أحدثت طريقة الحرق الوحشية التي نفذها تنظيم داعش بحق الطيار الاردني ردود أفعال عنيفة في العالم حيث جاءت الادانات من كل صوب وحدب بسبب بشاعة الفعل وابتعاده عن قيم الانسانية النبيلة التي يفترض أن تحملها الديانات السماوية وفي مقدمتها الديانة الاسلامية.
وككل حدث من هذا النوع، تنبري الاقلام لتستغله لتثبيت مواقعها والدفاع عن قيمها السياسية باسم الدين، فترى الأزهر، التابع لمؤسسة الحكم المصرية، يصدر فتاوى يطالب فيه "بتقطيع أوصال" خصومها - ربما يقصدون الإخوان المسلمين - حتى صار هذا التصريح موضع سخرية من قبل وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي التي قالت أنه لا يختلف في جوهره عما فعله تنظيم داعش.
وفي الكيان الصهيوني، ولدى الاصوات المؤيدة له، عادت مجددا أغنية "الاسلام لا ينسجم مع الحداثة" حيث صرت تسمعها ليل نهار مع دعوات غير صادقة للقادة المسلمين لمراجعة أصول الدين.
وفي الوقت الذي يعترف فيه الجميع أن الكثير من الفتاوى التي يطلقها رجال دين مسلمون بأمس الحاجة إلى المراجعة وأن المؤسسات الدينية الاسلامية تحتاج ليس فقط إلى إصلاح بل إلى ثورة، فإن بعض الاصوات لم تكن مهتمة حقيقة باصلاح هذه المؤسسات بقدر ما كانت مهتمة بالتنكيل بالاسلام بوجه عام.
وهكذا، نشبت حرب دعائية على مواقع التواصل الاجتماعي حيث اتضح للمواطن البسيط الواقع تحت وابل من الدعاية السياسية والدعاية المضادة، وبالصور وافلام الفيديو والوثائق، بأن جميع الفرق، المسلمة والمسيحية واليهودية، الشيعية والسنية، بما في ذلك داعش والحشد الشعبي، كانت وما زالت تمارس الحرق ضد خصومها، بل حتى الحرق الجماعي.
غير أن المفاجأة وربما الصدمة التي ما برحت موضع جدل ساخن في مواقع التواصل الاجتماعي الأميركية وصحفها الكبرى هي الكلمة التي ألقاها الرئيس الأميركي باراك أوباما نهاية الاسبوع والتي تحدث فيها عن ثقافة الحرق والجرائم التي ارتكبها الأميركيون باسم الديانة المسيحية خلال القرون الماضية.
لقد عرَّج اوباما في كلمته على الجرائم التي ارتكبت بحق المسلمين أثناء الحروب الصليبية، وعلى الجرائم التي ارتكبت بحق المسلمين في أوروبا بعد سقوط دولة الاندلس (محاكم التفتيش)، ثم اتى في نهاية حديثه على الجرائم التي ارتكبت بحق الأميركيين من أصول أفريقية وجرائم العبودية مطالبا المسيحيين "ألاّ يركبوا أعلى خيلهم.. وأن يتذكروا بأن أفعالا شنيعة ارتكبت باسم المسيح اثناء الحملة الصليبية ومحاكم التفتيش".
لقد دفعت كلمات الرئيس أوباما هذه المرشح الرئاسي المحتمل للحزب الجمهوري الأميركي، جيم غيلمور، إلى القول بأنها "أكثر الكلمات عدوانية التي سمعتها في حياتي على الاطلاق من رئيس أميركي"، فيما وصف كاتب أميركي آخر غاضب من الكلمة الرئيس اوباما قائلا بأنه "ما برح يعتقد أنه استاذ جامعي يلقي كلمة على طلبته في جامعة شيكاغو". إلى ذلك، علق الكاتب الأميركي إي.جاي. ديون في مقال نشرته صحيفة واشنطن بوست بتاريخ 8 شباط الجاري قائلا إن "الكنائس المسيحية في الولايات المتحدة كانت منقسمة على نفسها بشأن العبودية وكانت أكثر انقساما بشأن مسألة الفصل العنصري".
عموما يعترف قلة من الكتاب الأميركيين بأن الجرائم التي شهدتها الولايات المتحدة ضد أقوام عديدة باسم المسيح ومن بينهم الأميركيين من الأصول الأفريقية لم تنته إلاّ في ستينات القرن الماضي، في حين يرى العرب بأن الجرائم التي ترتكبها أميركا بحق المنطقة التي يتكشف في كثير من الأحيان طابعها المسيحي المتعصب لم تتوقف حتى اليوم، والأمثلة عديدة ولا حاجة لنكء الجراح.
إذا ما كان ثمة عبر يجب أن يستخلصها الجميع، بغضِّ النظر عن اصولهم الدينية والقومية، هي أن الديانات سمحة في طبيعتها ومحبة للسلام، ولكنها تكره الظلم وتحاربه، وأن ما يفعله تنظيم داعش هو بالفعل عمل وحشي يستدعي الادانة غير أن الآخرين الذين يقومون بقتل المدنيين الآمنين وهدم ديارهم وحرق قراهم ليسوا سوى الوجه الآخر لداعش!!