في ضوء تدهور الوضع الاقتصادي الايراني: جولة جنيف ‏النووية، هل هي الحاسمة!؟ ‏

مأمون السعدون

بعد عدة لقاءات مكثفة سبقت "جولة الحسم!" التي ستعقد في جنيف يوم 18 كانون ثاني/ يناير ‏الجاري والتي اخرها لقاءات باريس يوم 16 / 1 بين (جواد ظريف) وزير الخارجية الايراني مع (جون ‏كيري) وزير الخارجية الاميركي و( لوران فابيوس ) وزير خارجية فرنسا وقبلها مع (فرانك ‏شتاينماير) وزير خارجية ألمانيا، وكذلك اللقاء مع (كاترين اشتون) منسقة الشؤون الخارجية في الاتحاد ‏الاوربي والاخرين في مجموعة 5+ 1 والتي اكد في ختامها الوزير كيري.."بانه مازالت هناك فجوات".. فما الذي يتوقع حصوله في جولة جنيف حول تنفيذ الاتفاق الذي تحقق عام 2013 والذي يقضي بـ ‏‏"وقف تخصيب اليورانيوم عند حد معين والتخلص من مفاعل (اراك) المختص بذلك في مقابل جدولة ‏لرفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على قطاعي المال والطاقة في ايران، على ان تتواصل المفاوضات ‏للوصول الى اتفاق نهائي وحاسم"؟!

لقد تناولنا هذا الملف في عدة مقالات وبحوث فلا حاجة للسرد و‏التفصيل، واختصاراً لوقت القارئ الكريم، سأتناوله بنقاط وافية ترّكز على تطورات الظرف الراهن.

أولاً: هناك حقيقة ومن خلال معرفة ومتابعة للسياسة الايرانية عموماً وفي الملف النووي خصوصاً.. ‏ان مسؤولي نظام الملالي تعجيزيون، يلفون ويدرون، للتسويف والمراوغة وكسباَ للوقت "لا تأخذ منهم ‏حقاً ولا باطلاً" وهذا ما يلمسه جميع من تفاوض منهم ولدينا في العراق تجارب مملة معهم، وبرز ذلك ‏بالذات في مفاوضات الملف النووي، فالمفاوضين الدوليين ومنذ بدء التفاوض في بداية القرن 21 لم ‏يستطيعوا ان يحظوا بأي تجاوب بل العكس كان التأجيل هو ما تنتهي عنده المفاوضات وذلك وفقاَ ‏لسياسة المماطلة الايرانية مما وفر لهم الوقت حتى اضحوا قاب قوسين او ادنى من دخول نادي الدول ‏النووية.    

ثانياً: سياسة التساهل والتراخي التي انتهجتها الدول الست في المفاوضات كانت عاملا ‏مشجعا للنظام الايراني في تطبيق "سياسته البازارية" في التهرب والمماطلة وكسب المزيد من الوقت ، ‏ومما زاد الطين بلة سياسة الادارة الاميركية الحالية لا بل سياسة (اوباما) الرئيس الاميركي المهزوز ‏والمتردد والمهادن والمتساهل بشكل يفسر انحيازه الى جانب ايران! وفق تصورات اوبامية من.."ان ‏سياسة المهادنة وفرض العقوبات كفيلة بجر ايران الى الاذعان الى المطالب الدولية وبما يحد من ‏طموحاتها النووية ومن دون المساس بأمن (اسرائيل)!" والحقيقة هي ان اوباما يراهن على دور الشريك ‏الايراني الذي يمسك بأكثر من ملف يتعلق بمصالحها وسياستها تجاه المنطقة العربية (تنشيط دور شرطي ‏اميركا في المنطقة) وهو دور بضوء اخضر ودعم من واشنطن التي، على سبيل المثال، سلطت نظام ‏الملالي على العراق وتجاهلت تمددهم في دول المنطقة وبما يهدد اغلب دولها! مما شجعهم وغذى ‏غرورهم وزاد في نزعتهم العدائية لتحقيق اجندتهم التوسعية!

وهذه السياسة كانت وراء الرفع الجزئي ‏للعقوبات الاقتصادية المفروضة على ايران مع السماح شهريا برفع جزئي من ارصدتها المجمدة اذ ‏استلمت خلال الفترة الماضية مما يزيد عن 2 مليار دولار, وهذا العامل هو وراء التمديد الذي اعقب ‏محادثات فيينا الاخيرة التي كان يفترض ان تكون الجولة الاخيرة الحاسمة!                                 ‏‏                                                                ‏ثالثا: الكيان الصهيوني، اعلاميا، هو اشد الرافضين لايران نووية ، بعد سياسة التهديد بالخيار العسكري ‏وتدمير المفاعلات الايرانية واستحالة السماح بامتلاك ايران الملالي ..التكنلوجيا النووية! كما هو اعلام ‏ملالي طهران المعادي، بالكلام فقط، لاسرائيل والمؤيد لشعب فلسطين ‏واستعادة القدس وما الى ذلك من شعارات طنانة هدفها تخدير وخداع الداخل الايراني والشارعين العربي ‏والاسلامي! وفي تل ابيب اليوم لم يسمع من(نتنياهو) وغيره من صقور العدو الصهيوني غير التصريحات ‏الرافضة لايران نووية لا اكثر! ويقف وراء ذلك اكثر من عامل..

صحيح ان الصهاينة لن يطمئنوا لبلد ‏هويته المعلنة اسلامية من امتلاك الطاقة النووية ، لكن (اسرائيل) ومن علاقات التعاون الوثيقة مع الفرس ‏وفي حقب تاريخية مختلفة اضافة الى تأكيدات المسؤوليين الايرانيين الحاليين من ان البرنامج النووي لن ‏يهدد (اسرئيل)، وهذا ما اكده اكثر من مسؤول ايراني ومن بينهم رئيس مجلس الشورى ‏الايراني (علي لاريجاني) الذي قال في اكثر من مناسبة "..ايران لا تعادي اسرائيل وان المفاعلات النووية لا تشكل تهديدا ‏للامن الاسرائيلي"! وهذا ما يقوله الصهاينة ايضا، اذ قال وزير خارجية الكيان الصهيوني ‏الاسبق ديفيد ليفي في تصريح له في حزيران  1997"اسرائيل لم تقل، يوما، ان ايران هي العدو"! ولخص احد ‏كبار الصهاينة وقبيل انعقاد جولة مباحثات بغداد التي عقدت في مايس/ ايار 2012 ذلك بقوله "..ان ‏اسرائيل لم ولن تكون عدوا لايران، طالما ان السلاح النووي الايراني سيوجه للعرب"!! وهذا ينسجم ‏تماما وسياسة ملالي ايران تجاه العرب حيث العداء والحقد والاطماع التوسعية وهوسها المحموم في ‏مشروعها الطائفي (الهلال الشيعي) وتحقيق حلم (امبراطورية فارس الكبرى)! وادلتها امثلة كثيرة ‏ابرزها ما يحصل على الساحة العراقية منذ الاحتلال عام 2003 وحتى يومنا هذا .                          ‏‏                               ‏

رابعا: الظروف الحالية التي تمر بها ايران بعد الانخفاض السريع في اسعار النفط والذي لا يوجد ما يؤشر ‏توقفه بل انه، حسب التوقعات، قد يستمر الى مادون الـ 30 دولارا للبرميل! والذي وضع الاقتصاد ‏الايراني وكل مشاريع وطموحات على حافة الهاوية مما اخرج الرئيس الايراني حسن روحاني عن ‏هدوئه المعهود بتصريحه في 13 / 1 وبنبرة تهديدية ".. ايران بدأت تتألم وتتأثر وصبرنا قد نفذ" ‏معتبرا "قرار تخفيض اسعار النفط مقصود وموجّه ضد ايران بالاشارة الى السعودية والكويت ‏لوقوفهما خلف القرار" هذا الوضع ادى ذلك الى تقليص العوائد بنحو 60% والى تدهور العملة ‏الايرانية التي فقدت ثلثي قيمتها ومازال التدهور مستمرا، يقبل  الايرانيون، خوفا، على ابدال عملتهم ‏‏(التومان اوالريال) بالدولار وحتى بالدينار العراقي! والى امتداد اثاره لتجارة المواد الغذائية والادوية ‏والى اسعار السلع عموما ومستويات التضخم وحركة رؤوس الاموال والاستثمار.

ومما زاد الطين بلة، ‏تزامن هذا الانخفاض مع تفاقم تأثير العقوبات الاقتصادية الدولية على قطاعي المال والطاقة المطبقة منذ ‏ما يقرب العامين والتي تم التعامل معها، في البدء، بالاعتماد على اموال العراق وما تبيعه من النفط ‏المسروق من ابار عراقية حدودية!

لقد فقدت ايران هذه الورقة اذ ان العراق بسلطته المعروفة بفسادها ‏هي اكثر من سيعاني من انخفاض اسعار النفط لاسيما وان بغداد لم تخف ان لديها عجزا في الموازنة ، ‏وكذا الحال بالنسبة للحليف الروسي المتأثر بانخفاض اسعار النفط وبالعقوبات الاقتصدية المفروضة عليه‏، فالعقوبات وانخفاض اسعار النفط اثرّ على جميع القطاعات الاقتصادية وعلى الوضع العام، وضرب في ‏الصميم قدرة ايران على تمويل اجنداتها السياسية ومشروعها الطائفي التوسعي في المنطقة والتكاليف ‏الباهضة لترسانتها الحربية وصناعاتها العسكرية، وهذا ما سيضعف اوراقها القوية بإمساكها ملفات ‏العراق والوضع في سوريا ووجودها في اكثر من بلد عربي اخر، ودورها المساند والمشارك لاميركا في ‏حربها على "ارهاب داعش"، والاخطر في كل ذلك، وهو ما تخشاه سلطة الملالي في طهران، انعكاسات ‏هذا التدهور الاقتصادي على الوضع الداخلي المحتقن والذي يهدد بانفجار الغضب الشعبي لتدهور الوضع ‏المعاشي وتضاعف معدلات البطالة والكساد وبما سيؤدي، رغم كل سياسة الاعتقالات والاعدامات والقمع ‏الوحشية، الى رجحان كفة الاصلاحييين على المحافظين.                                                      ‏خامسا: الوضع الاقتصادي المتردي، والذي اذا ما استمر سيؤدي الى انحسار الدور الايراني في ‏المنطقة والى هزيمة للاجندة السياسية الايرانية ومشاريع الملالي الطائفية التوسعية .. فهل سيؤثر ذلك ‏على الموقف الايراني في محادثات جنيف النووية ؟

ايران من خلال هذا الحراك للوفد الايراني المفاوض ‏وتلك اللقاءات المكثفة مع وزراء خارجية مجموعة  5 + 1 وبالذات مع وزيرخارجية فرنسا، الدولة ‏الاكثر تشددا في المجموعة، اضافة الى وزيري الخارجية الاميركي والالماني..فان طهران، وبـ (سياسة ‏روزخونية ملساء ناعمة) في الوقت الذي تطمح فيه كسب فترة زمنية اخرى علها تحقق فيها مبتغاها، ‏فانها تدرك ان هذه الجولة حاسمة وانها في وضع لاتحسد عليه ، وجل مسعاها هو..التقليل من التشدد ‏الغربي ضد برنامجها وبما يحقق لها الحد الادنى من سياستها في هذا الملف ملوّحة ومساومة بما لديها ‏من اوراق تخدم بها مصالح هذه الدول، وسعيها ينصب في اتفاق يستبعد المساس بما حققته في ‏برنامجها في الوقت الراهن متشبثة بحقها في مشروع نووي مدني "الذرة من اجل السلام" مع رفع ‏العقوبات الاقتصادية، التي قصمت ظهرها، مراهنة على لين الموقف الاميركي وتفاهمها وتعاونها مع ‏واشنطن في ملفات اخرى وابرزها ملف العراق، لاسيما وان الظرف الحالي لصالح الموقف الدولي وهذا ‏ما تعكسه التصريحات المتصاعدة لحسم هذا الموضوع واحدثها قول الرئيس (اوباما) في مؤتمره ‏الصحفي المشترك مع (ديفيد كاميرون) رئيس الوزراء البريطاني مساء اليوم 16 /1 من انه "لن ‏يسمح لايران بامتلاك السلاح النووي، لان امتلاكها هذا السلاح يعني قيام حرب نووية!" وفي هذا دفع ‏لايران لابداء المرونة واعطاء تنازلات للتوصل الى الاتفاق النهائي.. وهذا ما متوقع وفقا لكل العوامل ‏والمعطيات ولكن يبقى ان ايران لن تتوقف في مساعيها لامتلاك السلاح النووي لتحقيق اجندتها في ‏اقامة هلالها الطائفي وامبراطوريتها الفارسية الكبرى!         

                                                ‏‏                     ‏

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :136,049,847

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"