من أكثر القصص التي تدلُّ على سذاجة مخترعيها ومروّجيها هذه القصة المتكررة حول تواطؤ إيراني مع باراك أوباما وهيلاري كلينتون لإدخال تنظيم "داعش" إلى العراق ، وان داعش صنعتها إدارة أوباما.
والآن يتكرر الزعم بأن ما نشر من رسائل كلينتون الالكترونية يتضمن اعترافات صريحة بذلك . لا أزعم انني قرات حوالي 35 الف رسالة، ولكن ارجو ممن يروج لهذه القصة ان يظهرها لنا كي نستطيع العودة الى موقع الخارجية الامريكية للتأكد منها ، علماً ان اخرين قد تحققوا ، وثبت لهم ان قصة هذه الاعترافات مفبركة على غرار ماتم فبركته سابقاً على لسان كلينتون من قضية الاخوان المسلمين في مصر ، ونسبته الى كتابها " خيارات صعبة " ، وقد كنا قرأناه ولم نجد شيئاً مما قيل . او على غرار مانسب لكاتب خطابات أوباما بين رودس في كتابه " العالم كما هو " وقد قرأناه ايضاً ولم نجد شيئاً مما تمت فبركته.
ينبغي الإشارة هنا الى عدة حقائق: ١- أوباما وهيلاري كلينتون لايديران شركة مرتزقة وداعش احد أذرعها ، بل هما يظلان رئيس ووزيرة خارجية الدولة العظمى في العالم ، وكل ماقاما به هو سياسة مؤسسية ترسمها مستويات متتالية من الپيروقراطيا والخبراء وكبار المستشارين ، ثم توضع الخيارات بشأنها امام الرئيس لاتخاذ القرار النهائي . اما ما يمكن نسبته الى شخص الرئيس او وزير خارجيته مما يجعله مختلفاً أو مميزاً عن نظرائه السابقين واللاحقين فهو عادة مما يقع ضمن الرؤية الحزبية والتيار السياسي الذي ينتسب اليه، مثل تخفيض الضرائب وتضييق نطاق الرعاية الصحية ومعارضة تقييد تجارة الاسلحة الشخصية في الداخل مما ينسب عادة - بين امور اخرى - للجمهوريين، وعكسها او خلافها ينسب للديمقراطيين ، ولكن كلما اتجهت السياسة الى الخارج تقلص الفارق بين الاحزاب ، وهنالك مثل امريكي يقول ان الخلافات الحزبية تنتهي عندما نصل الى مياه المحيط، وبالتالي فإن كان قد حصل تواطؤ امريكي في إدخال "داعش" الى العراق باتفاق مع إيران فهو سياسة دولة ، امر بها اشخاص مسؤولين تصادف وجودهم في سدة المسؤولية ، وليسوا اصحاب مشروعات خاصة بهم او مرتبطة بشخوصهم. ٢- ما يتعلق بالعراق فان أوباما لم يتبنَ سياسة خاصة ، وكانت السياسة التي ورثها عن سلفه جورج بوش الابن، الجمهوري، هي التوصيات الواردة في تقرير بيكر - هاملتون التي شكلت من الحزبين ومن أهمها هو الانسحاب الآمن ومتابعة الالتزام بالاتفاقات الأمنية التي عقدتها ادارة بوش ، علماً ان ادارة أوباما لم تكن تمتلك رفاه تعدد الخيارات لأن البلاد كانت ترزح تحت وطأة واحدة من أكبر الأزمات الاقتصادية في تاريخها . وقصة "داعش" فصّلنا فيها كثيراً وهي تبدأ منذ وقت مبكّر من الاحتلال وفِي سجونه إلى بقية القصة المعروفة ، وماخفي منها هو الاكبر . وقد تشاركت في قصة "داعش" أطراف عديدة ظهرت بعض أدوارها على السطح، ولكن ليس من بين تفاصيل القصة الرواية الساذجة بأن "داعش" هي صناعة حصرية لأوباما وكلينتون ، لأن أيدي الجميع بما في ذلك الخليجيين وإيران ملوثة بقذارتهم. ٣- يجري الحديث عن تواطؤ امريكي خلال عهد أوباما لتسليم العراق لإيران ، وهذا كلام غير دقيق رغم صحته بشكل عام. جرت بين إيران واميركا و (اسرائيل) وبعض دول الخليج العربي، وخاصة السعودية، عمليات تنسيق سبقت الاحتلال وعلى مستويات متعددة ، وبصرف النظر عن التفاصيل فقد كان المتوافق عليه هو ان تكون إيران هي مقاول الهدم الرئيسي بمباركة كل الأطراف المشاركة ، ومن جاء بحثالات عملاء إيران لحكم البلد هم الأميركان في سياسة تواصلت منذ ادارة بوش مروراً بإدارة أوباما انتهاءاً بترمب. برغم كل الخطاب الناري احياناً فإن إيران ترسّخ وجودها في العراق وتنهب ثرواته وتشرد الملايين من ابناءه في المنافي، وقد حدث هذا تحت أنظار جميع الإدارات الأميركية. علينا ان نكفّ عن أن نكون حطباً في الانتخابات الأميركية أو نكون اْبواقاً للترويج لمقولات هذا أو ذاك منهم ... فأهل الكفر ملة واحدة في إيذائنا وتدميرنا.