التاريخ لن يغفر لنا إذا لم نستعد العراق الآن

عبدالرزاق الدليمي

مرّ أكثر من 17 عاما على احتلال العراق والعراقيون يحلمون بالديمقراطية المزعومة ويوعَدون بالنهضة والإصلاح. تنوّعت وتكرّرت الاكاذيب ، والنتيجة شعب خابت آماله وتحطّمت احلامه فالمحتل جلب معه ضباعه كي تستبيح كل شيء ولتحتكر السلطة بلا ضوابط ولا محرّمات هيمنة مطلقة وإقصاء لكل ماهو وطني في مقابل ذلك مورس على العراقيين سياسية الخنوع والخضوع تحت مظلة الطائفة والدين المزيف والقومية المشوهه والمناطقية البغيضة.

وتَطَبّع بعض الناس بطباع الوحوش، وارتهن الذين افترقوا على مغانم الفريسة (العراق) الى الخارج، مما وسع من فتح الثغرات وزاد من طمع الاخرين فازدادت المؤامرات، واصبح البلد يدار بسياسة الترقيع والمسكنّات وتدحرج حتى اصبح المثل الذي يضرب بالاستبداد والتبعية والفساد.
ان الخلاف بين اطراف العملية السياسية سيئة الشكل والمحتوى رغم كل محاولات مظاهر الترقيع العصرية الخادعة فأنها في جوهرها تنازع غنائم، وتدافع وابداع لخدمة الاحتلال وهوس بالسلطة والاستعداد للتفريط في المصلحة الوطنية.
سبعة عشر عاما عجاف من القتل والدمار والفساد والعراق يتقدم رجوعا رافقها ضعف مصنع في ذاكرة الشعب وغياب ثقافة التوثيق والتقييم والاعتبار والمحاسبة، فلا أحد يتحمل مسؤولية أخطائه الكارثية ولا يعتذر أو يعتزل، كل سياسيي الاحتلال دربوا على التنصّل من أية مسؤولية وتفننوا في إيجاد المبرّرات والشمّاعات التي يعلقون عليها جرائمهم.
حاول العراقيين والحق يقال الخروج عن طوع المحتل وخدامه منذ التاسع من نيسان 2003 ومارس كل انواع النضال ضدهما ابتداءا من المقاومة المسلحة الشرسة التي كادت ان تنهي وجود الاحتلال وتفشل مشروعه الا ان حجم التآمر عليها الداخلي والخارجي وغياب الدعم ؟؟!!! حجم تأثيرها ومع ذلك استمر الشعب بخوض معاركه بأساليب اخرى من الثورات والانتفاضات وكان آخرها ثورة تشرين المباركة والتي من أكبر حسناتها أنها أسقطت الأقنعة وأزالت الأوهام، وأثبتت أنه لا جدوى من التغيير الفوقي ولا أمل في العملية السياسية الجوفاء ولا في احزابها العميلة المهووسة بالسلطة فالشعب الذي غرر ببعض منه بالشعارات الطائفية، لن تنطلي عليه الترهات والوعود والاكاذيب سيما بعد ان لمس بيده وشاهد بعينه وادرك بعقله لا بعاطفته عقم ألاداء السياسي للنظام الذي فرضه المحتل الامريكي وحلفائه ، وانهى فرضيات كل الاطراف التي لا يزال البعض منها يعلّق آماله على العملية السياسية في تحقيق النهضة والإصلاح وتغير الدستور الملغوم واجراء الانتخابات النزيهه وانهاء مآسي العراقيين التي بدأت منذ الاحتلال.
أن المطلوب في العراق اليوم وليس غدا تغيير شامل ومستدام غايته نهضة الشعب ومن خلاله نهضة الوطن وهذا لن يتحقق على يد هذه الطبقة من السياسيين الغارقين بوحل الفساد والنفعية ولا من خلال المسارات التي اتخذتها حكوماتهم المتعاقبة فالحل يجب ان يكون من خلال البداية الصحيحة الملهمة للثورة الشعبية و من خلال المقاربة العميقة التي تراهن على تغيير السلطة واعادة بناء المجتمع وتصويب قيمه بالاتجاه الاخلاقي السليم وان لا تتحول السلطة إلى غاية تبرر كل وسيلة، وان يكون رهاننا على ما يحدثه المواطن من تغيير لذاته من خلال العمل المستمر على توعيتة وتأطير مساراته وتحفيزه وتفعيل منظوماته الوطنية الصحيحة.
حقيقة انا لا ازال أستبعد أن تتمكن الجهات القابضة على السلطة من تنظّيم الانتخابات االقادمة بدون ان تضمن النتائج لصالحها فلا تزال مغريات السلطة اقوى من ان يتحمل عبيدها التفريط بها ، وإذا حصلت المعجزة وتم ابعادهم من قبل الشعب فستستمر لعبتهم في الهيمنة والتعويق إلا أن ينجح ممثلوا الشعب من تغيير النظرة الى السياسة من الصراع على المكاسب الى تنافس لخدمة الشعب ومن هدف للمآرب الفئوية إلى خدمة عامة ومسؤولية يتهيّبها الجميع.
ان قدر الشعب العراقي والمخلصين من النخب أن يبتكروا طريقة في التغيير تستغني عن الزعامات والأحزاب وتستعصي عن الإجهاض والاحتواء والانحراف والاختطاف، تغييرا يبدأ ولكن لا ينتهي بانتزاع الحرية، تغييرا شعبيا سلميا وطنيا حتى النهضة وليس مجرد تغيير أنظمة وحكام وإحداث إصلاحات شكلية.
وهذه ليست امنيات بل تطلعات قابلة للحياة مع شعب حي مثل الشعب العراقي.

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :135,624,212

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"