ليس هناك من کلام يثير التهکم و السخرية کما هو الحال في التصريحات و المواقف المعلنة من جانب قادة و مسؤولي (الجمهورية الاسلامية) في إيران بخصوص مکافحة الارهاب و السعي من أجل القضاء عليه، ولاتمر فترة إلا و ينبري أحدهم للإداء بتصريح او موقف بهذا الصدد، وقد کان آخر من أتحفنا بهذا الخصوص، قائد القوة البرية للجيش الإيراني العميد أحمد رضا بوردستان، عندما صرح بأن" خط إيران الأحمر مع المجموعات الإرهابية علي مسافة 40 کيلومترا داخل الأراضي العراقية"..
بوردستان الذي قال أيضا بأن" القوات البرية للجيش الإيراني علي أهبة الاستعداد لتدمير داعش إذا حاول التسلل إلي إيران عبر الحدود الغربية للعراق"، فقد حدد أيضا عمقا لدخول القوات البرية الايرانية الى العراق بقوله"أن القوات العسکرية الإيرانية رفعت من جهوزيتها بشكل كامل، وقد رسمت خطا أحمر علي مسافة 40 کلم داخل الأراضي العراقية، للقضاء على المجموعات الارهابية"، ويمکن التصور بأن هذا العمق "أي 40کم"، قد تم تحديده خلال الزيارة الاخيرة لوزير الدفاع العراقي لطهران و التي وکما أکدت العديد من المصادر بأنه وافق خلالها على بقاء أکثر من 7000 من عناصر الحرس الثوري داخل العراق.
من الواضح بأن عمق 40 کيلومتر المعلن والمتفق عليه، هو العمق الظاهري الذي يبدو انه يناسب الحکومتين الايرانية والعراقية من أجل عدم إثارة الرأي العام العراقي و الاقليمي والدولي لو تم الاعلان بأن العراق مفتوح أمام القوات الايرانية للتدخل لمکافحة"الارهاب"، لکن الذي يجب أن يفهمه کل لبيب و مدرك للأمور أن إيران تمارس دور من له حق الدخول الى سائر أرجاء العراق، واننا نتساءل هل أن ال7000 من عناصر الحرس الثوري منتشرون أيضا في عمق 40 کيلومتر؟ لأن التقارير الاخيرة قد أکدت بأن هذه القوات منتشرة في العمق العراقي، کما ان قاسم سليماني، قائد فيلق القدس و القوات المرافقة له يجوب العراق طولا وعرضا، والحجة هي محاربة الارهاب المحدد بالارهاب ذو التوجه السني، أما الميليشيات الشيعية التي أشرف على تأسيسها وتوجيهها سليماني بنفسه وقامت وتقوم بأعمال ذات طابع إرهابي من ضمنها، على سبيل المثال لا الحصر، عدم السماح للعوائل السنية بالعودة الى مناطقهم المحررة کما يجري حاليا في جلولاء والسعدية بشکل مکشوف، فإن هذه الميليشيات ليست مشمولة بقانون تحديد الارهاب من جانب طهران.
(الجمهورية الاسلامية) الايرانية التي طالما أعلنت بأنها ضحية للإرهاب، فإننا يجب أن نتمعن في کيفية کونها ضحية للإرهاب، إذ هل أن تنظيمات مثل القاعدة او منظمات أخرى مشابهة لها قد قامت بإرتکاب أعمال إرهابية في داخل إيران؟ الحقيقة ليس هناك شئ من هذا القبيل لأن قادة من القاعدة و أقارب لأسامة بن لادن کانوا يتواجدون في طهران تحت حماية السلطات الايرانية.
الجهة التي تعتبر (الجمهورية الاسلامية) نفسها ضحية للإرهاب على يدها، هي منظمة مجاهدي خلق، وقصة المواجهة بين (الجمهورية الاسلامية) الايرانية ومنظمة مجاهدي خلق المعارضة، هي قصة مواجهة بين ايديولوجيتين ومنطقين فکريين مختلفين تماما، إذ ان هذه المنظمة أعلنت عند الاقتراع على دستور قيام نظام ولاية الفقيه، رفضها الموافقة عليه بإعتباره يمثل إمتدادا للدکتاتورية والاستبداد في البلاد ولکن تحت غطاء الدين، ومن يومها صارت المنظمة العدوة اللدودة للنظام الاسلامي. وبلغت المساعي الرسمية الايرانية لتشويه سمعتهم وحرف کل الامور المتعلقة بهم و الطعن بهم علنا الى الحد الذي أعلنوا بأن حادثة الانفجار التي وقعت في مرقد الامام الرضا في مدينة مشهد في 10/6/1994، وفي مسجد لأهل السنة في نفس الفترة والذي إتهم السلطات الايرانية على الفور منظمة مجاهدي خلق المعارضة بإرتکابها.
وعلى الرغم من نفي المنظمة بشدة لذلك وإدانتها للجريمة، لکن النظام أصر على موقفه وقام بتقديم شخص على شاشة التلفزيون على انه منفذ الانفجار، حتى إنجلت الحقيقة بعد خمسة أعوام، عندما خرج أحد قادة الحرس الثوري ومن عناصر الاستخبارات سابقا والمدعو"أکبر کنجي"، ليعلن في لقاء له مع جريدة (آريا) الصادرة في يوم 4/12/99 "أن الاستخبارات هي التي قامت بهدم مسجد أهل السنة في مشهد ثم قامت أيضا بتنفيذ تلك الحادثة المؤلمة في انفجار حرم الإمام الرضا لتلقي تبعته على من تدعوهم المنافقين".، هذا إذا وضعنا جانبا حوادث التفجيرات وعمليات ذات طابع إرهابي کانت الاجهزة الامنية الايرانية تقوم بها وتتهم منظمة مجاهدي خلق بإرتکابها في سبيل تحقيق أکثر من هدف وغاية في آن واحد.
الاغرب من ذلك أن منظمة مجاهدي خلق التي تم إدراجها ضمن قائمة الارهاب على اساس عملية إتفاق ضمنية بين إدارة الرئيس الاسبق کلينتون وطهران على أمل إعادة تأهيلها، قد نجحت في الخروج من قائمة الارهاب بعد معرکة قضائية خاضتها طوال 15 عاما تکللت بخروجها من القائمة وإعتراف الدول الغربية بأنها ليست إرهابية کما تزعم طهران، لکن الملفت للنظر، ان إيران ومحورها المتمثل في بغداد ـ دمشق ـ حزب الله، يرفضون الاعتراف بالقرارات الدولية التي تؤکد براءة المنظمة من الارهاب وانما يصرون على العکس، والحقيقة انه ليس هنالك من خيار آخر لطهران غير خيار الاستمرار في إتهام المنظمة، لأنها إن إعترفت مع محورها بهذه الحقيقة فإن ورقة التوت التي تستر عورتها تسقط منها وتنکشف على حقيقتها البشعة، وان المشکلة ليست في ملاحقة الارهاب ومطاردته من جانب طهران وانما المشکلة الاساسية أن تکف هي بتصديره للعراق بشکل خاص وللمنطقة بشکل عام.
ونعود لبداية المقال وماقد ذکر عن تحديد 40 کيلومتر للقوات البرية الايرانية کعمق ظاهري تتدخل فيه لمحاربة الارهاب، لکن ومع أن العراق کما اوضحنا صار کله عمق لإيران تسرح وتمرح فيه فإنها تريد أن يتمدد هذا العمق لبلدان أخرى لأن توقفها يعني قرع ناقوس الخطر بالنسبة لها.