اتهمت منظمة «هيومن رايتس ووتش»، أمس الأربعاء، الحكومة العراقية بـ«حرمان» آلاف الأطفال، الذين يُشتبه بانتماء أهاليهم إلى «الدولة الإسلامية»، من حقهم في الحصول على التعليم، مشيرة إلى أن الأطفال الذين ولدوا أو عاشوا في مناطق خاضعة لسيطرة التنظيم بين 2014 و2017، يفتقرون إلى الوثائق المدنية التي تطلبها الحكومة العراقية للتسجيل في المدارس، وتُصعب حصولهم عليها.
وأيّدت وثيقة صادرة في أيلول/سبتمبر 2018 ووقعها مسؤولون كبار في وزارة التربية مناقشة يبدو أنها تسمح بتسجيل الأطفال الذين يفتقرون إلى الوثائق المدنية في المدارس، لكن المسؤولين يُعلِمون مُديري المدارس ومجموعات الإغاثة، التي تقدم خدمات الدعم من أجل التعليم، أن الأطفال غير الحاملين للوثائق لا يزالون ممنوعين من التسجيل في المدارس الحكومية، وفقاً لتقرير المنظمة.
تضليل صارخ
ونقل التقرير عن لما فقيه، مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال افريقيا بالإنابة في «هيومن رايتس ووتش» قولها: «حرمان الأطفال من حقهم في التعليم بسبب أمر قد يكون أهاليهم إرتكبوه، هو شكل مضلل، على نحو صارخ، من العقاب الجماعي. إذ يقوّض أي جهود حكومية محتملة لمكافحة الفكر المتطرف عن طريق دفع هؤلاء الأطفال إلى هامش المجتمع». وقال عامل إغاثة يُنسق برنامجا تعليميا في نينوى، و3 مديري مدارس هناك للمنظمة إن «مسؤولي الوزارة، أخبروهم أن رغم قرار أيلول/سبتمبر 2018، لكن ذهاب التلاميذ إلى المدرسة يتم فقط إذا تعهد أهاليهم شخصيا في المديرية العامة المحلية للتربية في محافظتهم، بالحصول على وثائق الطفل المدنية قبل نهاية العام الدراسي أو خلال 30 يوما بعد هذا التعهد» وحسب مدير مدرسة ابتدائية مجاورة لمخيم للعائلات النازحة، على بعد 30 كيلومترا جنوب شرق الموصل، إن «الوزارة أصدرت تعليمات للمدارس بطرد التلاميذ الذين لم يلتزم أهاليهم بتعهدهم». ويعيش على الأقل 1080 طفلاً في سن الدراسة، في المخيم المجاور للمدرسة، حسبما قالت إدارة المخيم لـ«هيومن رايتس ووتش»، لكن 50 فقط من هؤلاء الأطفال، الذين لديهم جميعا وثائق صالحة، مسجلين في المدرسة. وبين مدير مدرسة في مخيم على بعد 30 كيلومترا جنوب الموصل، إنه «كان يسمح لجميع الأطفال في المخيم بالتسجيل، لكن بعد استلامه التعليمات الجديدة للوزارة، توقف 100 طفل على الأقل عن الحضور إلى المدرسة. إما لأن أهاليهم لا يستطيعون تحمل تكلفة الذهاب إلى الموصل لتقديم التعهد، أو أنهم غير مقتنعين بجدوى ذلك لأنهم يعرفون أنهم لن يتمكنوا من الحصول على الوثائق المدنية لهم في غضون 30 يوما». وتفتقر العديد من الأسر، التي عاشت تحت سيطرة التنظيم بين 2014 و2017، إلى وثيقة مدنية أو أكثر التي تطلب المدارس من الأهالي تقديمها لتسجيل هؤلاء الأطفال، وفقاً للمنظمة، التي أكدت في تقريرها أن «أكثر من 20 أسرة التي لا يزال أطفالها غير قادرين على التسجيل في المدرسة لهذا السبب بعد قرار أيلول/سبتمبر 2018. لم تتمكن من تحديد أي أسرة لا تملك وثائق واستطاعت تسجيل أطفالها في المدرسة». وحسب التقرير «خلال سيطرته على المنطقة، كان التنظيم عادةً ما يُصادر الوثائق المدنية العراقية وأصدر وثائقه الخاصة، والتي لا تعترف بها السلطات العراقية. كما صادرت قوات الأمن العراقية وثائق بعض العائلات أثناء فرارها من القتال أو لدى وصولها إلى مخيمات النازحين. وأيضاً واجهت الأسر التي وُلد أطفالها في مستشفيات يديرها تنظيم الدولة صعوبات في الحصول على شهادات الميلاد وجميع الوثائق اللاحقة لأطفالهم، خاصة إذا كان الزوج ميتا، أو مفقودا، أو معتقلا. تطلب السلطات من النساء شهادة الوفاة أو الطلاق صالحة لإصدار وثائق لهن ولأطفالهن، والتي لا تتوفر عليها معظم النساء في هذه الوضعية». وأضاف: «قالت عشرة نساء في هذا الوضع إن في ظل هذه الظروف، يجب أن يوقّع مخاتير الأحياء، وهم زعماء محليين تدفع لهم الحكومة رواتبهم، لكي تصدر قوات الأمن التصاريح الأمنية المطلوبة لحصول الأم وبعدها الطفل على الوثائق المدنية. مع ذلك، أوضح مختار من سنجار، منطقة في محافظة نينوى كان تنظيم «الدولة» يسيطر عليها في السابق، إن قوات الأمن هناك أمرته وغيره من المخاتير بعدم ختم وثائق النساء اللواتي انضم أزواجهن إلى «الدولة» ما لم تمثل المرأة أمام قاض وتفتح شكوى جنائية ضد زوجها لعضويته في التنظيم.
تهديد بالاعتقال
ونتيجة لذلك، لم تتمكن العديد من النساء المتزوجات من رجال انضموا إلى التنظيم، من الحصول على شهادات الطلاق أو الوفاة. حتى أن القوات الحكومية هددتهن بالاعتقال أو غير ذلك من أشكال العقاب الجماعي عندما حاولن الحصول على الوثائق المدنية، على حدّ التقرير. وقالت امرأة من مدينة القيارة في نينوى، إنها «عندما قدمت شهادة ميلاد صادرة عن داعش لابنها (3 أعوام) في مديرية الأحوال المدنية المحلية في أوائل 2018، في محاولة للحصول على شهادة ميلاد صادرة عن الدولة، مزّقها المسؤول. قالت: قال لي، لن نمنح ابنك شهادة ميلاد، أبوه كان داعشيا». وأشار التقرير إلى ما وصفه «عقبة أخرى»، تعترض بعض الأسر تكشف عنها دراسة مشتركة مرتقبة بين «المجلس النرويجي للاجئين»، و«مجلس اللاجئين الدنماركي»، و«لجنة الإنقاذ الدولية»، بعنوان «الأشخاص بلا وثائق ثبوتية في العراق ما بعد النزاع: حرمان من الحقوق ومنع الاستفادة من الخدمات الأساسية وإقصاء عن جهود إعادة الإعمار». خلصت الدراسة إلى أن المسؤولين في بعض المدارس «كانوا يشترطون ليس فقط وثائق الطفل، بل أيضا أنواعا مختلفة من الوثائق المدنية للأهالي بما في ذلك بطاقات الهوية، أو شهادة الوفاة أو الطلاق الخاصة بأحد الوالدين غير الموجود». وحتى الأطفال الذين يملكون وثائق صالحة لأنهم ولدوا قبل سيطرة التنظيم في 2014 قد يتعرضون للإقصاء من قبل المدارس التي تطلب هذه الوثائق، في حال لم يعد والدهم موجودا، وليس لدى والدتهم شهادة الطلاق أو الوفاة. وجدت الدراسة المشتركة أن «نحو نصف الأسر التي تمت مقابلتها لم تتمكن من تسجيل أطفالها في المدارس دون تقديم بطاقة الهوية المدنية للأب أو شهادة وفاته». في 26 تموز/يوليو، كتبت «هيومن رايتس ووتش» إلى الحكومة العراقية تطلب منها توضيحا بشأن موقفها من قدرة الأطفال الذين ليس لديهم وثائق مدنية على التسجيل في المدرسة، لكنها لم تستلم بأي رد. وبالإضافة إلى واجبها الأساسي بضمان الحق في التعليم لجميع الأطفال، دون أي تمييز، قالت «هيومن رايتس ووتش» إن «على الحكومات اعتماد تدابير لضمان عدم انقطاع التعليم أثناء الأزمات الإنسانية». وتنص المادة 18 من الدستور العراقي على منح جميع الأطفال المولودين لأب أو أم عراقيين الجنسية، وبالتالي يحق لهم الحصول على وثائق الهوية. وطالبت المنظمة الأممية مجلس النواب بـ«تعديل أو إلغاء القوانين والسياسات الأخرى السارية والتي تُبطل هذا الحق الدستوري. كما ينبغي لمجلس النواب النظر في تفعيل الاقتراح الذي قدمته لجنة حقوق الإنسان البرلمانية في حزيران /يونيو إلى القضاء لإنشاء محاكم خاصة لإصدار الوثائق المدنية لأطفال الأسر التي يُشتبه بانتمائها لداعش. في جميع الحالات، على العراق إلغاء اشتراطات حصول العائلات على تصريح أمني من الأجهزة الأمنية كشرط أساسي للحصول على الوثائق المدنية». ولضمان أن الأطفال يمكنهم التسجيل بحلول 15 أيلول/سبتمبر في بداية العام الدراسي، حثّ تقرير المنظمة، وزارة التربية بـ«إخطار العاملين في جميع المدارس على وجه السرعة بألا يطلبوا الوثائق المدنية كشرط للتسجيل، أو لتقديم الامتحانات، أو للحصول على شهادات، حتى يتم وضع آلية تُيسّر إصدار الوثائق المدنية لجميع الأطفال العراقيين. على الوزارة، بالتعاون مع وكالات المعونة، أن تسعى لإبلاغ الأهالي الذين يعيشون في المناطق التي كانت تحت سيطرة داعش وفي مخيمات النازحين أن اشتراط الوثائق المدنية قد ألغي». وقالت فقيه: «أضاع بعض الأطفال العراقيين 3 سنوات من التعليم تحت سيطرة داعش. على الحكومة أن تبذل كل ما في وسعها لضمان ألا يُضيع الأطفال أي سنوات أخرى من التعليم الضروري».