في سابقة لم تحدث منذ عقود من الزمن، يُظهر العديد من المؤشرات على الأغلب، بان (اسرائيل) قد استهدفت مقرات ومخازن أسلحة ميليشيات الحشد الشعبي في العراق مؤخرا. وفي حين أنكرت الولايات المتحدة رسميا، أي مسؤولية لها عن الضربات، قائلة إنه يجب احترام سيادة العراق، امتنعت عن تحديد الجهة التي قامت بالفعل العسكري. فعندما سُئل المتحدث باسم البنتاغون شون روبرتسون عن احتمالية أن تكون (إسرائيل) وراء الحادث، أجاب بضبابية قائلا «نحن نؤيد السيادة العراقية، وتحدثنا مرارا وتكرارا عن أي أعمال محتملة من جانب الجيران يمكن أن تؤدي إلى العنف في العراق».
كما كشف المتحدث باسم وزارة الدفاع الاميركية في بيان، أن البنتاغون قال «يجب ألا تستخدم إيران الأراضي العراقية لتهديد دول أخرى في المنطقة. أنشطة إيران المزعزعة للاستقرار تقوض أمن العراق، وتزيد من خطر نشوب صراع إقليمي». وفي السياق نفسه رفض رئيس الوزراء (الاسرائيلي) بنيامين نتنياهو، تأكيد أو نفي مسؤولية (إسرائيل)عن سلسلة الهجمات التي حصلت على مواقع الحشد الشعبي. في هذه الاثناء اتهمت هذه الميليشيات الولايات المتحدة بالمسؤولية عن الحادث، مدعية بأن ليس لديها «خيار سوى الدفاع عن أنفسنا ومقرنا باسلحتنا الحالية واستخدام أسلحة أكثر تطورا). وقالت إنها أبلغت وزارة الدفاع العراقية أن «أي طائرة أجنبية تُحلّق فوق مقرنا من دون علم الحكومة العراقية هي رحلة معادية» وإن قواتها سترد عسكريا. وفي ثنايا هذا الكلام الكثير من الاستقلالية عن كل سلطة عراقية.
وفي وسط كل هذه الضجة التي اعقبت 4 هجمات على مستودعات الأسلحة في الأشهر الثلاثة الماضية، 3 منها تقع في محافظة صلاح الدين، على طريق الحرير الإيراني الرابط بين طهران وسوريا عبر العراق، في حين كانت الرابعة منها داخل بغداد، وسط حي سكني، التزمت حكومة بغداد الصمت المطبق ازاء هذه الأحداث. وكل ما صدر عنها أنها تحقق في الهجمات، ومن يقف وراءها. وهو موقف دعائي لا قيمة ولا معنى له إطلاقا، لأن المعلومة الاستخبارية التي يفترض أن تعتمد عليها في موضوع التحقيق ليست موجودة تحت اليد. فالاميركان ومنذ عام 2003 وحتى اليوم هم المُزوّد الاساسي للمعلومة الاستخبارية للحكومة العراقية. وان ما موجود من أجهزة أمنية تابعة للسلطة الحالية يشوبها الاختراق، ولا يمكن الاعتماد عليها في إيصال معلومة حقيقية لصانع القرار في بغداد. وبالتالي فان كل ما فعلته الحكومة هو إصدار قيود حول استخدام المجال الجوي العراقي، وحصر الموافقة على ذلك بيد القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. ويبدو أن ذلك قد أغضب الولايات المتحدة ، التي أرسلت رسالة شديدة اللهجة ترفض فيها تطبيق هذه اللوائح على طيرانها في الاجواء العراقية، كما طلبت من سفيرها في بغداد توضيح موقفها الرافض للسلطات في بغداد. وحسب تصريحات نائب رئيس الوزراء السابق لقناة فضائية عراقية، الذي أكد على أن اعتراض واشنطن لم يكن دبلوماسيا إطلاقا، بل كان عبارة عن تهديد ووعيد. ان جعل العراق مستودع عتاد عسكري ايراني، ومحطة تخزين لصواريخهم البالستية، تمهيدا لنقلها إلى سوريا ولبنان واماكن اخرى، سوف يزعزع استقرار البلد، ويدفعه إلى عمق صراع لافتته المرفوعة هي العداء ل(اسرائيل)، بينما هو في حقيقته صراع ايراني – اميركي من اجل تثبيت مناطق نفوذ لكل منهما. فالدعاية الإيرانية القائمة على أساس الدفاع عن فلسطين مجرد استثمار سياسي في لعبة الصراع مع الولايات المتحدة الاميركية، إذ أنها تدرك أن امن (اسرائيل) هو ركيزة اساسية من ركائز الأمن القومي الاميركي، وبالتالي هي تعتقد أن تهديد أمن تل أبيب سوف يُعجّل في موافقة واشنطن على السماح لايران بان تكون شرطي المنطقة العربية، ويبعد خطرها عن (اسرائيل). فمن يدافع حقا عن فلسطين، ومن هو حقا ضد (اسرائيل)، لا يمكن أن يدمر ويستبيح دولا عربية، كانت تاريخيا هي في عمق الصراع العربي الصهيوني على مدى عقود. ولا يمكن أن يشتت جهود الامة ويبعثر طاقاتها في حروب طائفية يخلقها من خلال التلاعب بالنسيج الوطني في المنطقة. كما أن إدخاله في لعبة تخزين وتوزيع السلاح الايراني، سوف يجعله هدفا سهلا ضمن أهداف الحملة العسكرية التي تقوم بها (اسرائيل) ضد أهداف ايرانية في سوريا ولبنان. فالمعلومات الاستخبارية المفرج عنها تشير إلى أن إحدى الهجمات استهدفت صواريخ إيرانية موجهة بمدى 125 ميلا، كانت في قاعدة يستخدمها الحرس الثوري الإيراني لنقل الأسلحة إلى سوريا، ما أدى إلى حصول انفجار كبير قتل فيه عدد من المستشارين الايرانيين واللبنانيين. فإذا كان العراق ضيعة إيرانية يُقاتل من أجل إيران، ويضع كل خريطته الجغرافية والسياسية وإمكاناته وموارده تحت تصرفها، فعلام التبجح المستمر بالسيادة العراقية، التي تشير قراءة التصريحات الصادرة عن الناطقين باسم الميليشيات المسلحة، وقراءة صمت الحكومة ايضا، إلى أن هنالك حلقات تعمل بشكل مستقل ومنفصل تماما عن السلطات الحاكمة في بغداد. وان ارتباط هذه الحلقات هو مصيري مع صانع القرار الايراني، لذلك اعتمد عليهم وباتوا وسيلة فعالة في تخزين ونقل الأسلحة إلى الميليشيات المنتشرة في المنطقة. فالصمت الحكومي كان ابلغ تعبير عن عدم وجود أي قاعدة معلومات ولو بسيطة عن تلك الاسلحة التي انفجرت. وإذا كان زعماء الميليشيات والأحزاب الفاعلة يريدون من ذلك رد الجميل الإيراني بمشاركتها في الحرب ضد تنظيم الدولة الاسلامية، كما يزعمون، فليست طهران وحدها من شاركت في ذلك الجهد. لقد شاركت دول غربية وشرقية فيها ايضا. فهل مطلوب من العراقيين رد الجميل للجميع، والسماح لهم بان يترجموا مشاركاتهم، بمنافع سياسية واقتصادية وعسكرية وامنية على ارض الواقع العراقي كما هو معمول به لايران، التي نرى بوضوح المنافع الاستراتيجية الممنوحة لها اليوم؟ إن الحديث عن أن طائرات (اسرائيلية) قد قامت بالفعل المذكور يعطي احتمالية أن تكون قد مرت في الاجواء السورية، وأن وصولها إلى العراق كان لا بد أن يكون بموافقة روسية. وإن لم يكن هذا هو طريق مرورها، فإن الطريق الآخر هو عبر تركيا، أو ربما الأردن أو السعودية. وكل ذلك يشير إلى أن ما حصل ليس شأنا داخليا عراقيا بل هو دور إقليمي ودولي. بما يعني أن هذه الضربات ستستمر وتتوسع في المستقبل على غرار ما يحدث في سوريا. لكن من يقول إن القصف قد تم بالطائرات، أليس العراق ساحة مفتوحة لكل مخابرات العالم تلعب فيه كيفما تشاء، ويمكن لعملائهم أن يقوموا بالتفجيرات من دون الحاجة إلى طيران؟ فبعض العملاء موجودون في السلطة أيضا.