1)بصرف النظر عن سوء التعبير المعتاد الذي تتسم به المقاطع "المرتجلة" في أحاديث السيسي وخطبه،
وبصرف النظر عن حالة الاستقطاب الحاد والصراع الشرس على السلطة القائم في مصر الآن،
وبصرف النظر عن الأهمية الدائمة لتجديد الفكر والوعي في كل خطاباتنا الدينية والثقافية والسياسية والاقتصادية،
وبصرف النظر عن المحاولات الحثيثة للسيسي ونظامه لاستجلاب رضا واعتراف المجتمع الدولي،
وبصرف النظر عن التعاون الأميركي الاستراتيجي مع النظام الرسمي العربي، في مكافحة الارهاب وفقا للمفهوم الأميركي،
او عن حشد الاميركان لكافة الانظمة العربية في حملتهم الاستعمارية الثالثة ضد العراق تحت مسمى مكافحة داعش والتطرف الاسلامي.
فان ما ورد في خطاب السيد عبدالفتاح السيسي عن المسلمين، في ذكرى المولد النبوي الشريف، يتماهى مع الرواية الغربية الاستعمارية الاستشراقية العنصرية المضللة. ومع الخطاب الاعلامي الذي تروج له الولايات المتحدة منذ 2001 لتغطية غزوها للمنطقة.
***
2) وتنطلق هذه الرؤية في نسختها الكلاسيكية والقديمة التي تبناها غالبية المتسشرقين في القرنين الماضيين من ادعاءات عنصرية بتقدم شعوب الغرب وتخلف شعوب الشرق وعدم اهليتها لنيل استقلالها وحكم نفسها، مما يضطر الغرب اضطرارا للقيام نيابة عنها بهذا الدور لترقيتها والنهوض بها حضاريا، الى آخر هذه النظريات الاستعمارية التي تصدى لها عديد من المفكرين العرب، على رأسهم المفكر الفلسطيني الراحل ادوارد سعيد في كتابه الرائد "الاستشراق".
***
3) اما الرواية في نسختها الحديثة المعدَّلة والتي انطلقت على ايدي مفكرين من امثال برنارد لويس وصامويل هنتنغتون فتدعي ان الصراع الحضاري والثقافي والديني هو الذي يقود العالم بعد انتهاء الحرب الباردة. وانه بعد تراجع الخطر الشيوعي وسقوط الاتحاد السوفيتي، فان الاسلام هو الذي يمثل التحدي والخطر الرئيس على الغرب اليوم. وانه لا صحة لكل تلك النظريات التي تفسر العالم والتاريخ والصراعات، من منطلقات وطنية او سياسية او طبقية او اقتصادية.
وهى الرؤية التي تريد ان تضفي شرعية على الاستغلال الامبريالي الأميركي والغربي لباقي شعوب الأرض، وتريد ان تشتت انتباه العالم والشعوب عن الأسباب الحقيقية لتخلفها وتبعيتها، وتريد ان تصادر حق بلدان العالم الثالث في مقاومة الهيمنة الغربية العسكرية والسياسية والاقتصادية والثقافية.
وهى الرؤية التي أجمعت كل التيارات الوطنية والتقدمية منذ عقود طويلة على رفضها ودحضها وكشف تناقضاتها وفضح غاياتها الخبيثة المضللة.
كما انها ذات الرؤى والأفكار التي أسَّست لكل مخططات إعادة تقسيم الوطن العربي وتفتيته من خلال تفجير وإدارة سلاسل من الصراعات الطائفية والمذهبية والحروب الاهلية، واستماتت لتحويل الصراع العربي /الصهيوأميركي الى صراع عربي عربي.
***
4) ان حديث السيسي عن الخطر "المحتمل" الذي يمكن ان يمثله 1.6 مليار مسلم على باقى الـ 7 مليار انسان، هو قلب للموازين والحقائق التي يعيش فيها العالم منذ ما يقرب من أربعة قرون،
فإن كان هناك في العالم وفي التاريخ من يمكن اتهامه بالرغبة في القضاء على الآخرين لكي يحيا هو فقط، فإنه الغرب الاستعماري بامتياز،
· فهم آلهة وملوك كل انواع التطرف والإرهاب والعنصرية والاستغلال والاستعمار والاستعباد والقتل والدمار،
·فالغرب هو الذي قام باحتلال شعوب ثلاث قارات، افريقيا واسيا وأميركا اللاتينية على امتداد آخر قرنين على الأقل.
·وهو الذي أباد مئات الملايين من السكان الاصليين في ثلاث قارات، في الاميركتين واستراليا .
·وهو الذي اختطف مئات الملايين من سكان افريقيا وحولهم الى عبيد في المستعمرات الاوروبية الجديدة
·وهو الذي أشعل حربين عالمين كبرتين راح ضحيتهما عشرات الملايين من القتلى والمصابين.
·وهو الذي أباد مئات الالاف في اليابان باستخدام القنابل الذرية.
·وهو الذي نهب ثروات العالم، ولا يزال، فتسبب في امراض التخلف الاقتصادي والسياسي والاجتماعي المزمنة لمليارات من سكان العالم.
·وهو الذي يحتكر 80 % من الناتج العالمي بينما لا يتعدى تعداده 20 % من سكان العالم، فيما لا يتعدى نصيب أفقر 20% من شعوب العالم 1.2 % من الناتج العالمي.
·وهو الذي استعمر بلادنا لقرون طويلة وجزأها ليقتسمها ويوزعها كغنائم حرب بعد الحرب العالمية الاولى.
· وزرع بيننا قاعدته العسكرية والاستراتيجية الملعونة المسماة باسرائيل، وحرَّضها ودعمها لاحتلال مزيد من اوطاننا، وحارب معها في مواجهتنا، وظل يدعمها ويسلحها ليضمن تفوقها العسكري علينا مجتمعين، وهو الذي اكره او استقطب حكامنا على الصلح معها والاستسلام لمشروعها.
·وهو الذي يحارب ويضرب ويتصدى طول الوقت لكل محاولات التحرر والاستقلال والوحدة والنهضة والتقدم والتنمية في بلادنا.
·وهو الذي يهيمن ويتحالف ويدعم أسوأ الأنظمة الحاكمة في الوطن العربي وفي العالم، ليضمن استمرار سيطرته ونهبه لمقدرات الشعوب.
·وأخيراً وليس آخراً هو الذي احتل الخليج العربي وأفغانستان والعراق وقسَّمه، هو والسودان، في اطار مشروعه الجديد بإعادة تقسيم الدول العربية.
***
5) كما أن كل الدعوات المطالبة بمقاومة وقتال الاحتلال الصهيوني والغزو الأميركي، هي دعوات مشروعة أيا كانت مرجعيتها الإيديولوجية.
كما ان كل انواع التطرف في بلادنا بما فيها التطرف الديني الذي يتحدثون عنه هي ردود فعل طبيعية ومتوقعة من الشعوب في مواجهة الهزائم والاستسلام والخنوع والتبعية والفقر والاستغلال التي اوصلتنا اليها الانظمة العربية الحاكمة، والتي تمارس تبعيتها للأميركان ورعبها من (اسرائيل)، تحت شعارات وطنية زائفة. والطريقة الوحيدة للقضاء على التطرف هى استرداد الدور الوطني للدول العربية في مواجهة أميركا و(اسرائيل) وحلفائهم في الداخل والخارج.
***
6) كما ان هناك شبه اجماع بين المحللين السياسيين عربيا وعالميا،على عمقالدور الأميركي في صناعة ودعم وتمويل عديد من التنظيمات الطائفية الإرهابية،بهدف التشويش على حركات المقاومة، وتفجير الصراعات الاهلية، وتبرير التدخل الاجنبي.
***
7) ان الهجمة التي تقودها الولايات المتحدة وأوروبا و(اسرائيل) اليوم ضد ما يسمونه بالاسلام المتطرف، هى امتداد لكل الحملات السابقة التي شنَّتها من قبل ضد كل حركات التحرر وكل التيارات الوطنية والاشتراكية والقومية في الوطن العربي وكل بلدان العالم، التي رفضت الاستسلام للمشروع الأميركي الصهيوني.
***
8) ان الدعوى الكامنة والمستترة وراء شيطنتهم للإسلام أو المسلمين هى في حقيقتها كالآتي ((انكم يا معشر العرب والمسلمين لا يجب ان تقاتلوا اسرائيل وتحرروا فلسطين، ولا يجب ان تقاوموا احتلال وغزو أميركا لبلادكم، ولا اعادة رسمها لخرائطكم، ولا نهبها لنفطكم و ثرواتكم، ولا سيطرتها على أسواقكم، ولا حمايتها لحكامكم وانظمتكم !
وإنما عليكم ان تطهروا أنفسكم من المتطرفين الاسلاميين كما طهرتم أنفسكم من قبل من كل المتطرفين من التيارات الأخرى، وان تكونوا حلفاء وشركاء لنا في الغرب وأمريكا وإسرائيل ضد هذا العدو المشترك)).
***
9) كما أنه لا يصحُّ أن تصدر مثل هذه التصريحات من مصر، في وقت متزامن مع صدور مثيلتها من العدو الصهيوني الذي ادعى رئيس وزرائه أكثر من مرة أن دولا عربية كبرى أخبرته بانها ترحب بالعمل مع (اسرائيل) ضد عدوهم المشترك من الإسلاميين المتطرفين. وكأننا نؤكد ادعاءاته ونصدِّق عليها. وكأننا نتبنى مع عدونا الحقيقي لغة واحدة وبمرجعية واحدة ونستهدف مصالح واحدة في مواجهة عدو واحد.
***
10) واخيرا وليس آخرا وفي جميع الأحوال وأياً كانت النوايا، فانه لا يصح ان تصدر مثل هذه التصريحات من رئيس أكبر دولة عربية وإسلامية، في ظل حملة أميركية وغربية تعادي الاسلام والمسلمين وتتهمهما بالتطرف والإرهاب، وتتذرع وتتخفى بذلك لتبرير اعتداءاتها وغزواتها لأوطاننا وأقطارنا وإعادة رسم خرائطنا. لأنه سيتم توظيف مثل هذه التصريحات خارجيا ودوليا لصالح هذا العداء وتبريره وتأكيده بمنطق "وشهد شاهد من أهلها". كما سيتم تفسيرها داخليا على انها بمثابة غزل مصري رسمي للأميركان وتقديم أوراق اعتماد للغرب.