الاعتداء على صحيفة “شارلي إيبدو” الفرنسية في باريس منح الحاقدين على الإسلام والمسلمين فرصة ثمينة ليتقيئوا حقدهم الدفين ويخرجوا كل ما بداخلهم من العفن والقاذورات بذريعة التضامن مع هذه الصحيفة المستفزة والدفاع عن حرية الرأي والتعبير، وتحت شعار “كلنا شارلي”.
صحيفة “شارلي إيبدو” في أول أعدادها بعد الهجوم الذي أودى بحياة عدد من صحفييها، أصرت على مواصلة استفزازاتها المشينة ونشرت رسوما مسيئة إلى نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم، وترجم هذا العدد الجديد إلى عدة لغات ليوزَّع منه 3 ملايين نسخة في بلدان مختلفة. وتولت صحيفة “جمهوريت” التركية هذه المهمة القذرة في تركيا ونشرت، الأربعاء الماضي، صفحات من الصحيفة الفرنسية باللغة التركية.
مهما زعمت صحيفة “جمهوريت” أنها نشرت تلك الصفحات دفاعا عن حرية التعبير، فإننا نعرف جيدا أن هذا غير صحيح على الإطلاق، لأن هذه الصحيفة اليسارية الأتاتوركية التي تحمل سجلا أسود مليئا بالعنصرية والكراهية لا ترى – على سبيل المثال – نشر أي كاريكاتير يسيء إلى أتاتورك ضمن حرية التعبير، بالإضافة إلى ذلك أنها طردت رساما عمل فيها لمدة 30 عاما لمجرد أنه دافع في حوار أجرته معه إحدى الصحف عن حق المحجبات في التعليم!
الكاتبة “جيدا كاران” نشرت في عمودها بصحيفة “جمهوريت” غلاف الصحيفة الفرنسية المسيء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، في تحدٍ صارخ لأغلبية الشعب التركي المسلم، وربما انتقاما من الإسلاميين الذين يؤيدون ثورة الشعب السوري، لأن هذه الكاتبة منذ اندلاع الثورة في سوريا تبذل كل ما بوسعها من أجل الدفاع عن بشار الأسد وشبيحته وتشويه الثورة والثوار والمعارضين السوريين.
ليس غريبا أن تنشر صحيفة “جمهوريت” صفحات من صحيفة “شارلي إيبدو” الفرنسية وليس غريبا أيضا أن تنشر كاتبة كرست قلمها للدفاع عن النظام السوري رسما كاريكاتيريا مسيئا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن الغريب أن يتضامن كتاب منتمون إلى جماعة غولن وصحيفة “زمان” التابعة للجماعة مع صحيفة “شارلي إيبدو” وصحيفة “جمهوريت” وتلك الكاتبة في الدفاع عن حرية الإساءة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
بعد أحداث باريس الأخيرة، أصدرت صحيفة “زمان” التابعة لجماعة غولن نسختها الفرنسية باللون الأسود تضامنا مع صحيفة “شارلي إيبدو”، كما نشرت وسائل الإعلام التابعة للجماعة تقارير تدافع عن صحيفة “شارلي إيبدو” الفرنسية وصحيفة “جمهوريت” التركية بحجة أن نشر الرسوم الكاريكاتيرية المسيئة إلى النبي صلى الله عليه وسلم يدخل ضمن حرية التعبير. وعبَّر الكاتب “إحسان يلماز”، أحد أبرز أقلام الجماعة، في حسابه بموقع التواصل الاجتماعي “تويتر” عن تضامنه مع صحيفة “جمهوريت” والكاتبة “جيدا كاران” قائلا “نحن معكم”.
لا علاقة لتضامن جماعة غولن وكتابها مع صحيفة “شارلي إيبدو” الفرنسية وصحيفة “جمهوريت” التركية بحرية الرأي والتعبير أو حرية الصحافة، لأن الجماعة رفعت مئات الدعاوى القضائية ضد عشرات الكتاب والإعلاميين بسبب انتقاداتهم للجماعة أو زعيمها فتح الله غولن. والأغرب من ذلك، أن صحيفة “زمان” التي تقف اليوم إلى جانب صحيفة “شارلي إيبدو” الفرنسية وصحيفة”جمهوريت” التركية في إساءتهما للنبي صلى الله غليه وسلم ومشاعر المسلمين، هي نفسها انتقدت قبل سنتين صحيفة “شارلي إيبدو” الفرنسية بسبب نشرها رسوما مسيئة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ووصفت آنذاك ما قامت به تلك الصحيفة بـ”التحريض” و”الاستفزاز”.
ما دفع جماعة غولن إلى السكوت على الإساءة إلى النبي صلى الله عليه وسلم بل والتضامن مع من يقومون بهذه الإساءة، معارضتها لرئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان والحكومة التركية، لأن الجماعة في النقطة التي وصلت إليها اليوم بعد تحولها المثير للغاية، مستعدة للتعاون مع أي شخص أو جهة أو دولة بشرط واحد: أن يكون معاديا لأردوغان وداود أوغلو وحزب العدالة والتنمية.
ومع ذلك، لم يكن متوقعا من جماعة “دينية” أن تصفق للإساءة إلى نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم، في الوقت الذي ترفض فيه وسائل إعلام غربية، مثل تلفزيون كندا الرسمي، نشر رسوم “شارلي إيبدو” الاستفزازية، احتراما للإسلام والمسلمين، ويرفض فيه بابا الفاتيكان نشر تلك الرسوم المسيئة للإسلام والمسلمين، مؤكدا أن “حرية التعبير لها حدود”.