ماذا يعني إدراج آثار بابل على قائمة التراث العالمي المهدد بالخطر؟

مصطفى كامل

لا يختلف اثنان على أن مدينة بابل التاريخية إرث حضاري عظيم، ليس للعراق فحسب بل للإنسانية كلها، سواءً كانت مُدرجة ضمن قائمة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "يونسكو" أم لم تكن.

ولكونها كذلك، فإن من الطبيعي إدراجها ضمن أهم معالم التراث العالمي، ولا فضل للعصابة المتحكمة بالعراق في أي إنجاز بشأنها.

 

وقبل الحديث عن مدى أهمية ما جرى في مدينة باكو عاصمة جمهورية أذربيجان، اليوم الجمعة، لابد من إعطاء لمحة تاريخية عن سبب تدمير هذه المدينة وجهود إعادة إحيائها.

ففي القرن السادس قبل الميلاد تم تدمير هذا الإرث الثقافي والحضاري الإنساني العظيم انتقاماً على يد القائد الفارسي قورش، بالتعاون مع اليهود الذين كان الملك البابلي العظيم نبوخذ نصر، قد أسَرَهم في حملتين تاريخيتين، ضمن "الأسر البابلي" وليس "السبي البابلي" كما يشيع الصهاينة.

كانت منظمة ‎"يونسكو" قد رفضت من قبل عدة محاولات لإدراج آثار مدينة ‎بابل التاريخية في قائمة التراث العالمي بزعم أن حكومة العراق، خلال العهد الوطني، أجرت تغييرات على معالمها الأثرية، والحقيقة أن دولة العراق الوطنية أعادت بناء المدينة التي لم تكن سوى خرائباً مدمرة وأسساً مطمورة، بسبب التدمير الفارسي، وبسبب عوامل المناخ.

وكان أمر الرئيس صدام حسين، يرحمه الله، بإعادة بناء آثار ‎بابل وإحيائها لإظهار عظمة هذه المدينة التاريخية، التي تعد من أهم مفاخر الإنسانية، ورداً على حرقها من قبل الفرس واليهود، وهو عمل ذو أبعاد تاريخية وحضارية ووطنية أيضاً، بل وإنسانية كذلك.

وتم تنفيذ عملية إحياء المدينة بشكل رائع، وكان مهرجان بابل الثقافي والفني يُقام فيها سنويا.

وقد ألحق الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003 أضراراً بالغة بآثار مدينة ‎بابل التاريخية، حيث اتخذها جنود ‎أميركا الغازية قاعدة لهم، وكانت دباباتهم وآلياتهم تعيث خراباً بالمدينة.

وبقيت معالم المدينة التاريخية بدون اهتمام، بل أهملت تماماً، من قبل كل الحكومات التي أنشأها الاحتلال، وحتى الآن.

واليوم، تعلن "يونسكو" إدراج آثار ‎بابل ضمن قائمة التراث العالمي، وتعتبر عصابة المنطقة الخضراء هذا إنجازاً كبيراً وتاريخياً لها، فما حقيقة الأمر؟

وقبل الإجابة على حقيقة ما جرى، ومدى قيمة ذلك، نسأل: هل أزيلت المباني التي شيّدتها دولة العراق الوطنية لإحياء مدينة بابل التاريخية، ولم يبق منها شيء، لذا تمت الموافقة على ضم بابل لهذه القائمة؟

ولا شك فإن واقع الحال الماثل يؤكد أنه لم تتم إزالة تلك المباني، فهي ما تزال شاخصة تؤكد اهتمام دولة العراق الوطنية بهذا الإرث الخالد.

وللإجابة على سؤال عن أهمية ما حصل، نقول بياناً للحقيقة: إن إدراج آثار ‎بابل ضمن قائمة التراث العالمي المعرَّض للخطر لا يعدُّ إنجازاً ولا مبرر للاحتفاء به، فهو في حقيقة الأمر اعتراف دولي بأن هذه المدينة مهددة بالخطر، الأمر الذي يستلزم بذل الجهود لإنقاذها، وليس شيئاً آخر.

إن كل ما عدا هذه الحقيقة إنما هو تدليس تمارسه عصابة المنطقة الخضراء لتُظهرِ للعراقيين وللعالم وكأنها أنجزت شيئاً ما.

فهذه القائمة تُدرَج فيها إثار تاريخية أو معالم طبيعية مهددة بالعبث أو التدمير أو عرضة للتغييرات المناخية، ولا يمثل هذا اعترافاً من جانب المجتمع الدولي بكون الأثر أو المعلَم المدرَج، من معالم التراث العالمي، وكأن عدم إدراج أي معلم فيها ينفي عنه الصفة التاريخية والقيمة الحضارية الانسانية، حتى يتم إدراجه فيكتسب هذه الصفة!

ودليلي على عدم أهمية هذه القائمة، هو أن دولة ‎فلسطين طلبت من  منظمة‎"يونسكو" قبل مدة وجيزة رفع كنيسة المهد من القائمة، بعد ترميم الكنيسة التاريخية، وهو ما حصل فعلاً، قبل أيام. فلو كانت القائمة تعني شيئاً لما طلب الفلسطينيون رفع كنيستهم منها.

ويبقى الأهم من إدراج المدينة التاريخية في بابل على قائمة التراث العالمي المهدد بالخطر، إزالة المخاطر عن هذه المدينة العظيمة، ورفع التجاوزات على آثارها، وإقامة الدعاوى القضائية على الإدارة الأميركية وعلى جنود الاحتلال لقيامهم بالعبث بهذه الآثار الانسانية العظيمة وتدميرها وسرقتها، وهو ما لن تقوم به سلطات هزيلة فاشلة نصّبها الغزاة لسرقة العراق ومحو معالم الحياة فيه.

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :136,033,036

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"