ريح صفراء تهبّ على إيران وتخرج معمميها من دبلوماسيتهم مع الصين

‬نواف‭ ‬شاذل‭ ‬طاقة‭ ‬

كانت‭ ‬العرب‭ ‬حتى‭ ‬وقت‭ ‬قريب‭ ‬تخشى‭ ‬ما‭ ‬يطلق‭ ‬عليه‭ ‬‮«‬الريح‭ ‬الصفراء‮»‬،‭ ‬وهي‭ ‬ريح‭ ‬قيل‭ ‬إنها‭ ‬تأتي‭ ‬من‭ ‬الصين‭ ‬محملةً‭ ‬بالأوبئة‭ ‬والخراب‭  ‬لقد‭ ‬ظنت‭ ‬الأجيال‭ ‬الحديثة‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬تسمعه‭ ‬حول‭ ‬هذه‭ ‬الريح‭ ‬محض‭ ‬أوهام،‭ ‬أو‭ ‬حكايات‭ ‬من‭ ‬ماض‭ ‬سحيق‭ ‬لا‭ ‬وجود‭ ‬لها،‭ ‬حتى‭ ‬اجتاحت‭ ‬العالم‭ ‬جائحة‭ ‬كورونا‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تجلب‭ ‬معها‭ ‬الموت‭ ‬والخراب‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬صارت‭ ‬تعصف‭ ‬أيضا‭ ‬بالعلاقات‭ ‬بين‭ ‬البلدان‭ ‬وتسممها‭.



فيما‭ ‬كانت‭ ‬الجائحة‭ ‬تجتاح‭ ‬المعمورة،‭ ‬ووسط‭ ‬تبادل‭ ‬للاتهامات‭ ‬بين‭ ‬زعماء‭ ‬العالم‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان‭ ‬حول‭ ‬مصدرها،‭ ‬ألقى‭ ‬الرئيس‭ ‬الإيراني‭ ‬حسن‭ ‬روحاني‭ ‬خطاباً‭ ‬أواخر‭ ‬شهر‭ ‬آذار‭ ‬الماضي،‭ ‬أشاد‭ ‬فيه‭ ‬بأداء‭ ‬حكومته‭ ‬ومعالجتها‭ ‬لتفشي‭ ‬الفيروس‭ ‬في‭ ‬البلاد،‭ ‬مؤكداً‭ ‬أن‭ ‬إجراءات‭ ‬احتواء‭ ‬الجائحة‭ ‬في‭ ‬إيران‭ ‬كانت‭ ‬أكثر‭ ‬فاعلية‭ ‬مقارنة‭ ‬‮«‬بالنموذجين‭ ‬الصيني‭ ‬والأوروبي‮»‬‭. ‬التصريحات‭ ‬الإيرانية‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الصحة‭ ‬وعدمها‭ ‬بشأن‭ ‬مواجهة‭ ‬الجائحة‭ ‬ليست‭ ‬موضوعنا‭ ‬هنا،‭ ‬إذ‭ ‬ليس‭ ‬المسؤولون‭ ‬الايرانيون‭ ‬وحدهم‭ ‬مَن‭ ‬يحاول‭ ‬تحميل‭ ‬الآخرين‭ ‬مسؤولية‭ ‬التقصير‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬جائحة‭ ‬كورونا‭. ‬

إنّ‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬المراقب‭ ‬من‭ ‬كلام‭ ‬روحاني‭ ‬هو‭ ‬انتقاده‭ ‬العلني‭ ‬للسياسات‭ ‬الصينية،‭ ‬إذ‭ ‬أن‭ ‬المعممين‭ ‬في‭ ‬إيران‭ ‬انتقدوا‭ ‬مراراً‭ ‬السياسات‭ ‬الاوروبية‭ ‬لأسباب‭ ‬معروفة،‭ ‬لكن‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬عنهم‭ ‬انتقادهم‭ ‬العلني‭ ‬للصين،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬وأنّ‭ ‬الكلام‭ ‬صادر‭ ‬عن‭ ‬رئيس‭ ‬جمهورية،‭ ‬وموجّه‭ ‬لسياسات‭ ‬داخلية‭ ‬صينية‭ ‬لا‭ ‬علاقة‭ ‬لإيران‭ ‬بها‭.‬

لم‭ ‬يمض‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬أسبوع‭ ‬على‭ ‬خطاب‭ ‬روحاني،‭ ‬حتى‭ ‬جاءت‭ ‬إشارة‭ ‬أخرى‭ ‬أكثر‭ ‬وضوحا‭ ‬حول‭ ‬الزعل‭ ‬الايراني‭ ‬على‭ ‬الصين،‭ ‬صادرة‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬عن‭ ‬الناطق‭ ‬بلسان‭ ‬وزارة‭ ‬الصحة‭ ‬الإيرانية،‭ ‬كيانوش‭ ‬جاهانبور،‭ ‬الذي‭ ‬قال‭ ‬في‭ ‬مؤتمره‭ ‬الصحفي‭ ‬اليومي،‭ ‬إنّ‭ ‬الصين‭ ‬اعطت‭ ‬انطباعا‭ ‬كاذبا‭ ‬بأنّ‭ ‬فيروس‭ ‬كورونا‭ ‬كان‭ ‬مجرد‭ ‬انفلونزا‭ ‬لكن‭ ‬مع‭ ‬عدد‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬الوفيات،‭ ‬واصفا‭ ‬ما‭ ‬قاله‭ ‬الصينيون‭ ‬بالـ‮»‬مزحة‮»‬‭. ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬كلمات‭ ‬جاهانبور‭ ‬زلة‭ ‬لسان،‭ ‬فقد‭ ‬عاد‭ ‬الرجل‭ ‬ونشر‭ ‬تعليقه‭ ‬في‭ ‬تغريدة‭ ‬على‭ ‬موقع‭ ‬تويتر،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬دفع‭ ‬سفير‭ ‬الصين‭ ‬في‭ ‬إيران‭ ‬إلى‭ ‬رد‭ ‬غاضب‭ ‬جاء‭ ‬فيه‭ ‬‮«‬اقترح‭ ‬عليك‭ ‬أن‭ ‬تقرأ‭ ‬أخبارهم‭ ‬‭(‬أي‭ ‬أخبار‭ ‬وزارة‭ ‬الصحة‭ ‬الصينية‭)‬‭ ‬بعناية‭ ‬كبيرة‭ ‬للوصول‭ ‬إلى‭ ‬الاستنتاجات‮»‬‭. ‬

وقبل‭ ‬هذا‭ ‬السجال‭ ‬الإيراني‭ ‬الصيني،‭ ‬برز‭ ‬حدث‭ ‬لم‭ ‬تهتم‭ ‬به‭ ‬كثيرا‭ ‬وسائل‭ ‬الاعلام‭ ‬يتعلق‭ ‬بسابقة‭ ‬تفشي‭ ‬فيروس‭ ‬كورونا‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬قم‭ ‬الإيرانية‭ ‬التي‭ ‬يقدسها‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الايرانيين‭. ‬لم‭ ‬يتردد‭ ‬المعلقون‭ ‬الإيرانيون‭ ‬الذين‭ ‬ظهروا‭ ‬على‭ ‬شاشات‭ ‬بعض‭ ‬الفضائيات‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬الإجابة‭ ‬بكل‭ ‬صراحة‭ ‬عن‭ ‬أسباب‭ ‬تفشي‭ ‬الجائحة‭ ‬في‭ ‬قم‭ ‬بقولهم‭ ‬إن‭ ‬الصينيين‭ ‬كانوا‭ ‬سبب‭ ‬تفشي‭ ‬المرض‭ ‬هناك‭.  ‬بدا‭ ‬واضحا‭ ‬أن‭ ‬الإيرانيين‭ ‬يشعرون‭ ‬بغضب‭ ‬كبير‭ ‬لأن‭ ‬تفشي‭ ‬فيروس‭ ‬كورونا‭ ‬في‭ ‬بلادهم‭ ‬وما‭ ‬الحقه‭ ‬بهم‭ ‬من‭ ‬خسائر‭ ‬بشرية‭ ‬ومادية‭ ‬هائلة‭ ‬كان‭ ‬مصدره‭ ‬الصين،‭ ‬وهو‭ ‬أمر‭ ‬لم‭ ‬يشاؤوا‭ ‬الإعلان‭ ‬عنه‭ ‬صراحة،‭ ‬نظراً‭ ‬للعلاقات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والسياسية‭ ‬المتينة‭ ‬بين‭ ‬البلدين،‭ ‬من‭ ‬جهة،‭ ‬وبسبب‭ ‬الحرج‭ ‬الذي‭ ‬اوقعهم‭ ‬فيه‭ ‬تفشي‭ ‬الجائحة‭ ‬بحد‭ ‬ذاتها‭ ‬في‭ ‬قم‭ ‬المقدسة‭ ‬؛‭ ‬فرجال‭ ‬الدين‭ ‬هناك‭ ‬دأبوا‭ ‬على‭ ‬التثقيف‭ ‬المكثف‭ ‬على‭ ‬إنّ‭ ‬قُم‭ ‬‮«‬مأمونة‭ ‬من‭ ‬البلاء‮»‬،‭ ‬لكن‭ ‬الجائحة‭ ‬فاجأتهم‭ ‬وعرّت‭ ‬ذلك‭ ‬ودحضته‭ ‬علناً‭ ‬مما‭ ‬تسبب‭ ‬في‭ ‬حرج‭ ‬كبير‭ ‬ربما‭ ‬له‭ ‬اثار‭ ‬عقائدية‭.  ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬قررت‭ ‬فيه‭ ‬إيران‭ ‬اعتباراً‭ ‬من‭ ‬منتصف‭ ‬شهر‭ ‬نيسان‭ ‬الجاري‭ ‬عودة‭ ‬الحياة‭ ‬إلى‭ ‬طبيعتها،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬التراجع‭ ‬النسبي‭ ‬للجائحة،‭ ‬وأعادت‭ ‬إيران‭ ‬الإثنين‭ ‬فتح‭ ‬مساجد‭ ‬في‭ ‬أجزاء‭ ‬من‭ ‬البلاد‭ ‬اعتبرت‭ ‬منخفضة‭ ‬المخاطر‭ ‬على‭ ‬صعيد‭ ‬انتشار‭ ‬فيروس‭ ‬كورونا‭ ‬المستجد‭ ‬وقالت‭ ‬إن‭ ‬قرابة‭ ‬80‭ ‬ألف‭ ‬شخص‭ ‬أصيبوا‭ ‬بالمرض‭ ‬قد‭ ‬تعافوا‭ ‬وخرجوا‭ ‬من‭ ‬المستشفيات‭ ‬بعد‭ ‬تلقيهم‭ ‬العلاج‭. ‬لكن‭ ‬مدينة‭ ‬قم‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬بعيدة‭ ‬عن‭ ‬تحقيق‭ ‬التقدم‭ ‬المطلوب‭. ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الاثناء،‭ ‬نُقل‭ ‬مؤخرا‭ ‬عن‭ ‬وزير‭ ‬الصحة‭ ‬الايراني‭ ‬سعيد‭ ‬ناماكي‭ ‬قوله‭ ‬‮«‬كأننا‭ ‬في‭ ‬لعبة‭ ‬شطرنج‭ ‬مع‭ ‬فيروس‭ ‬كورونا‮»‬،‭ ‬بينما‭ ‬أكدت‭ ‬آخر‭ ‬الإحصاءات‭ ‬إن‭ ‬ثلاث‭ ‬محافظات‭ ‬الإيرانية،‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬مدينة‭ ‬قُم‭ ‬،‭ ‬تشهد‭ ‬عودة‭ ‬لتفشي‭ ‬فيروس‭ ‬كورونا‭. ‬إن‭ ‬تفشي‭ ‬المرض‭ ‬في‭ ‬إيران،‭ ‬وفي‭ ‬مدينة‭ ‬قم‭ ‬بشكل‭ ‬خاص،‭ ‬يخفي‭ ‬جوانب‭ ‬أكثر‭ ‬تعقيدا‭ ‬في‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬ايران‭ ‬والصين،‭ ‬إذ‭ ‬تؤكد‭ ‬مختلف‭ ‬المصادر‭ ‬أن‭ ‬700‭ ‬مواطن‭ ‬صيني‭ ‬كانوا‭ ‬يدرسون‭ ‬في‭ ‬الحوزات‭ ‬والمدارس‭ ‬الدينية‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬قم‭ ‬هم‭ ‬سبب‭ ‬تفشي‭ ‬فيروس‭ ‬كورونا،‭ ‬وأن‭ ‬إيران‭ ‬طلبت‭ ‬من‭ ‬الصين‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬لاحق‭ ‬سحبهم‭ ‬جميعا‭ ‬من‭ ‬البلاد،‭ ‬وكان‭ ‬لها‭ ‬ما‭ ‬ارادت‭. ‬هنا‭ ‬يبرز‭ ‬سؤال‭ ‬محير‭ :‬ ‬من‭ ‬هم‭ ‬هؤلاء‭ ‬الطلبة؟‭ ‬هل‭ ‬كانوا‭ ‬حقاً‭ ‬مسلمين؟‭ ‬وإذا‭ ‬لم‭ ‬يكونوا‭ ‬مسلمين،‭ ‬فماذا‭ ‬كانوا‭ ‬يصنعون‭ ‬في‭ ‬حوزة‭ ‬قم؟‭ ‬هل‭ ‬يعقل‭ ‬أن‭ ‬قيادة‭ ‬الحزب‭ ‬الشيوعي‭ ‬في‭ ‬الصين‭ ‬أوفدت‭ ‬أبناءها‭ ‬إلى‭ ‬حوزة‭ ‬قم‭ ‬لنشر‭ ‬المذهب‭ ‬في‭ ‬الصين؟‭ ‬أم‭ ‬أن‭ ‬أمراً‭ ‬اعمق‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬يطبخ‭ ‬بين‭ ‬البلدين‭ ‬ثم‭ ‬أفسدته‭ ‬الريح‭ ‬الصفراء‭.‬

نشر المقال هنا

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :136,048,372

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"