بعد إعلان البنتاغون إرسال حاملة الطائرات، أبراهام لينكولن إلى الشرق الأوسط، تعلن مرة أخرى عن إرسال البارجة الحربية (يو أس أس أرلينغتون) إلى المنطقة ذاتها، وكذلك صواريخ الباتريوت. في الوقت نفسه تشير تقارير استخباراتية إلى أن إيران تُحرّك على الأغلب صواريخ بالستية قصيرة المدى وصواريخ كروز، على متن قوارب صغيرة تابعة للحرس الثوري الإيراني في الخليج. وفي السياسة يسمى هذا الموقف بدبلوماسية السلاح، لكن إذا كانت الدبلوماسية حرب بلا دماء، فهل سنشهد حربا دبلوماسية دامية؟
بداية، في ساحة الحرب المفترضة يتواجد حوالي 9000 جندي أميركي في العراق، إضافة إلى قواعد فيها مختلف صنوف الأسلحة. في الكويت 19000 جندي أميركي ونحو 1000 دبابة. في قطر يتواجد 11000 جندي أميركي و 120 طائرة قاذفة ومروحية. في الإمارات يوجد 5000 جندي أميركي وطائرات استطلاع أواكس. وفي البحرين يتواجد الأسطول الخامس الذي يتكون من حاملة طائرات ومدمرات وغواصات وطائرات مقاتلة. كما توجد في عُمان تسهيلات عسكرية. هذه الحشود موجودة لمهمة محددة ألا وهي حماية الحلفاء في المنطقة، وضمان مرور شحنات النفط عبر مضيق هرمز، لكن تعزيز هذه القوات يعني أن المهمة قد تغيرت، ولم تعد فقط للغرض المرسوم سابقا، فالمعلومات المتداولة تشير إلى أن الأجهزة الاستخباراتية الصهيونية قد مررت لنظيرتها الأميركية، معلومات عن تحرك عناصر وكيلة لإيران بريا وبحريا، وأنها تموضعت استعدادا لاستهداف القوات الأميركية خاصة في العراق وسوريا. وأن الاستهداف سيكون ردا على وضع الولايات المتحدة الحرس الثوري الإيراني على لائحة الإرهاب، وكذلك العقوبات الاميركية على طهران. وبناء على ذلك اجتمع عدد من المسؤولين الأمنيين والعسكريين الأميركان على نحو عاجل، وقرروا تعزيز القوة المتواجدة في الخليج العربي، بأسلحة قادرة على توجيه ضربات جوية وصاروخية على تلك الأهداف في حالة استهداف القوات الأميركية. كما تقرر قيام وزير الخارجية الأميركي بزيارة خاطفة إلى العراق، لتحذير السلطات فيها من أن واشنطن سترد وبقوة على كل من يهدد أمن قواتها ومنشآتها في العراق. وبغض النظر عما إذا كانت المعلومات الصهيونية التي قادت إلى هذا الموقف حقيقية، أم أنها مصنوعة، الهدف منها دفع واشنطن للقيام بعمل عسكري ضد طهران خدمة للكيان الصهيوني، فإن حجم الصراخ الإيراني يشير وبوضوح إلى الألم الناتج عن العقوبات، وكذلك الخوف من المستقبل، في ظل الضغط الاقتصادي الذي يعانيه المواطن، خاصة أن تظاهرات كبرى كانت قد اجتاحت البلاد بسبب الوضع المعيشي المتدهور، لذلك كانت لدى واشنطن رؤية واضحة من أن القوى المتشددة في إيران، لابد أن تتحرك على الأرض، وقد تهدد المصالح الاميركية بأي شكل من الاشكال. وهذا الموقف ربما يكون صحيحا، لأن الجسم السياسي الإيراني منقسم إلى قسمين، فالمتشددون يرون أن كل ما جرى من مفاوضات وصولا إلى الاتفاق النووي، كان هراء لا فائدة منه، وأن الوثوق بالولايات المتحدة شيء مستحيل، ويضربون على ذلك مثلا بانسحابها من تعهداتها في الاتفاق، ثم يقولون بأن انسحاب طهران منه واجب، وأن العودة إلى التخصيب والوصول إلى السلاح النووي هي ورقة الضغط الوحيدة، التي يجب أن تمتلكها إيران عندما تجلس إلى أي طاولة مفاوضات مقبلة لتحقيق مصالحها.
في حين يرى الإصلاحيون أن المراهنة على الوقت بانتظار نتائج الانتخابات الاميركية في عام 2020 هي الطريق الأسلم في الوقت الحاضر، لكن الأميركان يرون أن الطرف المتشدد هو من له الكلمة العليا في الوقت الحاضر، خاصة أن بعض التغيرات في المناصب المهمة التي أجراها المرشد الأعلى مؤخرا، تصب في هذا الاتجاه، حيث تولى عدد من المتشددين مناصب مهمة في البلاد، وربما كانت الرؤية الاميركية صحيحة أيضا في هذا الموقف، حيث وجدنا الرئيس الايراني حسن روحاني ووزير خارجيته جواد ظريف قد أنظما إلى الخطاب المتشدد مؤخرا. فبعد إعلان طهران عن تخفيف القيود المفروضة على برنامجها النووي، وتوقيف الحد من مخزونها من الماء الثقيل واليورانيوم المخصب. جاء خطاب الأول وتصريحات الثاني بنبرة تصاعدية، قرأته دول الاتحاد الاوروبي على أنه تهديد مبطن وليس مهلة. فقد تحدث ظريف في موسكو قائلا إن إيران خسرت المليارات وكانت تحمي أوروبا من وصول مئات آلاف اللاجئين الأفغان والمخدرات، لذلك ردت أوروبا على طهران بأن عدم التزامها بالاتفاق سيواجه بعقوبات، حيث قال وزير الدفاع الفرنسي تعليقا على خطاب روحاني، بأنه يمكن لفرنسا أن تفرض عقوبات قاسية على إيران. وهذا يعني أن الإنذار أو التهديد الإيراني قد لا يكون في محله، لأنها تمر بمرحلة حساسة جدا، وكذلك في موقف صعب على الصعيد السياسي، في حين أزّم موقفها من مهلة الستين يوما علاقاتها الدولية، خصوصا مع الدول الاوروبية، التي حافظت إلى حد ما على خطاب أكثر مرونة من الخطاب الأميركي، في ما يتعلق بمسائل كثيرة منها البرنامج النووي والأنشطة الايرانية في الشرق الاوسط. إن الغاية الأساسية التي تريد أن تقولها إيران هي أننا لن نبقى الوحيدين الخاسرين في صفقة الاتفاق النووي، وهي دبلوماسية جديدة تحاول طهران انتهاجها، هي تقول بتعليق العمل بمادتين من الاتفاق، ليستا ربما مهمتين جدا، لكن خلال ستين يوما إن لم تعد الأطراف المعنية بالاتفاق – تقصد روسيا والصين والاتحاد الأوروبي – وتقوم بالتفاوض معنا لضمان مصالحنا المالية والنفطية، فإننا سنستأنف عملية التخصيب ومن دون حد. إذن ما تم لحد الآن هو ليس انسحابا من الاتفاق، بقدر ما هو تحذير، بغية الدفع بالمعنيين لإيجاد حل، ولكن ماذا بعد؟ قد يبدو الخيار العسكري بعيدا في الوقت الحاضر بالنسبة للرئيس الأميركي دونالد ترمب، في ضوء تصريحاته السابقة عن التجارب الأميركية المؤلمة في العراق وأفغانستان، لكن يقول أحد أعضاء الفريق الاميركي الذي فاوّض على صفقة النووي (لا أعتقد أن الرئيس ترمب يريد الدخول في حرب. لكنني لا أعتقد أنه يفهم تماما الدورة التصاعدية التي وضعها بولتون، ومخاطر الحرب التي تتزايد كل يوم). كما أن كثافة التواجد العسكري في منطقة صغيرة نسبيا، قد يؤدي إلى احتكاك ما قد تنزلق المنطقة بسببه إلى حرب كبرى. السؤال المهم من المستفيد من التصعيد الاخير؟ سنجيب عن ذلك في مقال مقبل.