لماذا قتلتني؟

محمد سيف الدولة

لم افعل شيئا سوى انني اشتريت بوكيه ورد وذهبت لأضعه على قبر الثائر المجهول في ميدان التحرير، قبر مينا والجندي والشيخ عفت وجيكا وابو ضيف وشيماء وآلاف غيرهم.

أردت أن أطمئن بأن الثورة لم تمت، وأن دماء الشهداء لم تذهب هدرا. أردت أن أسترد بعض الأمل الذى ضاع. أردت أن أعيش ولو للحظة واحدة أجواء أيام الثورة، وأن أبحث عن نسمة باقية من رائحة الميدان الحقيقية، وأن استدعي روح البراءة والتضحية والوحدة والصمود والانتصار، فآخر مرة ذقت فيها طعم النصر كانت في 11 فبراير 2011.

وحين حذرتني أمي من الذهاب خشية من ان يصيبني أي ضرر، وقالت لى: هل رأيت ما حدث لسندس بالأمس، البنت كان عمرها 17 سنة، يعني طفلة، لم تخرج من البيضة بعد، ومع ذلك قتلوها. ارجوك يا حبيبتي، لا تذهبي، حرام عليك أمك، سأموت من القلق حتى تعودي، ارحميني وارحمي قلبي. حينها ضحكت من قلقها، وأخذتها في حضني، وقلت لها يا أمي لا تخشي شيئا و لا تخافي عليَّ، فهم لا يقتلون سوى الإرهابيين، ونحن السلمية تشع من شكلنا.

او  يضربون الاخوان، ونحن اشتراكيون.

أو يضربون من يرفض 30 يونيو، ونحن جزء منها ونؤيدها.

ونحن حزب شرعي، تدعوه الرئاسة في كل اجتماعاتها مع الأحزاب. بل أن رئيس حزبنا الاستاذ عبدالغفار شكر، اختارته الدولة وعينته في منصب نائب رئيس المجلس القومي لحقوق الانسان التابع للحكومة.

أو هم يضربون المظاهرات الكبيرة، ونحن لا تتعدى اعدادنا بضعة أفراد قليلة.

وهم يقلقون من المندسين، وانا كما ترين لا يمكن ان اكون مندسة او خلية نائمة، فأنا كما ترين بنوتة صغيرة غير محجبة، شكلي لا يمكن أن يقلق أو يخيف أحدا. 

كما انهم يعلمون كل شيء قبل ان يحدث، فإجتماعاتنا ومكالمتنا وترتيباتنا كلها معلومة ومرصودة، وملفاتنا كلها عندهم، عارفين كل تفصيلة عنا، ويعلمون جيدا اننا لا نهدد أحدا ولا يمكن أن نمثل خطرا عليهم. ولو كانوا يريدون منعنا، كانوا سيبلغون الاستاذ عبدالغفار. الا ان كانوا يبيتون لنا سوءا، ولكننى أظنهم أذكى من ذلك، فلا تخافي، خير ان شاء الله.

خذي بالك أنت فقط من ابني، وأعدك انى سأعود فورا، مسافة السكة، على رأي السيسي (ههه). سأجرى لأقابل الجماعة لنضع الورد، وارجع لك فورا، كلها نصف ساعة ليس أكثر.

هذا ما قلته لأمي وهذه حكايتي، فكيف تقتلني، وتوجع قلب أمي وأهلي وزوجي وتيتم ابني؟

تعدمني بدون تحقيق ولا محاكمة، وتعدم روح عائلة بأكملها وتقلب حياتها رأسا على عقب، وتزرع داخلها كل هذا الحزن والقهر الذى لن يغادرها ابدا. فهم لن يشعروا أو يروا السعادة والراحة مرة أخرى في حياتهم.

تقتلنا يا رجل؟ طيب كنت تضربنا، تقبض علينا، تحبسنا سنة أو ثلاث، لكن قتل يا ظالم يا مفتري، روح منك لله.

وان كنت تفعل كل هذا معنا ونحن اعضاء في حزب قام بدعمك وتفويضك، فماذا ستفعل مع باقي المتظاهرين غدا في ذكرى الثورة؟ يا خوفي عليكم يا شباب، يا خوفي عليك يا مصر.

آه لو كنت علمت بحقيقتك منذ البداية، كانت أشياء كثيرة قد تغيرت في أفكاري ومواقفي.

وأنت يا أمي، سامحيني، ولا تغضبي مني، لم يخطر على بالي أبدا أن هذا يمكن أن يحدث. ربنا يصبَّرك، والبركة فيك. ووصيتي لك بلال ابني وأسامة زوجي وحبيبي. وأخبريه اننى أحبه وفخورة به وممتنة له. ولن أنس أبدا حمله لي ومحاولته انقاذي، ولن أنس حجم الحزن والأسى والقهر والشعور بالعجز الذى رأيته في عينيه وأنا أموت بين يديه.   

 

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :135,617,197

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"