على خلفية التحالف الدولي، شرف المقاومة بين الادعاء والتهرب

مثنى حارث الضاري

اعتدنا أن نرى في كل مفصل مؤثر من مفاصل تأريخ الاحتلال في العراق وتأريخ وريثة مشروعه السياسي (العملية السياسية)، تقتضي الحاجة فيه شد حبال الصراع السياسي، سعياً من (بعضهم) إلى خلط الأوراق والادعاء بما ليس فيهم ولا هو من شأنهم، سالكين في ذلك طريقة المزايدة وناهجين نهج رفع سقوف الخطاب السياسي (الاستهلاكي)، لتحقيق مصالح سياسية خاصة أو درء مفاسد متوقعة، أو محاولة النأي بالنفس عن أمر ما قد يقدح أو يخدش الصورة التي يحاولون إعطاءها عن أنفسهم وأحزابهم وقواهم وميليشياتهم. 

وهذا ما نراه هذه الأيام من تجدد لادعاءات مكذوبة ومكررة حتى الملل عن ادعاء المقاومة، والتغني بأمجاد مختلقة في هذا الصدد، على خلفية الجدل الدائر في الأوساط السياسية والإعلامية منذ مدة وحتى الآن بشأن التحالف (التهافت) الدولي للحرب على ما يدعى (الإرهاب) في العراق وسوريا، حيث تنبري أطراف عديدة من (المشتغلين) بالعملية السياسية، إلى محاولة لبس لباس المقاومة التي تصدوا لها وحاربوها وعملوا على تشويه صورتها بحجة الإرهاب، فمنهم يتدثر بدثار (الوفاء للمقاومة) المنقول عن واقع آخر، في نقل مبتذل يدل على عقم صاحبه المؤكد لعقمه في الحكم طيلة السنوات الثماني الماضية، ومنهم من يتباهى بالتصدي للاحتلال، ويتعاون في الوقت نفسه مع ممثليه الفعليين في الواقع، بل يشارك بقوة في عملية سياسية هي نتاج احتلال واضح وصريح طالما ندد به في أدبياته.
فيما يلجأ آخرون إلى إظهار مشاعر الرفض لأي تحرك أميركي في المنطقة بسبب تعارضه مع مصالح راعي العملية السياسية (البديل) إيران، وتسويق هذه المواقف على أنها مناهضة وممانعة ومقاومة، في عملية خداع لم تنطلِ على كثيرين، مستصحباً بل مجتراً تجربة الاتفاقية الأمنية في عام (2009)، التي أصمت آذاننا بيانات الرفض والاستنكار لها، إلى أن تم التوافق أخيراً على ما يرضي الجارة (إيران) من اشتراطات ومحاذير وتحوطات تتعلق بأمنها القومي وأمن دُماها اللاعبة في العراق، فمررت الاتفاقية التي أذعن لها (سيرك) العملية السياسية: معارضون وموافقون ومبررون ومدافعون عن موقف ايران في وقتها؟ فاكتسبت اسمها اللائق بها بحق (اتفاقية الإذعان). 
ولن يغني عن هؤلاء جميعاً التحجج بالذرائع والضرورات، فقسم منهم تنكّب طريق مناهضة الاحتلال مبكراً ودخل العملية السياسية بحجة تقليل المضار وعدم ترك الساحة للفاسدين، بل عرض عدة مرات تولي الملف الأمني فيها، فيما تحالف بطريقة أو أخرى مع حكومات سامته شرّ تنكيل في مواقف عدة على مدى سنين، كما لن تجدي محاولاتهم المقصودة، لتشتيت الصورة وتعمد الإلهاء وتشتيت الانتباه عن مجريات ما يجري من أحداث وتحالفات إقليمية مكملة للتحالف الدولي تشترك فيها جهات داعمة لهؤلاء وأحزابهم، ويسعى في اتمامها وإكمالها كثير من هؤلاء المشوشين المدعين بدرجة أو أخرى، فكلنا يعلم (بالضرورة) من تصدى للاحتلال وقاومه، ومن جاء معه أو سهّل له المجيء أو استفاد من مجيئه وتعاون معه أو (تعامل) أو رضي بواقعه، وتماهى مع معطياته، وعمل على ترسيخ وجوده وتعزيز مشروعه، بغض النظر عما قيل ويقال وعما يروّج من ادعاءات وما يصنع من بطولات وهمية. 
وقد سجلت أقلام الصحافة والإعلام عامة فضلاً عن الدراسات البحثية العلمية والندوات الأكاديمية المختصة، وقائع ما جرى، وأصبحت مراجع ومصادر ما كتب عن المقاومة العراقية منذ انطلاقتها وحتى الآن، تملأ رفوفاً في المكتبات العامة والمختصة في كثير من بلدان العالم، فضلاً عن المخزون حتى الآن في الأشرطة وأوعية حفظ المعلومات الالكترونية المختلفة من حوارات ولقاءات ومحاضرات وأفلام وثائقية، أما ما وثقته المقاومة بنفسها بواسطة أدبياتها وإصداراتها المقروءة والمسموعة والمرئية فهو كم كبير، وبحاجة إلى استخراج من هذه الوسائل والأوعية المتقدمة إلى عالم التوثيق المقروء.
إن ما تقدم من ادعاءات هي شنشنة نعرفها من هؤلاء وأولئك بين حين وآخر، وهي لن تقوى بأية حال على أن تغير حرفاً واحداً من سطور (تاريخ المقاومة في العراق) ولن تجديهم محاولات خلطها (بالإرهاب) بذريعة ما يجري من أحداث الآن، أو التخوف من خلطها بالإرهاب، وللتأريخ حقائق ووقائع لا يمكن حجبها بغرابيل الكذب المفضوحة، وإن للميدان وقائع صادقة تأبى النسيان وقد صبغت بمدادها ذاكرة العالم، وتكفينا (الفلوجة) مثلاً حياً ومعبراً عن حجم المقاومة العراقية وبلائها وتصديها للمحتل الأميركي في معركتيها في عام (2004)، فضلاً عن آلاف الشهداء، ممن قصرنا جميعاً في الحديث عنهم والتعريف بهم، بل وأسأنا إليهم من حيث نشعر أو لا نشعر، حينما اتخذ بعضنا خيار الهروب من تأريخ المقاومة القريب وكأنها (جرب) معدي، وسلك سبيل جلد أبنائها بسياط النقد الجارح الذي مدعياً النقد الذاتي والتفكير البناء، وإذا به يذهب إلى تخطئة خيار المقاومة فضلاً عن تخطئة مختاريه والقائمين به.
ونقول لمن تقدم ذكرهم جميعاً: إن لله (جنوداً من تأريخ)، وللمقاومة رجالاً وشبابا وأشبالاً مازالوا ينبضون حباً لها ووفاءً حقيقياً (لا ادعاءً) للمقاومة التي أعطت هؤلاء الناقدين (تاريخاً) يفخرون به، ولكنهم للأسف ضعفوا ولانوا عند مفترق طرق المعضلات وضغوط الواقع، وترددوا بين الإقدام والإحجام بحسب متغيرات واقع الميدان: نصراً أو هزيمة، جاعلين من المقاومة وسيلة وأداة سياسية لا منهجا وطريقة لتغيير واقع شاذ، ومفرغين إياها من كل معانيها المؤسسة لشرفها، ومكتفين بها (بندقية) تنتقل من كتف الى كتف بحسب حاجة هذا أو ذاك من السياسيين وخدمة لأهداف جزئية، تقر الواقع وتحاول إلباسه قميص الشرعية الموهومة، في ظل تحالف دولي جديد لا يختلف كثيراً عن التحالف الدولي الذي غزا العراق وشن الحرب عليه عام (2003)، بذريعة الإرهاب وذرائع أخرى، وشهد العالم أجمع في حينها التداعيات الخطيرة للمغامرة الأميركية الهائجة، على المستويات: السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فضلاً عن دمار بلد كامل، وهو ما يسعى التحالف الدولي الجديد لإعادة انتاجه في العراق وسوريا، مع شركاء قدامى وجدد ومدعين قدامى وجدد أيضاً من طينة من ذكرناهم أعلاه.

 

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :135,617,065

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"