ألم ترتووا دماً؟

حسن مدن

الناصرية التي تخضبت شوارعها قبل يومين بدماء العشرات من شبانها الأبطال الذين قتلهم الرصاص الحي بأيدي القتلة من عناصر الأجهزة والميليشيات المذهبية هي نفسها الأرض التي عرفها التاريخ باسم أور، عاصمة المملكة السومرية، هي نفسها المدينة التي عرفت أولى الحضارات التي يعود تاريخها إلى نحو سبعة آلاف سنة قبل الميلاد.

تقول المصادر إن قبر النبي إبراهيم عليه السلام يقع فيها، ولا يمكن معرفة تاريخ العراق العظيم الموغل في القدم والعراقة والحضارة دون الوقوف عند دور المدينة ومكانتها في الحضارات الأكادية والبابلية الآشورية.
الناصرية أيضاً مدينة الشعر والغناء والفن. إليها ينتسب عدد مهم من وجوه العراق الأدبية والغنائية التي ذاع صيتها لا داخل العراق وحده، وإنما في العالم العربي كله. من منا لا يعرف أسماء الفنانين، حضيري أبو عزيز وناصر حكيم وداخل حسن وستار جبار وجبار ونيسة وحسين نعمة وطالب القرة غولي، والشعراء زامل سعيد فتاح وكاظم الركابي وعريان السيد خلف وكاظم إسماعيل الكاطع والفنانة سناء عبد الرحمن والفنانة أمل طه.
كل هؤلاء أبناء الناصرية. أتوا منها لتطوف أصواتهم وأشعارهم سماء العراق وأرضها. يوم كان العراق في ذروة تألقه، يصنع بأدمغة وأفئدة أبنائه وبناته حداثته، الموؤدة لاحقاً للأسف، على أيدي الطغاة بألوانهم ومسمياتهم المختلفة، سواء جاءت على شكل ألقاب ورتب عسكرية منحوها لأنفسهم، أو على شكل عمائم تخفي تحتها رؤوس جاهلة لذوات مريضة بالجشع والتنمر على مجتمع ليسوا أهلاً لأن يحكموه.
ألم ترتووا دماً؟
سؤال برسم الأجهزة والميليشيات المذهبية التي تتمادى بوحشية في قتل الشبان العراقيين، الفقراء والمقهورين، الذين دفعهم الغضب مما هي عليه من بؤس في بلد من أغنى البلدان، إلى الشوارع مطالبين بحقوقهم وبتنحي رموز الفساد والطغيان، الذين راكموا بالطرق الحرام الثروات الهائلة، حيث نهبوا المال العام وكدّسوه في حساباتهم داخل العراق وخارجه، وأعادوا البلاد عقوداً إلى الوراء.
ألم تروِ الدماء الغالية التي سالت على أرض العراق المنكوب بكم جشعكم للدم والقتل؟، كم من الدماء تريدونها أن تضاف إلى الدماء المسالة في شوارع البلد المنتفض عليكم، على فسادكم وطغيانكم واستبدادكم وارتهانكم لإرادة الخارج، يا من حوّلتم العراق إلى ساحة نفوذ لإيران، تتقاسم هي والأميركيون استباحة سيادته ونهب ثرواته؟.

نشر المقال هنا

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :136,059,438

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"