في الذكرى الأليمة 17 لغزو العراق، لكي لا ننسى المجرم رقم (1) جورج دبليو بوش

ناجي حرج

في 20/3/2020، انقضت 17 عاماً على غزو العراق من قبل الولايات المتحدّة الأميركيّة وحليفتها الرئيسة المملكة المتحدّة عام 2003. وساهمت في هذا الغزو  دول أخرى، إمّا تطوعاً أو تحت الضغط والترهيب. وقدّ عدّ هذا الغزو أبشع جريمة في العصر الحديث، تمثلّت في تدمير بلدٍ كان يعدّ من أفضل بلدان المنطقة ازدهاراً وتطوراً في مختلف المجالات.

بعد سلسلة من التهديدات الحمقاء، أعلن جورج دبليو بوش، رئيس الولايات المتحدّة الأميركية، ليلة 19 على 20 آذار/ مارس 2003، بدء تلك الحرب العدوانيّة ضدّ العراق.
بدأت الحرب بغزوٍ همجي، لم يبقَ سلاح فتّاك ومدّمر إلاّ واستخدم فيه، دون أدنى مراعاة لقوانين الحرب وما تفرضه من قيودٍ. وأدّت الى إحتلال بلدٍ مستقلّ، هو عضوٌ مؤسس للأمم المتحدّة، وقبل ذلك بآلاف السنين كانت أرض الرافدين، مهد الحضارات الإنسانيّة الكُبرى،  تقدّم للإنسانيّة الإنجاز تلو الإنجاز، من ابتداع الكتابة إلى اختراع الآلة إلى هندسة أنظمة الرّي، إلى وضع أوّل وأهمّ صكٍّ قانوني (شريعة حمورابي) التي فتحت الآفاق فيما بعد لسنّ القوانين والإتفاقيات.
بوش، مجرم الحرب هذا، لم يلتزم بكل ذلك، بل لم يلتزم بميثاق الأمم المتحدّة، الذي طالما تبّجحت بلاده في دورها البارز في إنجازه ومن ثم إقراره 26 حزيران/ يونيو، في المؤتمر الدولي الذي عُقد في مدينة سان فرانسيسكو الامريكيّة عام 1945 حيث تأسست الأمم المتحدّة طبقاً لذلك. كما ضرب، بوش، بعرض الحائط الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي كان أيضاً لمندوبة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة، إليانور روزفلت (السيدة الأولى للولايات المتحدة 1933-1945)، دوراً كبيراً في ظهوره إلى الوجود عندما كانت ترأس في الوقت نفسه لجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدّة عام 1946.
فالميثاق يبدأ بعهدٍ تقطعه الدول الموقّعة بالقول "نحن شعوب الأمم المتحدة وقد آلينا على أنفسنا أن ننقذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب التي في خلال جيل واحد جلبت على الإنسانية مرتين أحزاناً يعجز عنها الوصف"، فأين بوش من هذا العهد؟!
ثم يؤكدّ الميثاق عزم الدول الموّقعة على "أن نأخذ أنفسنا بالتسامح، وأن نعيش معاً في سلامٍ وحسن جوار، وأن نضمّ قوانا كي نحتفظ بالسلم والأمن الدولي". وتضمّنت بنود الميثاق تعهدّات أخرى لضمان الإحترام المتبادل بين الدول، وفضّ المنازعات بالوسائل السلميّة، والإمتناع عن استخدام القوّة أو (مجرد) التهديد بإستخدامها. إذ نصّت الفقرة 4 من المادّة 2 على "يمتنع أعضاء الهيئة جميعاً في علاقاتهم الدولية عن التهديد باستعمال القوة أو استخدامها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأية دولة أو على أي وجه آخر لا يتفق ومقاصد الأمم المتحدة".
نعم خرق بوش كلّ ذلك، وأصرّ هو وأعوانه، وبدعم من مجرم الحرب الآخر توني بلير، على التصعيد، وعلى استخدام القوّة رغم معارضة الدول الأعضاء في المنظومة الدوليّة.
وواصل أثناء الحرب والإحتلال خرق كل قواعد القانون الدولي. كما ارتكب انتهاكات جسيمة للقانون الدولي الإنساني، فقد استهدف المدن الآهلة بالسكّان معرّضاً ملايين المدنيين العراقيين لويلات الحرب. واستهدف في حربه البُنى التحتّية والمستشفيات وغيرها من الأعيان المدنية والآثار.
وواصل انتهاكاته الجسيمة بالقتل العمد للمدنيين، وباستخدام التعذيب والمعاملة اللانسانيّة في السجون، ولم تكن عمليّات التعذيب في سجن أبو غريب إلاّ أمثلة على ممارسة التعذيب في كلّ السجون والمعتقلات.
بوش، الذي كان يتبجح بالديمقراطية، صمّ آذانه عن صرخات الملايين من شعوب الأرض الذين خرجوا رافضين شنّ حربٍ على العراق، بما فيهم مئات الآلاف من المواطنين الأميركيين في واشنطن، سان فرانسيسكو، لوس انجلس ونيويورك وغيرها. وفي لندن خرجت أضخم مظاهرة في تأريخ بريطانيا، زاد عدد المشاركين فيها عن مليون شخص، وشاركت فيها مختلف التجمعات السياسيّة المعارضة لسياسة رئيس الوزراء البريطاني الداعمة للحرب.
وشهدت إسبانيا مظاهرات اُعتبرت هي الأضخم عالمياً، إذ خرج بحدود أربعة ملايين متظاهر ضدّ قرع طبول الحرب، كان من بينهم حوالي مليوني شخص في العاصمة، مدريد، ومليون و300 الف شخص في برشلونة. وشهدت العاصمة الإيطالية، روما، مهرجاناً ضخماً للسلام شارك فيه أكثر من مليون شخص في معارضة لشنّ حرب على العراق.
ادار بوش وجهه لكلّ ذلك، ووجّه ليلة 19 على 20 آذار 2003، آلافاً من صواريخ كروز المدمّرة العابرة للقارات ضدّ العاصمة العراقيّة، بغداد، ومدن العراق الأخرى، فضلاً عن ما ألقته طائرات ستيلث إف 117 المعروفة باسم (الشبح) من حممٍ، في حفلةٍ حربٍ صاخبة أسماها (الصدمة و الترويع) مفتتحاً بها عصر (الديمقراطيّة) القاتلة في العراق.
ولا بدّ من الإشارة هنا أن ما بدأ به بوش عام 2003 كان تتويجاً لعدوانٍ أميركي متواصل لم ينقطع منذ عام 1991. فقد كانت الطائرات الأميركية تُغير على مدن العراق، وبخاصةٍ العاصمة بغداد، باستمرار، وكانت تستهدف المنشآت العسكرية والمدنية. وتزامن ذلك مع أقسى حصارٍ عرفته البشرية بدأ في آب 1990 واستمر  إلى ما بعد الغزو.
لقد أنهكت الولايات المتحدّة العراق في كلّ المجالات، وقوّضت قوته العسكرية والإقتصادية، وأوقفت عجلة التنمية فيه، فجاء الغزو عام 2003 ليتوّج كلّ ذلك بحملةٍ تدمير منظّمة لكل مناحي الحياة فيه. فلم تتوقف الحرب بعد إعلان الغزاة عن توقف العمليات العسكرية (الكُبرى) في الخامس عشر من نيسان/ أبريل 2003، بل جرت عمليات عسكرية، كُبرى أيضاً، ضدّ مدن العراق التي شهدت مقاومة عنيفة للمحتلّين، ومنها مدينة الفلوجة الباسلة التي تعرّضت لتدميرٍ شبه كامل.
وينطبق الأمر على مدن حديثة والقائم والرمادي، وغير ذلك من المدن في محافظات أخرى.
ولكي تستمر عملية التدمير  إلى ما بعد انتهاء العمليات العسكرية الواسعة، فقد فرض المحتلّون نظاماً طائفياً مكوناً من عناصر لا يُعرف عنها سوى مساهماتها في ارتكاب جرائم ضدّ بلدها، سواء من تلك التي كانت مقيمة في إيران أو في الولايات المتحدّة والدول الأوربيّة. ولذلك فقد واصلت تلك العناصر، إلى هذا اليوم، عمليّات القتل والتدمير التي جاء بها مشروع الغزو والإحتلال الأميركي للعراق.
هذا الغزو جريمة كُبرى ضدّ السلام، ولذلك فمهما طال الزمن، فإنّ بوش يظلّ مسؤولاً مباشراً عن هذه الجريمة، ويتحمّل المسؤوليّة عن الإنتهاكات الجسيمة لاتفاقيات جنيف بما ارتكبته قواته من جرائم حربٍ لا تسقط بالتقادم، ويتحمل المسؤوليّة الأولى عن انتهاكاتٍ جسيمة، ممنهجة وواسعة النطاق للقانون الدولي لحقوق الإنسان ضدّ الشعب العراقي من شماله إلى جنوبه، ومن شرقه إلى غربه، يتحملّ المسؤوليّة الأولى عن القتل والتعذيب، وتدمير مدنٍ بأكملها وتشريد سكّانها، وتدمير البنى التحتية. 
كما يتحمّل المسؤوليّة الأولى عن تدمير البيئة في العراق بما استخدمته قوّاته من مواد ملوٍّثة، والقائمة تطول، لكنّها جرائم موثّقة، لن تسقط بالتقادم حتى تحين الفرصة المناسبة لكي يمثل جورج دبليو بوش، أمام محكمة تنصف شعب العراق وتضع آلامه وتضحياته في ميزان العدالة لتصدر حكمها المناسب على هذا المجرم وعلى كلّ من ساعده ونفّذ أوامره.

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :135,626,943

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"