حرب الأفيون على شعب العراق

عبدالواحد الجصاني

أولا : حرب الأفيون على الصين:

شنت بريطانيا وفرنسا ، في اواسط القرن التاسع عشر حربين ضد الصين سُمّيتا (حرب الأفيون)  من أجل اجبار الصين على إلغاء قوانينها التي تمنع تجارة وتعاطي الأفيون ، وهزمت الصين في هذين الحربين واضطرت للرضوخ الى مطالب الدولتين المستعمرتين ، وسمحت باستيراد وتعاطي الأفيون واستمر هذا الحال لحين قيام الثورة الصينية الكبرى بقيادة ماو تسي تونغ عام 1949.

 

وكانت مبررات بريطانيا وفرنسا لشن هذه الحرب هي أن ميزانهما التجاري مع الصين كان سالبا وتجارة الافيون الذي تنتجه بريطانيا وفرنسا في مستعمراتهما في الهند وجنوب شرق آسيا يسمح بتعديل الميزان التجاري لصالحهما، لكن السبب الحقيقي هو أن (تخدير) شعب الصين كان هدفا أساسيا للقوى الاستعمارية ، فالشعب المخدّر شعب خامل يقبل الذلّ ولا يقوى على مقاومة الاستعمار ،

ثانيا : حرب الافيون على شعب العراق:

منذ الاحتلال الأميركي- الإيراني للعراق شنّت حرب افيون جديدة ، على شعب العراق ، قادتها إيران بتواطؤ أميركي، وهي ابشع من حرب الافيون على الصين، ففي الصين كان الاباطرة الصينيون والحكومة الصينية يعارضون أن يصبح شعبهم تحت تأثير المخدرات ، أما في العراق المحتل، فإن  الحكومة التابعة لإيران هي من تنفذ سياسة إيران في نشر المخدرات في العراق وتسهيل مهمتها في تحطيم القوة البشرية في العراق عن طريق اغراق شبابه ببراثن التخدير والهلوسة من أجل ديمومة هيمنة إيران على العراق  ونهب ثرواته .

كانت الامم المتحدة تصنّف العراق بأنه من أنظف بلدان المنطقة والعالم من المخدرات ، وبعد الاحتلال أصبحت تقاريرها تؤكد أنه أصبح منتجا ومستهلكا ومصدّرا لجميع أنواع المخدرات ، ذات الاصل الزراعي ، كالافيون والقنب، التي إنتشرت زراعتها في العراق، وذات الاصل الصناعي كالحبوب المخدرة التي انتشرت مختبرات صناعتها في العراق. وأصبح ملايين العراقيين ، وخاصة من المراهقين والشباب ، مدمنين او مرتهنين للمخدرات.

وإتّبعت حرب الافيون الإيرانية على شعب العراق، بمباركة أميركية، منهجية متدرجة، بدأت بالجانب التشريعي حيث ألغي قانون مكافحة المخدرات رقم (68) لسنة 1965 ، الذي كان يفرض عقوبة الاعدام على الاتجار بالمخدرات أو تصنيعها أو إنتاجها، ويفرض عقوبات مشددة على الجرائم المرتبطة بتجارة المخدرات، ثم  شُرّع قانون المخدرات والمؤثرات العقلية رقم 50 لسنة 2017 الذي خفف من العقوبات على المتاجرين بالمخدرات، ولم تطبق عقوباته، وإن طبقت فإنها تطبق مخففة وبإنتقائية على الطفيليين الدخلاء على سوق المخدرات، وتستثني الاحزاب (الاسلاموية) وميليشياتها وبقية المافيات المرتبطة بفيلق القدس والولي الفقية، وهي ذات الطريقة التي تطبق فيها  قوانين مكافحة الفساد الصادرة بعد الاحتلال.

ثالثا: تقارير الامم المتحدة عن انتشار المخدرات في العراق:

1 - الهيئة الدولية لمراقبة المخدرات التابعة للأمم المتحدة هي الجهة الدولية المعنية بمراقبة انتاج وتجارة المخدرات على مستوى العالم، وتقريرها لعام 2018 الصادر في شباط 2019 ، استعرض التحولات الخطيرة التي تجري في العراق في مجال صناعة وتجارة واستهلاك المخدرات ، فقد ذكر ،  في الصفحة 87  (هناك دلائل على ان العراق أيضا يكتسب اهمية متزايدة في زراعة المخدرات غير المشروعة وانتاجها بما يشمل صنع الهيرويين وزراعة خشخاش الافيون ونبتة القنب، بالاضافة الى ذلك شهد الاتجار بالمخدرات وتعاطيها في البصرة بالعراق زيادات كبيرة في السنوات الاخيرة).

وفي الصفحة 91 ذكر التقرير  (شهدت الفترة المشمولة بالتقرير مزيدا من الافادات عن الاتجار غير المشروع ، والاهم من ذلك انتاج المخدرات غير المشروعة في العراق ، بما يزيد من تأكيد المؤشرات السابقة الدالة على حدوث تحول نحو انتاج المخدرات غير المشروعة في هذا البلد ، وهناك تقارير عن زراعة غير مشروعة لخشخاش الأفيون ونبتات القنب في البلد ، ودلائل على انتاج الهيرويين في شمال العراق).

وفي الصفحة 94 ذكر التقرير (ورصدت أيضا زيادة في تعاطي الترامادول والاتجار  به في العراق ، وبخاصة في منطقة البصرة).

2 - تقرير مكتب الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة والمخدرات لعام 2018 أكد أن العراق تحوّل إلى ممرّ  لتهريب المخدرات من إيران وأفغانستان الى السعودية ودول الخليج العربي.

 

 

رابعا : التقارير والوقائع عن الجهات التي تقف وراء انتشار المخدرات:

1 - لم يعد سراً  أن مافيا الفساد في العراق التي تشرف عليها الاحزاب الطائفيّة التابعة لإيران هي ذاتها مافيا المخدرات . ومثلما حصل في تبادل الاتهامات بالفساد بين الأحزاب التابعة لإيران، وصل التراشق بالاتهامات بينهم حول تجارة المخدرات الى فضحهم جميعا ، فهذا حاكم الزاملي يقول إن جهات سياسية وأحزابا نافذة تقف وراء اتساع ظاهرة الإتجار بالمخدرات في العراق ، وهذا قائد شرطة البصرة رشيد فليح يقول أن 80 % من المخدرات التي تدخل إلى البصرة مصدرها إيران، وهذا النائب فائق الشيخ علي يقول إن مزارع خشخاش الافيون في جنوب العراق ترعاها أحزاب سياسيّة ومجموعات مسلّحة نافذة، وأن المخدرات أصبحت مصدر تمويل لكثير من الاحزاب والشخصيات السياسية والميليشيات، وأعلن مجلس القضاء الأعلى، يوم 9/1/2019 ، أن المخدرات  توضع في أكياس رز وحنطة للتغطية على عملية تهريبها بالمشاحيف في الأهوار من إيران إلى داخل الأراضي العراقية. وضابط كبير في الداخلية كشف ان تجارة المخدرات تدار حصريا من قبل الاحزاب الاسلاموية الموالية لإيران ، ولا يسمح لأي شخص ان يتقرب من هذه التجارة، لأنه سيتعرض للقتل مباشرة.

2 - كشف المرصد العراقي لحقوق الإنسان أن هناك هيكلية منظّمة لتجارة المخدرات تشرف عليها مافيات ترتبط بالسلطة، وإن طرق توزيع المخدرات تاخذ اربعة مستويات مختلفة، وتكون على شكل هرم، قاعدته صغار الموزعين، ثم مستويين من الوسطاء، لتنتهي بقمة الهرم المخفيّة  (أو ما تسمى بلغة المافيات الأب الروحي). والوسطاء لا يعرف احدهم الاخر، ولا توجد بينهم اي وسيلة اتصال، اذ يكون الوسطاء في المستوى الاول كحكام للمناطق المستهدفة، ويكون ارتباطهم بقمة الهرم عبر شخص واحد يدعى (الملك)، لكنهم لا يعرفون بعضهم البعض، وعند حدوث تداخل في عمل بعض المناطق، عليهم انتظار أوامر (الملك) وان لا يتصرفوا من تلقاء انفسهم، والا يكون الموت هو مصير  من يتصرف منفردا بقراره. و يضيف التقرير إن أخطر ما في الأمر هو استهداف طلاب وطالبات المرحلة الثانوية في عملية التوزيع.

خامسا : ما فعلته المخدرات بشعب العراق:

1 -  تحاول الحكومات العميلة لإيران  ومعها المرجعيات الدينية (الرشيدة) تجاهل مشكلة المخدرات في العراق، ولا تقدم الحكومة احصائيات عن زراعة وانتاج المخدرات في العراق أو أعداد الذين يموتون بسبب الجرعات المفرطة من المخدرات، وتقدم إحصائيات  مثيرة للسخرية عن اعداد المدمنين (إحصائية الهيئة الوطنية العليا لمكافحة المخدرات تقول أن هناك أكثر من 7000 حالة إدمان في العراق!).

لكن الامم المتحدة ومنظمات المجتمع المدني والمستشفيات العراقية أخذت تكشف الحقائق المهولة عن الكوارث التي يسببها وباء المخدرات.

فقد ذكرت إحصائية لمستشفى ابن رشد ان هناك ثلاثة أشخاص من بين كل 10 اشخاص تتراوح اعمارهم بين 18 -30 سنة يدمنون على المخدرات ، وذكر تقرير للأمم المتحدة ان من بين كل ثلاثة منتسبين في القوات الامنية يتعاطى واحد منهم مادة مخدرة، ورجحت احصائية الامم المتحدة ان السنوات العشر القادمة ستفتك بالشاب العراقي في حال بقي الوضع على ما هو عليه.

واستنادا الى الاحصائيات أعلاه، فإن هناك ما لا يقل عن ثلاثة ملايين مواطن عراقي يتعاطون المخدرات، أي واحد من كل (13) عراقي، بينما النسبة العالمية للمدمنين هي واحد من كل (200) شخص، وهذا يضع العراق في مقدمة دول العالم في تعاطي المخدرات.

2 – إضافة الى دور المخدرات في تدمير شباب العراق وتعطيل طاقات المجتمع، وفي تمويل الميليشيات الارهابية وتوسيع نفوذها  في العراق، فإن إنتشار المخدرات في العراق انتج ظواهر سلبية لم يشهدها المجتمع العراقي من قبل، أو كانت محدودة جدا، منها:

•        تضاعف حالات الانتحار، وخاصة بين المراهقين والشباب من الجنسين.

•        الانحلال الاخلاقي وبروز ظاهرة زنا المحارم وإنتشار البغاء والشذوذ الجنسي والاغتصاب، بضمنها جرائم اغتصاب الاطفال، والخيانة الزوجية وتضاعف حالات والطلاق والتفكك الاسري.

•        إنتشار الجريمة المنظمة وعصابات القتل والسلب والنهب والسطو المسلح وقطع الطرق والخروج على القانون، ولا يمرّ يوم من دون حدوث عشرات جرائم السرقة المسلحة وجرائم القتل بدم بارد، ومنها قتل أفراد الاسرة الواحدة لبعضهم البعض.

•        انتشار الخرافات وتغييب عقل الفرد، ويكفي ان نستمع الى خطب بعض رجال الدين وما تحويه من خرافات وخروج عن الدين وكيف يستقبلهم الحضور بالتهليل، ولو لم يكن هؤلاء مغيبو العقل لسخروا من رجل الدين الذي قال لهم، مثلا، إن طائر البوم غيّر طريقة حياته بعد مقتل الامام الحسين فاصبح يصوم في النهار ويقضي الليل في النواح على الحسين!! ولسخروا ممن يطلق على الميليشيات لقب (الحشد الشعبي المقدس)، وهم الذين ينشرون الدمار في بيوتنا وينتهكون قيم ديننا.

•        تدني المستوى التعليمي للطلبة وازدياد حالات ترك الدراسة، وكثير من الشباب الذين تركوا الدراسة لتعاطيهم المخدرات تحولوا الى مروجين للمخدرات وأعضاء في ميليشيات أو عصابات اجرامية.

•        إنتشار الامراض المعدية المرتبطة بتعاطي المخدرات كالآيدز والتهاب الكبد الفايروسي.

•        زيادة حوادث السير.

سادسا : ما العمل؟

1 –انها مسؤولية وطنية وشرعية واخلاقية، على كل عراقي شريف أن ينتفض وان يعمل بما يستطيع لتغيير هذا المنكر ووقف جريمة الإبادة المنظمة لشعب العراق، وتقع على مثقفي العراق مسؤولية مضاعفة في هذا الشأن.. حيث إن سلاح المخدرات المستخدم ضد شعب العراق هو أكثر تدميرا من جميع اسلحة الدمار الشامل.

2 –إستخدام جميع وسائل الإعلام المتاحة، بضمنها الفضائيات والتكنولوجيا الرقمية ووسائط الاتصال الاجتماعي، لفضح استخدام إيران للمخدرات لتدمير شعب العراق ونهب ثرواته، ومسؤوليتها عن تصدير المخدرات الى العراق ونشر زراعتها وإنتاجها فيه بحماية ميليشياتها، ورفع وعي الشعب العراقي بالابعاد السياسية لإنتشار المخدرات في العراق، واطلاع المنظمات الاقليمية والدولية على جريمة إيران في العراق وتحميلها المسؤولية عنها.

3 –الدعوة لتشكيل لجان شعبية في المدن والقرى في انحاء العراق، تقوم بتثقيف المواطنين عن مخاطر المخدرات على الأسرة والمجتمع، ومساعدة من إرتهن لها بالعلاج والاحتضان، والتصدي لتجار المخدرات، وإعتبار جريمة الاتجار بالمخدرات أكثر الجرائم خطورة على المجتمع وعلى الدين والقيم والاخلاق والأسرة والفرد، ورفع شعارات مثل (تجار المخدرات تجار الموت) و (تجار المخدرات يقتلون اطفالنا) و (تجار المخدرات في الدرك الاسفل من النار). وتحفيز المؤسسات التعليمية والمعلمين والمدرسين على تخصيص جزء من اليوم الدراسي لتثقيف الطلاب بمخاطر المخدرات.

4 –دعوة المؤسسات الطبية والاطباء لإداء دورهم في مجتمعاتهم لشرح الأضرار الطبية للمخدرات ودورها في تحطيم الخلايا العصبيّة وخلايا المخّ  وتعطيل قدرات الانسان العقلية والسلوكية وتدمير مستقبله.

سابعا : الخاتمة:

لا شك في أن جوانب كثيرة من المخطط الإيراني الذي اراد بالعراق سوءاً وتدميرا قد فضحها شعب العراق الأصيل وبسرعة، قياسا الى أعمار الشعوب، واصبح العراقيون يرون في إيران ولاية الفقيه أسوأ ما في الاستعمار من صفات الجشع والتدمير والعنصرية وإهانة الشعوب (البريطانيون إحتلوا بغداد عام 1917 وجاءوا بالكهرباء الى العراق والفرس إحتلوا بغداد عام 2003 وحرموا العراقيين من الكهرباء).

ومعركتنا مع المستعمر الفارسي متواصلة، وحرب الافيون جزء أساسي منها، وولاية الفقيه تعيش أسوأ أيامها وتتلقى الضربات الموجعة نتيجة سياساتها التدميرية في المنطقة والعالم، وعلينا مواصلة المعركة حتى طرد إيران وجميع عملائها من العراق.  

والله المستعان


comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :136,038,759

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"