حين غادرت مأدبة الموت.. كان القوم سكرى يعاقرون الخمرة.. ويدقّون الطبول وكانت القينات تعزف بالمزاهر وكان كل شيء يعيد تصوير مأساة سيّدنا يحيى عليه السلام..
كنت وحدك تتهيّأ لأداء صلاة الفجر.. وكانت المآذن والحجيج يكبّرون تكبيرة عيد النحر..
سرت نسمات الفجر فسريت معها .. ودخلت قلوب المؤمنين .. فما أسرع ما ارتحلت من بين أكف القوادين وزناة العصر وما أسرع ما أقبلت علينا .. كنّا نبكي ولم نكن نعلم لمَ البكاء وقد سكنْت فينا وأقمْت بيننا وتبوّأت مكانك في قلب كلّ مؤمن ومؤمنة..
ترى هل كانت العيون تبكي حزن غيابك عنها أم كانت الأرواح تبكي فرح قدومك عليها؟
أيّها القمر البابلي المتوهّج في كلّ قلبٍ خاشع..
يا تكبيرة العيد تناقلتها المآذن عبر فجاج الأرض .. تحملها إلى سماوات الله ملائكة تتحلّق صفوفا وتنتظم معارج قدسيّة حتى تتّصل بعلياء الله وملكوته..
أيّها القمر البابلي..
يا إشراقة صبح العيد أطلّت لتملأ الدنيا وضاءة وبهاءً..
قالوا لست ذلك الذي التفّ حبل المشنقة على عنقه صبيحة يوم العيد.. وقالوا لست الذي كان يبسم للموت في لحظة امتقعت فيه وجوه الجلادين المحيطين به .. وقالوا لست الذي انغرست قامته في الأرض وارتفعت هامته تطاول الثريّا.. في لحظة استعلاء على كلّ صغار وذلّة في هذا الوجود..
قالوا.. وقالوا..
وكان نورك الذي يشرق من ذلك الجبين يكذّب كلّ قول صادق.. ويصدّق كلّ قول غير ذلك..
أجل كنت أنت القادم على الموت بجماله وكماله وبهائه وجذله.. مثلما كنت أنت القاهر للموت بعزّة ربّ الأرباب الذي جعلك عنوان سقوطهم الأزلي..
وسيسألون كيف ذلك؟ ونجيبهم: إن ماهو آت آت
نسي الدّجالون وهم يختارون أضحيتهم في يوم عيد النحر أنّ الله خلَّد فداء أحبابه في مثل هذا اليوم.. وتعاموا عن أنّ الله الذي فدى جدّك بذبح عظيم هو من سطر على جبينك بحروف يقرؤها الجاحدون فيرتعبون..
"قاصم الجبّارين بإذن الله "
ومادام جبّارو هذه الأرض يتطاولون على العباد تكبّرا فأنت معنيّ بهم وموكل بمحوهم .. واحدا تلو الآخر.. حتّى لا يبقى على وجه البسيطة من ينازع الله سلطانه على أرضه ..