تجاوز عدد الشهداء والجرحى الذين سقطوا في العراق، منذ ليل الأحد وحتى أمس الأربعاء، الـ160 شخصاً، فيما اعتقلت قوات الأمن أكثر من 80 آخرين، في العاصمة بغداد وعموم المدن العراقية المُلبية لنداء التصعيد، بسبب تجاهل السلطات تنفيذ مطالب المتظاهرين المعتصمين منذ الأول من تشرين الأول/ أكتوبر 2019.
وحسب مفوضية حقوق الإنسان (رسمية تابعة للبرلمان)، فإن عدد الشهداء في صفوف المتظاهرين خلال يومي (الأحد والاثنين الماضيين) بلغ 10 أشخاص، فيما جُرح خلال الفترة ذاتها، 159 شخصاً، بينهم 24 من القوات الأمنية، بالإضافة إلى اعتقال 88 شخصاً. وشملت الاحصائية الرسمية أربع محافظات هي ديالى، والبصرة، وذي قار، وكربلاء، ناهيك عن المدينة الخامسة وهي العاصمة العراقية بغداد. وأمس الأربعاء، أعلن مكتب مفوضية حقوق الإنسان في ديالى، استشهاد متظاهر بعد إصابة بليغة نقل على إثرها إلى المستشفى، ومن ثم توفي هناك. وقالت المفوضية، في بيان إن «مكتب المفوضية العليا لحقوق الإنسان في محافظة ديالى رصد واقع التظاهرات التي انطلقت في مركز المدينة وما رافقها من أحداث». وبينت، أن «فريق المفوضية رصد تظاهر المئات من المحتجين أمام مجلس المحافظة وفي ساحة الفلاحات ومجسر المفرق في مركز المدينة، ورفعوا شعارات تدل على سلمية تظاهراتهم وتطالب بتحسين واقع الخدمات في البلد والإسراع بتشكيل حكومة مستقلة». وأوضحت، أن «تظاهرة أخرى رُصدت قرب جسر المفرق، حيث شهدت قطعاً للطريق العام وحرقاً للإطارات وعمليات تصادم بين المحتجين والقوات الأمنية، التي حاولت تفريق المتظاهرين وفتح الطريق، مما أدى إلى إصابات وحالات اختناق بين المتظاهرين». وأشارت إلى أن «فريق المفوضية رصد تواجداً كثيفاً للقوات الأمنية ومكافحة الشغب في أماكن التظاهرات، إضافة إلى عدم تواجد منظمات المجتمع المدني وفرق الهلال الاحمر وعجلات الدفاع المدني والمفارز الطبية». ميدانياً، استمر المتظاهرون المرابطون عند جسر الطريق السريع (محمد القاسم)، بإغلاق الطريق الحيوي بالاتجاهين، بالإضافة إلى إغلاق ساحة قرطبة أسفل الجسر، وساحة الطيران المحاذية لساحة التحرير من جهة الشرق، وسط استمرار الاشتباكات مع قوات الأمن. وأظهر مقطع فيديو مصور، القوات الأمنية وهي تعتقل إحدى المُسعفات التي تعمل (متطوعة) في إحدى المفارز الطبية المنتشرة خصوصاً في مناطق التماس مع قوات الأمن، على جسر محمد القاسم. وظهر صوت صاحب مقطع الفيديو (المصور بكاميرا الهاتف)، وهو يطلب من قوات مكافحة الشغب إطلاق سراح الفتاة، بالإضافة إلى ظهور مجموعة من الشباب الممعتصم وهم ينظّمون للمطلب ذاته، لكن من دون جدوى. وفي محافظة ذي قار، جنوباً، استمر المعتصمون بقطع الطريق السريع الدولي لليوم الثالث على التوالي، وكذلك الحال بالنسبة للمتظاهرين في محافظة الديوانية الذين أغلقوا الطريق الدولي أيضاً. وتقول مصادر صحافية، إن أعداد السرادق المقامة على الطريق في ذي قار، ارتفع إلى الضعف، إذ تجاوز عدد الخيام الـ23 خيمة كبيرة وصغيرة، لإيواء المعتصمين، تزامناً مع موجة الأمطار والبرد الشديد، فضلاً عن تقديم الخدمات الغذائية والطبية لهم. وأظهرت صور تناقلها ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، رفع علم الأمم المتحدة على بعض الخيام، تطالب بمحاسبة المتسببين بقتل المتظاهرين وتقديم الحكومات المتعاقبة منذ عام 2003 وحتى الآن للعدالة، وتأمين حماية المظاهرات الاحتجاجية.
ودعا المعتصمون في لافتاتهم الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي إلى التدخل بتشكيل حكومة مؤقتة والإشراف على إجراء انتخابات نزيهة لضمان تحقيق مطالب المظاهرات الشعبية. وعلى بعد نحو 250 كم إلى الجنوب من ذي قار، أقدم متظاهرو محافظة البصرة الغنيّة بالنفط، على قطع الطريق الرابط خور الزبير وأم قصر، المنطقة التي تشهد موانئ العراق الوحيدة، لعدّة ساعات، قبل أن يتم فتحها على يد قوات الأمن. وفي مركز المدينة، شيع المئات من المتظاهرين، أمس، المسعفة (أم جنات) التي اغتيلت مساء الإثنين على يد مجموعة مسلحة أطلقت النار عليها عندما كانت برفقة متظاهرين أصيب 8 منهم في الحادث. واستنكر المشيعون هذا الاغتيال فيما اشاروا إلى أن الضحية كانت قد تواجدت معهم منذ شهر تشرين الأول/ أكتوبر في ساحة الاعتصام مطالبين بالكشف عن الجناة. وقد وصل التشييع من ساحة الاعتصام إلى تقاطع التجاري وسط البصرة. وكان مجهولون يستقلون مركبة مجهولة النوع واللوحات قد فتحوا النار مساء الإثنين قرب تقاطع التجاري على عدد من المتظاهرين من سلاح رشاش، واتجهوا إلى جهة غير معلومة، حسب موقع «المربد» البصري. وأعلنت قيادة عمليات البصرة أمس الاربعاء، نشر واستنفار جميع القطعات والوحدات العاملة بأمر القيادة ضمن قاطع المسؤولية، وذلك لتأمين الحماية للمنشآت الحيوية والبنى التحتية بعد الأحداث الأخيرة التي شهدتها المحافظة. ودعا قائد العمليات الفريق الركن قاسم جاسم نزال في بيان صحافي، إن «القوات الأمنية كانت ومازالت حريصة على أمن البصرة واستقرارها بالتعاون مع أبنائها»، مبيناً أن «الغاية من الانتشار الأمني هو لفرض القانون وهيبة الدولة ومطاردة المطلوبين والمندسين». وشدد نزال، حسب البيان على «عدم السماح بالتجاوز على المدينة والأهالي من أي جهة كانت»، لافتاً إلى أن «القوات الأمنية مطالبة من قبل المواطن البصري بمسك الأرض وتأمين الأماكن العامة واستقرار الوضع الأمني والحفاظ على حياة المواطنين واستمرار الحركة التجارية والتربوية والإدارية لمؤسسات الدولة». في السياق ذاته، كشف مدير مكتب حقوق الإنسان في البصرة مهدي التميمي، أن عدد المعتقلين وصل إلى 24 شخصا، فيما أشار إلى تلقي المكتب وعوداً بالإفراج عنهم خلال الساعات المقبلة. وبعد ساعات، أعلن التميمي إطلاق سراح جميع المعتقلين من المتظاهرين في البصرة. واستمراراً لتصعيد الحراك الشعبي، أغلق متظاهرون في محافظة النجف الطريق الدولي الرابط بين محافظتي النجف وكربلاء، فيما أغلق المتظاهرون الطريق الرابط بين محافظتي واسط والعاصمة بالحواجز الترابية. وبالتوازي مع تصاعد حدّة المظاهرات، لا تزال عمليات اختطاف الناشطين والمشاركين في المظاهرات والداعمين لها، مستمرة. وطالب النائب هوشيار عبدالله، أمس، الجهات الأمنية بالكشف عن مصير الناشط المتظاهر مخلد عواد فوراً، محملاً حكومة تصريف الأعمال والجهات الأمنية المسؤولية عن سلامته. وقال عبد الله، في بيان صحافي، إن «الناشط المتظاهر في ساحة التحرير وساحات الاعتصامات في بقية المحافظات مخلد عواد (من سكنة الحمزة الشرقي في محافظة الديوانية) اختفى في الساعة السابعة من مساء الأحد الماضي، أثناء توجهه من بغداد إلى الناصرية للمشاركة في المظاهرات السلمية، وفقد الاتصال به قرب سيطرة البطحاء (عند حدود ذي قار)». وأضاف أن «ذويه راجعوا مراكز الشرطة والمستشفيات وبحثوا عنه ولم يعرفوا أي شيء عن مصيره حتى الآن»، لافتاً إلى أن «في الوقت الذي نطالب فيه الجهات الأمنية بالكشف عن مصيره فيما لو كان معتقلا، نحمَل حكومة تصريف الأعمال والجهات الأمنية المسؤولية عن سلامته، ونطالب بإطلاق سراحه فوراً «. في المقابل، دان السفير البريطاني في بغداد، ستيفن هيكي أمس الأربعاء، استخدام «القوة المميتة المفرطة» تجاه المتظاهرين، داعيا إلى ضبط النفس واجراء تحقيقات موثوقة في استشهاد «600 متظاهر» حتى الآن. وقال في «تغريدة» له عبر موقع «تويتر»، «ندين قتل وجرح المزيد من المتظاهرين»، مضيفاً: «لا شك أنه على المحتجين المحافظة على سلميتهم، لكن ليس هناك ما يبرر استخدام القوة المميتة المفرطة». واشار إلى «قتل أكثر من 600 متظاهر لغاية الآن»، مشددا على أن «هناك حاجة ماسة إلى ضبط النفس واجراء تحقيقات موثوقة»، كما دعا إلى «الاستجابة العملية لمطالب المتظاهرين لتحقيق الاصلاح».