في وداع قيصر الحديثي

عبدالواحد الجصاني

إرتفع نجم جديد في سماء العراق والأمة، نجم واصل العطاء بصمت وصدق وشهامة حتى جاء قضاء الله فصعدت روحه الطاهرة الى بارئها وبقيت ذكراه بيننا تفيض بهاءً وتقدم لنا ولإبنائنا دروسا جمّة في حب الاوطان والتضحية من أجلها.

 

أبو مصطفى، قيصر الحديثي لم يكن من رجال الدولة الذين تظهر ابداعاتهم في الإعلام، لكن عمله في الظل لم يقلّ ابداعاً عنهم، إن لم يكن قد فاق بعضهم، وسيرته العطرة وعمله بصمت كموظف في الدولة الوطنية وكمقاوم لإحتلال بلده هو مثال حيّ  لملايين الجنود المجهولين الذين خدموا العراق وشعبه وأرضوا ربهم، ولم ينكصوا يوما، ولم يبحثوا عن منافع مادية أو (خدمة جهادية)، وحاشا لعراقي أصيل وعبد مؤمن أن يطلب ثمنا لقاء خدمة دينه ووطنه.

لا استطيع بسطوري القليلة هذه أن أوفّي هذا الوطني العراقي الأصيل حقه، لكني سأعرض شذرات من سيرته وأخلاقه لتكون جزءاً من سفرنا الخالد ودليلاً لأجيالنا القادمة أن ينهلوا من سيرته العطرة وقيمه النبيلة ووفائه لوطنه وأمته.

عرفت ابا مصطفى في سنين الغربة التي تلت إحتلال العراق، كنا نصارع قوى دولية تكالبت على وطننا ومقدراته ونستنهض همم شعبنا لمقاومة الاحتلال، وكنا نعيش في الغربة عيشة كفاف، وعانى بعضنا من الإنكسار النفسي، إلاّ أبا مصطفى كان كالطود الشامخ في وجه الأعاصير، كان مفعما بالثقة في إنتصار العراق والأمة ، كان كعمر، رضي الله عنه، في صلابته وكعلي، عليه السلام، في شجاعته، كان دائم الابتسام مليئا بالتفاؤل، وعندما تضيق بنا الدنيا نذهب لمجلسه فيعيد شحن بطاريات عزيمتنا بل ويضفي أيضا على لقائنا بهجة وسرورا بخفة دمه وأريحيته.

 لم يكن أبا مصطفى شاعراً ملمّاً بعروض الشعر وقوافيه وببحور الفراهيدي لكن إحتلال بلده حوّله الى شاعر متفجر القريحة، كان يقول إنّ علينا تنويع أدواتنا في مواجهة الاحتلال والشِعرُ أحد أمضى تلك الادوات، فنال بجدارة لقب "شاعر حديثة".

أحيانا نأخذ على أحد أبيات قصيدة له إختلال وزنها فيجيب إن قصائدي هي تعبير عن خلجات صدري وفطرتي، ومتلقو قصائدي من العراقيين والعرب الشرفاء يهتمون برسالتها وصدق أحاسيسها أكثر من اهتمامهم بصنعتها.

أخي أبا مصطفى، إسمح لي ان أقول لك وأنت في ذمة الله ، لقد حزنت حزناً عظيماً على فقدك، كنت أتطلع للقائك في بلد الغربة بعد إنتهاء وباء كورونا، ورحبتَ بنيتي هذه وقلت لي إنك شرعت في كتابة مذكراتك وعرضت أن نراجعها سوية عند اللقاء، لكن إرادة الله كانت أسرع.

ومع حزني على فراقك فإني أغبطك، فقد أخلصت لوطنك فأدركت غاية ما بعد المنية، وهي الذكرى، وأهلك وعشيرك ووطنك سيبقون يذكرون جميل صنيعك لوطنك وأمّتِك، وأغبطك لأنك كنت كنت موقناً أنك ملاقٍ ربك، فعملت ليوم اللقاء، فادعوه تعالى أن يتغمدك برحمة منه وفضل وأن يحشرك مع  الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء.

وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم المرسلين نبينا محمد، صلى الله عليه وسلم.


comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :136,042,620

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"