لا لإلحاق مصر بالحلف الأميركي

محمد سيف الدولة

((في جولتى بالمنطقة في الايام الماضية لم يسأل احد من قادتها، هل نشارك مع التحالف ام لا، بل كان السؤال كيف نشارك وندعم؟))

((نشكر مصر التي التزمت بشكل ملحوظ، بالتنسيق بين قواتها والقوات العراقية والكردية))

((الجنرال جون ألان، الذي خدم في أفغانستان لمدة عامين، وكذلك في العراق، سيقوم بالاشراف على جهود الولايات المتحدة لمتابعة تنسيق قدرات كل بلد مع التحالف))

من كلمة جون كيري وزير الخارجية الأميركي في جلسة مجلس الأمن حول الحملة ضد داعش

***

 

((نحن ملتزمون تماما بتقديم الدعم، وسنفعل كل ما يلزم))

السيسي ردا على سؤال من وكالة اسوشييتدبرس عما اذا كانت مصر ستقدم فرصة عبور المجال الجوي أو دعما لوجيستيا لتوجيه ضربات جوية ضد داعش

***

والخلاصة بان الإدارة المصرية قد قبلت ان تكون جزءاً من تحالف دولي جديد تحت قيادة الولايات المتحدة الامريكية لشن حملة جديدة على العراق.

******

1)   يتحتم علينا جميعا اليوم أن نعلن رفضنا وإدانتنا للولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها في حملتهم الاستعمارية الثالثة على العراق في أقل من ربع قرن، والتي تستهدف ضمن ما تستهدفه حماية وتأمين وتشطيب الرتوش الأخيرة في عملية تقسيم العراق وفقا لخرائط محددة رسمتها بنفسها وليس وفقا لأى خرائط أخرى، وهى تفعل ذلك تحت ذريعة محاربة الإرهاب، تلك الذريعة التي تمت تحت رايتها كل الاعتداءات الأمريكية والصهيونية على الأمة منذ عقود طويلة، والذى تحَّوَل فيها الوطن العربي منذ عام 1990 الى مستعمرة أميركية كبيرة، تعج بالقوات والقواعد ومناطق السيطرة و النفوذ، وباستسلام و تعاون كامل من الأنظمة التابعة.

***

2)   يعلم الجميع بأن النظام المصري منذ زمن بعيد، هو شريك وحليف وتابع أصيل للولايات المتحدة من خلال ما يقدمه لها من تسهيلات عسكرية لوجستية وتعاون وتنسيق أمني ومخابراتي بلا حدود، وفقا لكل التقارير الصادرة من الكونغرس والإدارة الامريكتين، وهو التحالف الذى لم يتأثر نهائيا بأى متغيرات تمت بعد الثورة على امتداد أكثر من ثلاث سنوات.

ولكن بعد ثورة يناير، انعقدت الآمال على تحرير مصر من هذه العلاقة الآثمة، وناضل الكثير من القوى الوطنية من أجل هذا الهدف، ولكن جاء الموقف الأخير ليؤكد مرة أخرى على ان العلاقة باقية وعميقة ومستمرة، او انها مثل الزواج الكاثوليكي كما قال نبيل فهمي وزير الخارجية السابق.

انه دليل جديد على ان نظام مبارك لم يرحل، وان التبعية للأميركان وخدمة مصالحهم هى دستوره وإستراتيجيته وخريطة طريقه الحقيقية، رغم كل ادعاءات الوطنية المزيفة التي يطنطن بها ليل نهار.

***

3)   لقد دأبت وسائل إعلام النظام، على الحديث ليل نهار عن مشروعات تقسيم المنطقة التي يخطط لها الاميركان منذ زمن طويل، وكيف ان مصر مستهدفة، وان امريكا هى العدو الحقيقي لمصر، وان السيسي بطل قومي، لأنه تصدى لامريكا وهزمها وأنقذ مصر من هذا المخطط.

فهل يعقل بعد كل هذا التعبئة، أن نرى "بطلا قومياً" يلتحق بالعدو الاكبر في تنفيذ مخططه في العراق الشقيق أولا، ثم في سوريا بعد ذلك، فلقد اعلن اوباما على موافقة الكونغرس على تدريب وتسليح المعارضة السورية المعتدلة، في اطار ذات الحملة التي تستهدف داعش، وقام بتهديد النظام السوري من التعرض للطائرات الامريكية في المجال الجوي السوري، والا فانه سيقوم بتدمير كل الدفاعات الجوية السورية.

وبصرف النظر عن موقفنا مما يحدث في سوريا، الا ان من أهم الثوابت الوطنية، ان المعارضة التي تتلقى تسليحا من الاميركان هى معارضة خائنة، وأن السيادة الوطنية السورية تجرد الامريكان أو غيرهم من أى حق في انتهاء اجوائها الجوية.

فهل نساعد في ترسيخ مبدأ اقليمي طالما رفضناه من قبل، مبدأ جواز استدعاء قوات دولية في الصراعات الوطنية الداخلية؟

ثم هل الخلاف المصري مع قطر وأخواتها، لا يعدو أن يكون مجرد منافسة على الأدوار تحت قيادة السيد الأميركي، بعد أن أصبحوا جميعا شركاء وأعضاء فاعلين في ذات التحالف.

هل يقبل دعاة الوطنية والاستقلال كل ذلك ان كانوا صادقين ؟

***

4)   كما أن الدعوة التي أطلقها عبد الفتاح السيسي للولايات المتحدة في لقاءه مع جون كيري، بضرورة أن يعمل هذا التحالف الدولي على مواجهة الإرهاب في كل المنطقة بما فيها مصر وليس داعش فقط، هذه الدعوة تمثل سابقة خطيرة لتدويل أزمة مصرية داخلية، ستكون تبعاتها، أن ما تم تفعيلها، شديدة الضرر على ما تبقى من استقلال مصر وسيادتها.

***

5)   اننا لم نشعر بوطأة وخطورة الانقسام والانشقاق الوطني والسياسي القائم في مصر، كما نشعر به الآن، فلقد أدى هذا الانقسام الى تراجع وغياب اى معارضة حقيقية لهذه الخطوة المصرية، مثلما كان يحدث ضد مبارك في الحملات الامريكية الاولى 1991 والثانية 2003.

فرغم ان كثير من الاصوات بما فيها بعض المحسوبين على النظام، أصدرت تحذيرات خجولة وعلى استحياء ضد الاستدراج الأميركي لمصر مرة أخرى في مغامراتها الامبريالية، الا ان احدا منهم لم يجرؤ ان يجاهر بالمعارضة والرفض، من منظور ان اى معارضة لأى قرار للسيسي، سيصب في مصلحة المعسكر الاخر في المعارضة .

حتى تصريحات سامح شكري وزير الخارجية المصري المؤيدة للتحالف الأميركي، جاءت بنبرات متحفظة، مما أعطى انطباعا بأن هناك نوعا من الإكراه والاضطرار لمسايرة الخواجة الأميركي. وكأنه يقول ((اننا في امس الحاجة الى الاعتراف الأميركي بشرعية النظام المصري الجديد، ونعلم للأسف أن الالتحاق بالحملة الاميركية، هو ثمن يجب أن ندفعه ولو كرهناه))

فهل يستحق الاعتراف الأميركي، التفريط في مزيد من السيادة الوطنية ومتطلبات الامن القومي؟

اما معسكر المعارضة، فلقد لجأ الى توظيف رفضه للمشاركة المصرية في التحالف، في اطار صراعه الاصلي مع نظام 3 يوليو، مما أدى الى أضعف تأثيره على الرأي العام، الذى أصبح يتحسس من حالة الاستقطاب الحاد في المجتمع. فالهجمة الاميركية الجديدة قد تكون أخطر واكبر في آثارها ونتائجها، من كل ما يدور في مصر منذ الثورة.

وهكذا غابت الجبهة الداخلية الوطنية المصرية لأول مرة منذ عقود طويلة عن التصدي لحملة اميركية استعمارية جديدة على الأمة.

وهو ذات الغياب الذى ظهر بوضوح، في العدوان الصهيونى الاخير على غزة.

وهو ما يؤكد مرة أخرى على أن الانقسام الوطني يمثل ثغرة هائلة في الجبهة المصرية الداخلية، سينفذ منها مزيد من الهيمنة والنفوذ الأميركي في مصر والمنطقة.

***

6)   كما انه قد آن الأوان ان نتحرر من الرواية الأميركية عن الإرهاب، وان نقدم روايتنا نحن الأكثر عدلا ومصداقية ووطنية، والتي تنطلق من أن الارهاب الأصلي هو الارهاب الصهيونى في فلسطين، والارهاب الأميركي في العراق وافغانستان وكل المنطقة. وأن القتل بالطائرة بدون طيار لا يختلف عن الذبح بالسكين، سوى ان الاول يُسقط مئات القتلى في لحظة واحدة.

وأن البيئة الحاضنة لكل افكار وجماعات التطرف والعنف والتكفير والإرهاب في المنطقة، هي سيل الاعتداءات الاستعمارية التي لم تنقطع على اوطاننا منذ قرنين من الزمان، من استعمار وتجزئة وتقسيم وقتل وإبادة وعنصرية وطائفية ونهب واستغلال واذلال.

وانه من المستحيل ان تتوقف هذه الظواهر، قبل ان يخرج ((الاستعمار واعوانه)) من الارض العربية.

***

7)   وإننا اذ نرفض وندين استمرار الخضوع للأميركان والالتحاق بأحلافهم ودعم مشروعاتهم، فإننا نحذر أيضا ونذكر بأن اللبنة الاولى في إسقاط مبارك، وُضِعت بعد احتلال العراق عام 2003 وسط صمت عربي وتعاون وتنسيق لوجيستي مصري واسع المدى للقوات الامريكية. فمنذ تلك اللحظة أدركت حركة المعارضة الوطنية أن هذا النظام لا يمكن أن يستمر.

***

8)   وأخيرا لقد آن الأوان أن نحصن أنفسنا من كل أولئك الذين يطلقون الشعارات الوطنية المزيفة أمام الكاميرات، ثم يذهبون في الكواليس ليقدموا خدماتهم الجليلة للأميركان.

 

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :135,621,326

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"