معدلات الانتحار في افريقيا هي الأعلى على المستوى العالمي؛ تلك خلاصة توصلت لها منظمة الصحة العالمية في تقرير نشرته مؤخرا عن معدلات الانتحار في العالم.
فقد جزمت المعطيات التي جمعتها المنظمة حول الظاهرة، فإن معدل الانتحار في القارة الافريقية يرتفع عن المتوسط وهو ما يستدعي التدخل من علماء الاجتماع ومدبري الشأن العام من أجل تدارس هذا الارتفاع وتشخيص أسبابه.
وضمن الاهتمام بهذا الموضوع، عارضت افتتاحية أخيرة صحيفة “فايننشل تايمز” ما ذهبت إليه منافستها “ذي إيكونومست” من أن “افريقيا قارة فاقدة للأمل”.
وتوقعت الصحيفة اللندنية الشهيرة في فقرات من افتتاحيتها “مستقبلا زاهرا جدا لافريقيا ولسكانها الشباب في غالبهم، كما توقعت للقارة السمراء تعليما متقدما، متنبئة بأنها ستتمكن قريبا، كما فعلت آسيا، من امتلاك المستوى التكنولوجي الذي وصل إليه الآخرون”. وأضافت “من بين عشر اقتصاديات هي الأكثر تطورا في العالم خلال سنة 2018 توجد ست افريقية، وهذا مؤشر إيجابي واضح”.
وتابعت “في جميع أرجاء افريقيا يزداد الأمل في الحياة (يبلغ متوسطه اليوم 65 سنة) كما تنخفض وفيات الأطفال عاما بعد عام”.
وزادت “في جميع أرجاء القارة، نلاحظ، بفضل استثمارات الشركاء الصينيين والأتراك والهنود والبرازيليين الجدد، بناء الطرق والجسور والمطارات والمشافي والمساكن، وهو واقع بعيد عن الذي خلفه الاستعمار في بلدان القارة، في سنوات التحرير”.
وتابعت “لا يمكن عد القمم متعددة الأطراف التي تعقد من أجل تنمية افريقيا، التي أصبح 45 من رؤسائها الأربعة والخمسين، منتخبين ديمقراطيا نوعا ما، وهذا مؤشر هام للغاية ودال على التقدم”.
وتضيف “وجاء تأسيس منطقة التبادل القارية الحرة ليكون سمنا على عسل لأنه سيفتح الأفق أمام سوق موحدة تنشط فيها رساميل واستثمارات تناهز 3.4 مليار دولار، وهذا ما يجعل القارة قابلة لجذب أكبر التمويلات”.
هذه البشائر التي نشرتها صحيفة “فايننشل تايمز” أحدثت ارتياحا كبيرا في افريقيا لكونها جاءت تعرض صورة مغايرة للصورة السوداوية المعهود نشرها عن القارة وأحوالها. وأكدت مجلة “جون أفريك” في تعليق لها على تعامل وسائل الإعلام الدولية مع القضايا الافريقية “أنها لم تقبل يوما أن تشارك جهات في الإعلام الدولي، نشرها الدائم لمعطيات متشائمة عن افريقيا وعلى عرض شبه مستمر للوحة قاتمة عن القارة وأوضاعها”.
وأكدت المجلة أنه بالرغم من ذلك فإن ما أكدته منظمة الصحة العالمية في تقريرها المنشور يوم التاسع أيلول/سبتمبر الجاري، عن ارتفاع معدل الانتحار في افريقيا يجب أن يجد العناية اللازمة لكونه يشير لأمر خطير.
وسجل تقرير منظمة الصحة العالمية عن معدلات الانتحار في العالم، وضعا مقلقا على مستوى منطقة افريقيا ما وراء الصحراء حيث ترتفع، بينما أظهر سجل انخفاض معدلات الانتحار في المغرب العربي، مؤكدا أن معدلاته ضعيفة للغاية في المنطقة المغاربية بالمقارنة مع دول العالم الأخرى (3 من كل خمس أشخاص في 100 ألف ساكن).
وأبرز التقرير ارتفاع معدلات الانتحار في عشر دول افريقية هي: اللوزوتو، وكوت ديفوار، وغينيا الاستوائية، وأوغندا، والكمرون، ونيجريا، وزيمبابوي، والتوغو، وبنين، والتشاد.
ففي هذه الدول العشر، يضيف التقرير، يتجاوز معدل الانتحار 15 شخصا من كل 100 ألف شخص، وهو غير بعيد من العدد القياسي العالمي للانتحار المسجل في غوايانا.
وعن أسباب هذا الارتفاع، يؤكد التقرير أنه واضح بالنسبة لمملكة اللوزوتو التي تكتسحها منذ سنوات موجة انتحارية منتشرة بين صفوف منمي الخراف الثروة الأساسية لهذا البلد، لكن ماذا عن كوت ديفوار التي انتحر فيها 3446 شخصا خلال عام 2016 (آخر أرقام متوفرة).
ويظل السؤال الكبير المطروح هو لماذا نلاحظ أن معدلات الانتحار مسجلة أقل في الدول المفلسة مثل الصومال ووسط افريقيا وجنوب السودان من المعدلات المسجلة في دول تتجاوز نسبة النمو فيها 5 في المئة.
وتؤكد منظمة العالمية “أنه لا مستوى الحياة ولا الدين (الإسلام والمسيحية يحرمان الانتحار) هما سبب ارتفاع معدلات الانتحار” مستغربة من أن الانتحار يتسبب كل سنة في إحداث ضعفي الوفيات الناجمة عن الملاريا والمذابح العرقية”.
وذكرت منظمة الصحة العالمية في تقريرها “أن المادة التي يستخدمها منتحرو افريقيا في الغالب هي مواد المبيدات الحشرية؛ وبهذا يحل التسمم الذاتي بالمبيد الحشري في عمليات الانتحار، محل الشنق ومحل الأسلحة النارية؛ تلكم هي نكسة افريقيا مع الأسف.