رؤيتنا لهبوط سعر النفط الأميركي

عصام الجلبي

ما حدث يوم أمس كان بامتياز حدثا تأريخيا لم يسبق حدوثه منذ نشأة الصناعة النفطية، ولا يمكن مقارنته بأي مثيل له، وهذا ما حدث.

كانت البداية عندما تمت المباشرة بالتداول في الأسواق الآسيوية، حيث بدأت أسعار النفط الأميركي WTI بالهبوط التدريجي وصولا بعد عدة ساعات الى 10 دولارات للبرميل الواحد بعد أن ابتدأت التعاملات بحدود 18 دولارا.
حيث هبطت نفوط الإشارة المعتمدة عالميا لأغراض تسعير أنواع معينة من النفوط في العالم وخاصة تلك المتجهة الى الأسواق الأميركية. ويمثل نفطا خفيفا (37-42 API )
وبمحتوى كبريتي وشوائب منخفضة وتنتج في ولايات تكساس ولويزيانا وشمال داكوتا) وكان يعتمد سابقا من قبل العراق لتسعير نفوطه المتجهة الى الأميركتين قبل أن يتم استبداله ب
American Sour Crude Index ASCI )).
وهناك نفوط اشارة اخرى مثل برنت (بحر الشمال) ودبي وعمان واورال الروسي وغيرها.
وعندما بوشر بالتداول في سوق نيويورك استمرت الأسعار بالانحدار الشديد ووصلت إلى خمسة دولارات ومن ثم إلى بضع سنتات لغاية غلق الأسواق، حين هبط الى (سالب 37 دولار ) لعقود شهر أيار/ مايو في حين استمرت عقود حزيران/ يونيو وتموز/ يوليو وما بعدها محافظة على مستوياتها مع انخفاض بسيط، علماً أن عقود شهر أيار تنتهي في الساعة 2:30 من عصر هذا اليوم الثلاثاء وتختفي بعدها من الشاشات.
السالب يعني استعداد البائع لأن يسلّم النفط للمشتري بالإضافة الى مبلغ من المال لضمان التخلص من النفط المنتج لعدم توفر مساحة التخزين وتجنب كلف الإيقاف ومن ثم إعادة التشغيل وهي كلف العالية.
ولتفسير ما حدث يجب الإشارة الى ما يلي:
1- الحديث هو حصرا عن النفط الأميركي WTI لعقود شهر أيار فقط، وعلى القارئ عدم الإستغراب عندما يرى اليوم أسعاراً موجبة لذلك النفط والذي نعتقد أنه سيتعرض أيضا لإنخفاض تدريجي لبقاء الأسباب الموجبة ذاتها.
2- ان استهلاك ذلك النفط هو حصرا داخل أميركا ولا يصدّر للخارج، ومنشآت انتاجه مرتبطة بأنابيب وخزانات في مصافي النفط الأميركية.
3- منذ أن بدأت أزمة وباء كورونا ومعدلات الاستهلاك- بدون استثناء - في هبوط مستمر، والذي ازداد بقرارات منع حركة السيارات والطائرات والبواخر وتوقف المصانع وغيرها والتي أدت إلى تراكم المخزونات النفطية لمعدلات قياسية ونفوذ السعات التخزينية على اليابسة وفي الناقلات البحرية والتي ارتفاعت أجورها لمعدلات قياسية غير مسبوقة.
4- وبالرغم مما تقدم إلا أن الدول المنتجة- ومع إشتداد تبعات وباء كورونا- استمرت بالإنتاج بمعدلات عالية وصولاً لطاقات قصوى، بحيث أن الفائض في العرض وصل إلى ما يقرب من 30 مليون برميل يوميا (م ب ي) مع 10 أضعافه في الخزين، ومع تناقص في الطاقات التشغيلية للمصافي لهبوط الطلب على المشتقات.
فشلت أوبك + (13عضو + 10 غير منتمية) في التوصل إلى قرار حول خفض الإنتاج في أوائل شهر آذار/ مارس مما أزاد الطين بلة.
5- بعد جهد جهيد وبضغط أميركي اجتمعت منظومة أوبك + وقررت تخفيص الإنتاج بمقدار 9,7 م ب ي في حين أن المطلوب كان يجب أن يكون بحدود 25 م ب ي . ولم تلتزم دول مجموعة العشرين G20 بأية تخفيضات فعلية.
أضف لذلك، فقد خطأ كبير آخر وهو تأجيل البدء بالتخفيضات لغاية 1/5 في حن أن القرار صدر في 12/4، ويضاف لذلك استمرار حرب الأسعار وقيام المنتجين بدءاً بالسعودية بإعطاء خصومات سعرية وتسهيلات أخرى
معنى ذلك أن قرار أوبك + كان فاشلا، وهو القرار الذي ساهم به العراق وايده يقوة (بيان وزارة النفط قبل أيام) رغم تخفيض حصة العراق بمقدار 1,061 م ب ي وهبوط حجم صادراته الفعلية لما لا يزيد عن 2,5 م ب ي.
وبضوء ما تقدم وبقرب انتهاء أجال عقود شهر أيار وقرب نفاذ السعات الخزنية وقلة الطلب داخل الولايات المتحدة تعرضت الأسعار للهبوط بالشكل الذي رأيناه.
مع التأكيد من جديد بأن ما حدث يشمل عقود النفط الأميركي فقط ولشهر أيار حصرا.. وأغلقت الأسواق كما يلي:
عقود شهر أيار سالب 37 دولاراً للبرميل
عقود شهر حزيران 21 دولاراً للبرميل
عقود شهر تموز 27 دولاراً للبرميل
عقود شهر آب/ أغسطس 29 دولاراً للبرميل.
ونظرا لإستمرار الظروف ذاتها فمن المتوقع جدا أن تجابه أسعار تسليم هذه الأشهر ضغوطاً مماثلة، وربما ليست بتلك الحدة في حالة عودة بعض الأنشطة الإقتصادية على مستوى العالم.
وللاجابة على سؤال آخر:
لماذا لم تتعرض نفوط الإشارة الأخرى مثل برنت ودبي وغيرها يوم أمس لضغوط عالية؟
وللإجابة على هذا السؤال نقول: لم تتعرض هذه النفوط للضغوط لكون ظروفها مختلفة وأسواقها مختلفة، وما زال نشاطها (المتباطئ) قائما.
وإجابة أخرى تهم القارئ والمتعلقة بالنفط العراقي ومدى تأثره نقول:
- ان النفط العراقي للأسواق الأميركية هو بحدود 15% من الصادرات العراقية أي بحدود 450 ألف ب ي ويفترض انخفاضها الشهر القادم ربما إلى حوالي 350 ألف ب ي، وإن تسعيرة النفط العراقي المتجه للأميركتين لا يحتسب على أساس السعر ليوم التحميل وانما يحدد على أساس معدل خمس نشرات لخام (ASCI) مقارب الى WTI بعد 15 يوما من يوم التحميل الفعلي على ظهر الناقلة.
أما مدى تأثر الإيرادات النفطية العراقية المتوقعة بضوء الواقع الحالي للأسواق والأسعار ونتيجة الالتزام بقرار أوبك + فسيكون ذلك كارثيا على العراق وبشكل قد لا يتوقعه الكثيرون، وسيكون العجز في موازنة العراق لعام 2020 يفوق ما حدث منذ تأسيس الدولة العراقية.
وسنتطرق الى ذلك في مجال آخر.
ومما يثير الألم والإستغراب هو عدم قيام السلطات العراقية بأية اجراءات تقشفية و/أو تنظيمية، واستمرار البذخ والتهور في دفع رواتب لغير مستحقيها وتسلم كبار المسؤولين مبالغ ومخصصات عالية وتسلم آخرين لأكثر من راتب، وغير ذلك ولا نقول إلا (حسبنا الله ونعم الوكيل).
وفي الختام أضيف ملاحظتين:
أولاً: إن الأوضاع الحالية هي لمصلحة الدول المستوردة للنفط، وإن أميركا هي الدولة الأولى بالإنتاج وقد زادت صادراتها عن استيراداتها عام 2019 ولأول مرة منذ عام 1952.
ثانياً: إن تدهور الأسعار لما دون ال 30 دولاراً ليس من مصلحة النفط الصخري الأميركي (كما أن كندا تبيع حاليا بعضا من نفطها الرملي بالسالب!)
كما أن ما حدث أمس سيعني تعرض العديد من الشركات الأميركية ومالكي الآبار الصغار لإغلاق منشأتهم وربما اعلان الإفلاس.
آمل أن يكون ما تقدم تفسيراً منطقياً لما حدث وقد يحدث
مع خالص تمنياتي لكم بالشهر الفضيل سائلين الله أن يحمي الإنسانية من هذا الوباء وأن يزيح الغمة عن الشعب العراقي.

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :136,055,829

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"