هناك أنباء متداولة عن اتجاهات قوية داخل حركة السترات الصفراء، تناهض (إسرائيل) والصهيونية.

وهو ما يحتم علينا جميعا وفى القلب منا أشقائنا من جاليات دول المغرب العربي هناك، أن يبحثوا عن قنوات تواصل مع هذه الاتجاهات ويدعموها ويمدوها بالمواد والمراجع السياسية والعلمية والفكرية التي تكشف زيف وبطلان النظرية الصهيونية، وتعرض وتشرح الرواية الفلسطينية والعربية. وقد يجدون في مؤلفات المفكر الراحل "روجيه جارودى" اجتهادات كثيرة في هذا المجال، مثل كتابه "الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية" التي تعرض للمحاكمة بسببه، والتي يفند ويدحض فيها كل الخرافات الصهيونية التي أغرقوا بتا الرؤى العام الغربي لعقود طويلة.

وعلينا أن نساعد الشعب الفرنسي وكل شعوب العالم على التعرف على الوجه الآخر للشعوب العربية، الوجه الحقيقي لنا، بدلا من تلك الوجوه الرسمية التي لا تمثلنا ولا تعبر عنا، والتي لا يشغلها سوى التواصل مع ماكرون وترمب وأمثالهما لشراء شرعيتها وحماية عروشها بعقد صفقات سلاح بعشرات المليارات من دماء شعوبنا.

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :136,032,714

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"