العلاقات السعودية العراقية حاجة قومية أم صراعات أقليمية؟ التاريخ: 2019-04-23 03:07:46 Tweet مثنى عبدالله أتت زيارة رئيس الوزراء العراقي إلى السعودية في 17 نيسان /إبريل الجاري، في ظل إغراءات سعودية على شكل باقة خطوات حذرة، اتخذتها لصنع نفوذ لها في العراق. في الوقت نفسه جاءت الزيارة في خضم تشديد العقوبات الأميركية على طهران، التي كان من نتائجها ضغوطات سياسية واقتصادية على بغداد أيضا. مع ذلك تثير الزيارة عددا من الأسئلة المهمة عن العراق الحالي، هل استعاد هويته الوطنية والقومية؟ ما نوع الثقة التي تربطه بمحيطه العربي؟ وهل لديه القدرة على لعب ورقة التوازن بين العرب وإيران لتحقيق مصالحه؟ من المعروف أن الخط البياني للعلاقات بين البلدين الشقيقين شهد اضطرابات عميقة وواضحة على مدى عقود من الزمن، كان العامل الأساسي فيها هو الصراع على الزعامة القومية في المنطقة، وكذلك تضاد الحواضن الدولية. فالعراق لم يكن يوما أميركيا إلى ما قبل الاحتلال، في حين كانت السعودية على الدوام في هذا المعسكر، وحتى عندما أصبح العراق أميركيا، لم يطرأ أي تحسن في العلاقات، لأن الهواجس السياسية والاقتصادية لكل طرف من الآخر، هي من المسلمات الأساسية لكلا البلدين. وقد حاولت الولايات المتحدة في السنوات الاخيرة وضع قطار العلاقات على السكة المطلوبة، وتشجيع رئيس الوزراء العراقي السابق على الانفتاح على الرياض، غير أن المحاولة فشلت، ثم شجعت الطرفين على تشكيل (المجلس التنسيقي) الذي كان رغبة أميركية للقفز بالعلاقات إلى المستوى الاستراتيجي، وللتدليل على هذه الرغبة أُفتُتح برعاية وزير الخارجية السابق تيلرسون في 22 تشرين الأول/اكتوبر 2017.على الجانب العراقي، يشير البعض إلى أن الزيارة هي رغبة عراقية بالابتعاد التدريجي عن المحور الإيراني، لكنهم يتناسون أن صانع القرار السياسي ليس موجودا في بغداد، قد يكون رئيس الوزراء الحالي لديه الرغبة في ذلك، لكن أنى له أن يحقق تلك في ظل قوى سياسية مسلحة أتت به إلى هذا المنصب؟ وإن كان قادرا حقا على تحقيق سياسة خارجية تصب في مصلحة العراق، فلماذا لم يستطع حتى اليوم إكمال نصاب وزارته التي مازال شاغرا فيها منصبا وزير الدفاع ووزير الداخلية؟ هو يقول بأن الزيارة ستشكل تحولا في العلاقات مع السعودية، لكن هل مستلزمات ذلك موجودة بيديه؟ وحتى اعتماد سياسة النأي بالنفس تجاه أزمات وصراعات المنطقة، حسبما يشير في تصريحاته، لا يمكن أن تتحقق، لأن الحكومة في بغداد لا تحكم، والدولة هي مجرد مسرح توجد فيه ديكورات تشير إلى وجود دولة، لكن السلطة موجودة في مكان آخر. كما أن مسار العلاقات العراقية العربية خصوصا، لا يحدده المسار الرسمي مهما امتلك رئيس الوزراء من أوراق مؤثرة في صناعة القرار. فهنالك مسار القوى السياسية الذي فيه الكثير من المكابح والمعرقلات نحو الانفتاح على السعودية خصوصا، وعلى العرب عموما. رأينا الضجة الكبرى في البرلمان العراقي على تطوير العلاقات مع الأردن، رغم أن الاتهامات الموجهة له من قبل القوى السياسية، التي هي في الضد من التقارب العربي، أقل بكثير من الموجهة للسعودية. فالحقيقة تشير إلى أن العراق تحول منذ عام 2003 إلى مُصدّر للميليشيات تقاتل في الاراضي العربية لزرع النفوذ الايراني، بعد أن كان خزان رجال للدفاع عن الأمة. أما على الجانب السعودي، فإن السعوديين يرون في العراق ساحة يمكن أن يلعبوا فيها دورا كبيرا، من خلال التأثير فيه بمرجعيتهم الدينية، والامتدادات القبلية والعشائرية. كما يمكن أن يكونوا مصدرا بديلا للغاز والطاقة الكهربائية المستوردة من إيران، لكنهم في الوقت نفسه يدركون تماما أن النفوذ الايراني يُحجّم قدرتهم على لعب دور فيه، وتنتابهم شكوك في أن يكون الطريق التجاري سالكا لمواجهة هذا النفوذ. كما يعلمون تماما بأن القوة المالية تمنحهم نفوذا، لكن ليس بما يعني حرية الحركة إلى أبعد الحدود. وفي الوقت الذي يبرز فيه سؤال عن حقيقة الرغبة السعودية في إعادة هيكلة العلاقة مع العراق، فإن ذلك لابد أن يأتي متزامنا مع سؤال آخر عن مدى وجود استقلالية عراقية في صنع قرار سياسي يتناغم مع تلك الرغبة ويراعي مصالحه وأهدافه، فالارتباط وثيق جدا في هذا الموضوع. وعلى الجانب الإيراني، هنالك مشكلة أساسية في موضوع العلاقات العراقية الايرانية، وهي أن الأخيرة موجودة في بُنية العملية السياسية القائمة في العراق، وهذا التواجد يعطيها أفضلية كبرى في تحديد خطوات العراق السياسية والاقتصادية والأمنية داخليا وخارجيا، على غيرها من القوى الدولية والإقليمية المتداخلة في الشأن العراقي. كما أن طهران ترى في العراق المصدات الأمامية للدفاع عن أمنها القومي، لوجود عوامل كثيرة فيه تؤثر عليها، كما تستطيع إن امتلكتها أن تؤثر بها على غيرها. فهذا البلد يعني لها حوزة النجف التي يُقلدّها مئات الآلاف من العالم الاسلامي. كما يعني قوة نفطية مؤثرة في الاسواق العالمية. وخط حدود يمتد إلى أكثر من 1200 كم، إضافة إلى أنه الرئة الحالية التي تتنفس بها من العقوبات الاميركية من خلال تصدير الغاز والكهرباء والبضائع المختلفة إليه، مقابل تأمين العملات الصعبة التي هي بحاجه لها. فهل ستسمح طهران بتحول العراق إلى الحضن العربي مرة أخرى، في وقت تعلم فيه تماما بأن كل ما يجري هي عملية انتزاع للعراق من بين أحضانها كي يُستخدم ضدها؟وعلى الرغم من هذا المشهد المُعقّد يمكن القول بأن عالم السياسة يحوي الكثيرمن المفاجآت، كما تستطيع المصالح أن تفتح طُرقا سالكة وسط حقول الألغام. فمع اشتداد العقوبات الاميركية على طهران، خاصة بعد اعتبار الحرس الثوري منظمة إرهابية، قد يرى صانع القرار الإيراني بأنه يمكن له التقاط تسويات سياسية من خلال التحرك العراقي نحو السعودية، لكن السؤال المهم هو هل توجد فلسفة سياسية عراقية قادرة على العمل وفق هذا الاتجاه؟ وفي المقابل هل يمكن أن تمضي السعودية في هذا الاتجاه بما يحويه من طرح أفكار لتسوية سياسية مع طهران، وتتخلى عن الركب الامريكي المتجه باتجاه الضغط على طهران، وهي التي دفعت فيه الكثير من الجهود والأموال؟ نعتقد أن هذا غير ممكن وغير منطقي في الوقت الحاضر، على الرغم من أن الولايات المتحدة لديها مصلحة في استقطاب إيران إلى طاولة الحوار، وأن كلا الطرفين ليس لديهما الرغبة في مواجهة مباشرة. نشر المقال هنا