قالت «هيومن رايتس ووتش»، إن دراسة دقيقة لقرارات محكمة التمييز العراقية، في القضايا المتعلقة بالإرهاب، أظهرت، على ما يبدو، أن القضاة تجاهلوا مزاعم التعذيب أو اعتمدوا على اعترافات غير مدعومة في 20 قضية تقريبا خلال 18 شهرا، مشيرة إلى أن بعض مزاعم التعذيب أثبتت من خلال فحوصات الطب الشرعي، وكانت بعض الاعترافات لا تدعمها أي أدلة أخرى، ويبدو أنها انتُزعت بالقوة، بما في ذلك عن التعذيب.
ووفقاً لتقرير أصدرته المنظمة المعنية بحقوق الإنسان، أمس الأربعاء، فإن «في كل من هذه القضايا، كانت المحاكم الابتدائية قد أخذت مزاعم التعذيب على محمل الجد، ووجدتها موثوقة، وقيّمت الأدلة وأفرجت عن المتهمين»
ثغرات في العدالة
وأوضح أن «هذه القضايا تُبين الثغرات في نظام العدالة الجنائية العراقي تمتد إلى أعلى مستوى. وتبعاً للتقرير «بموجب القانون الدولي، يجب ألا تعتمد المحاكم أبدا على الأدلة التي يتم الحصول عليها عن طريق التعذيب». وأشار إلى أن «على الدول الأعضاء في التحالف الدولي لهزيمة تنظيم «لدولة الإسلامية، التي ستجتمع في 26 أيلول/سبتمبر 2019 على هامش دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، مناقشة تدابير المسائلة عن جرائم التنظيم، والاتفاق على عدم نقل المشتبه بانتمائهم إلى «الدولة» من سوريا إلى العراق، إلى أن يتمكن النظام القضائي العراقي من ضمان امتثال المحاكمات الجنائية للمعايير الدولية للمحاكمة العادلة وتفرض الحكومة وقفا على عقوبة الإعدام». وقالت لما فقيه، مديرة قسم الشرق الأوسط بالإنابة في «هيومن رايتس ووتش»: «خلُص تحقيقنا في عدد كبير من أحكام محكمة التمييز العراقية إلى ما يمكن أن يكون حالات متكررة لسوء المحاكمة في قضايا الإرهاب. كيف يمكن للمحامين وقضاة مكافحة الإرهاب العراقيين مشاهدة ما يحدث وهم مكتوفو الأيدي؟». وراجعت «هيومن رايتس ووتش» ملفات قضايا التمييز في 27 قرارا صدر بين أيلول/سبتمبر 2018 وآذار/مارس 2019 من قبل الهيئة الجزائية لـ«محكمة التمييز الاتحادية». وفي 21 من القضايا، نقضت المحكمة، قرار الإفراج الصادر عن المحكمة الابتدائية وأمرت بإعادة المحاكمة، وفي قضيتين أيدت الإفراج، وأيدت في 4 قضايا إدانة المحكمة لكنها زادت الأحكام. ولم تتمكن «هيومن رايتس ووتش» من التأكد من أحكام القضايا التي أعقبت إعادة المحاكمة. ومن أصل 27 قضية إرهاب، تمت المحاكمة في 23 قضية بموجب قانون مكافحة الإرهاب العراقي، و3 قضايا بموجب قانون العقوبات، وواحدة بموجب قانون الأسلحة رقم 51 لسنة 2017. وأكد خبير قانوني عراقي مستقل صحة وثائق المحكمة. وذكرت المنظمة أن المحاكم الجنائية في العراق، تنقسم إلى المحاكم الجزائية للجرائم الكبيرة، ومحاكم الجنح. وللنيابة العامة والمتهم والمشتكي، الحق في الطعن في حكم الإفراج أو الإدانة أو الحكم في حكم المحكمة الجزائية. وأضافت أن» الهيئة الجزائية، التي تتألف من قاض يرأس الهيئة وما لا يقل عن 4 آخرين، تنظر في الطعون في محكمة التمييز الاتحادية في بغداد، وتراجع تلقائيا جميع القضايا التي تصل أحكامها إلى السجن المؤبد (25 سنة) أو مدى الحياة أو الإعدام. ويجوز للهيئة تأييد القرار، أو نقضه وإعادة القضية إلى المحكمة لإعادة المحاكمة أو إعادة التحقيق القضائي». في 6 قضايا، وفق المنظمة «ادعى المتهمون في المحاكمات أن المحققين قاموا بتعذيبهم أو إكراههم بطرق أخرى على الاعتراف، حيث ألغت الهيئة الجزائية أحكام الإفراج وأمرت بإعادة المحاكمة، بالاعتماد على الاعتراف الذي تم التراجع عنه، وذِكر أدلة إما لم يتم النظر فيها أثناء محاكمة المتهم أو رُفضت لأنها غير موثوق بها». وفي قضيتين، «كان الاعتراف هو الدليل الوحيد. لم يكن واضحا من وثائق المحكمة ما إذا كان القضاة قد حققوا مع من زُعم أنهم قاموا بتعذيب المتهمين أو إكراههم، أو ما إذا كان المحققون القضائيون أو الشرطة أو النيابة العامة قد أجروا تحقيقات جنائية في مزاعم التعذيب وغيرها من الجرائم ضد المتهمين الذين تقدموا بشكاوى ضدهم».
وفي قضايا أخرى «قدم المتهم تقريرا طبيا في الطب الشرعي وجد علامات على أن المتهم «تعرض لشدة خارجية»، لكن الهيئة الجزائية تجاهلت التقرير أو رفضته، وفي إحدى القضايا، ذكرت الهيئة الجزائية أنه «لا ينال من قيمة الأدلة المتوفرة في الدعوى ما جاء في التقرير الطبي الخاص بالمتهم»، على الرغم من أن الاعتراف المنتزع بالإكراه كان هو الدليل الوحيد المقدم في المحاكمة. بينما لم تُثَر قضية التعذيب بشكل صريح في 7 قضايا، أفرجت محاكم الجنايات في الأنبار والكرخ (بغداد) وكركوك عن المتهمين لأنه لم يتم تقديم أدلة غير اعترافاتهم، حسبما أظهرت ملفات القضية. في كل حالة، وجدت الهيئة الجزائية أن الاعتراف الخلافي كان دليلا كافيا لتوجيه التهم، وأمرت بإعادة المحاكمة. وحسب المنظمة تثير هذه القضايا قلقا بشكل خاص في ضوء التعليقات التي أدلى بها خبير قضائي عراقي وخبيران في القانون العراقي وقضايا الإرهاب. قالوا جميعا إنه من خلال تجربتهم، عندما تُبطِل الهيئة الجزائية حكما بالإفراج وتأمر بإعادة المحاكمة، فهي ترسل رسالة واضحة مفادها أنه ينبغي على المحكمة الابتدائية تغيير قرارها. وبينوا أنه لا يمكن اعتبار هذه المحاكمات بمثابة أمر قضائي محايد لإعادة تقييم وقائع القضية، بل أمر ضمني لإدانة المتهم. وكتبت «هيومن رايتس ووتش» رسالة إلى رئيس «مجلس القضاء الأعلى» في العراق في 10 حزيران/يونيو 2019 مرفقة النتائج، وردّ مجلس القضاء الأعلى، الذي يدير شؤون القضاء الاتحادي ويشرف عليها، في 20 حزيران/يونيو، وطلب تفاصيل القضايا التي تم مراجعتها، والتي قدمتها «هيومن رايتس ووتش» في 26 حزيران/يونيو. وذكر أيضا أن «محكمة التمييز هي الهيئة القضائية العليا التي تتكون من مجموعة من القضاة المتميزين في عملهم لذا لا يمكن الاعتماد على رأي بعنوان (خبير قانوني) وترجيحه على عمل محكمة التمييز، لأن هذا الخبير مهما كان عمله لا يمكن أن يصل في المهنية والدقة في العمل القضائي للقضاة». وفي 18 تموز/يوليو، شارك مجلس القضاء الأعلى مع «هيومن رايتس ووتش» أمرا صادرا عن رئيس المجلس يقضي بدراسة القضايا التي أشارت إليها «هيومن رايتس ووتش» دون أن يقدم معلومات إضافية حتى نشر هذا التقرير. وتماشيا مع المعايير القانونية الدولية والإجراءات الجنائية العراقية، ينبغي لمجلس القضاء الأعلى العراقي أن يصدر مبادئ توجيهية تُلزم القضاة بالتحقيق في جميع مزاعم التعذيب الموثوقة ومع قوات الأمن المسؤولة، ونقل المحتجزين إلى أماكن مختلفة فور ادعائهم التعذيب أو سوء المعاملة، لحمايتهم من الانتقام، وينبغي أن يكرر المجلس للقضاة أنهم مُلزمون برفض أي دليل تم الحصول عليه عن طريق التعذيب. ينبغي للسلطات القضائية التحقيق وتحديد المسؤولين عن أي تعذيب، ومعاقبة الضباط والأفراد المسيئين، وتعويض الضحايا.
أخطاء قضائية
ودعت المنظمة، مجلس القضاء الأعلى مراجعة جميع القرارات المتعلقة بالإرهاب التي أصدرتها الهيئة الجزائية منذ بداية 2018، ثم النظر بناء على النتيجة فيما إذا كانت المراجعة الكاملة منذ 2005 ضرورية، ومعالجة أي أخطاء قضائية يحددها. وطالبت بتقريرها السلطات بـ«ضمان وجود أساس قانوني واضح للاحتجاز، وأن يتمكن جميع المحتجزين من الاتصال بمحام، بما في ذلك أثناء الاستجواب؛ وأن يمثلوا أمام القاضي في غضون الـ24 ساعة الأولى من اعتقالهم وعلى فترات منتظمة بعد ذلك، حيث يحدد القاضي مشروعية وضرورة استمرار احتجازهم؛ ونقل المحتجزين إلى مرافق يمكن تفتيشها من قبل الحكومة، وزيارتها بصورة منتظمة من قبل مراقبين مستقلين وأقارب المحتجزين». كما دعت «التحالف الدولي» بقيادة واشنطن، والدول الأخرى التي لديها مواطنون يواجهون محاكمات إرهاب محتملة في العراق، إلى «الضغط على مجلس القضاء الأعلى لمشاركة نتائج أي مراجعة يجريها في محكمة التمييز الاتحادية العراقية، وضمان تنفيذ الإصلاحات لمعالجة العيوب الخطيرة التي أثيرت في هذا التقرير». وقالت فقيه: «هذا التحقيق يظهر أن المعتقلين في العراق يواجهون خطرا كبيرا من أن تكون محاكماتهم جائرة في كل مرحلة من مراحل العدالة الجنائية. ينبغي لمجلس القضاء الأعلى النظر مليّا في القرارات المتعلقة بالإرهاب الصادرة عن الهيئة الجزائية».