ان أي معارضة للسيسي وحكومته ونظامه وقراراته هو خيانة تهدم الدولة وتهدد الامن القومي، ومن ليس معه فهو ضد مصر.
ومصير كل المعارضين من كافة التيارات والانتماءات، يجب ان يكون هو الاجتثاث والعزل والسجن والمطاردة.
هذه هي القواعد المطبقة في مصر اليوم، وفي ظلها وتحت حمايتها، يتم تمرير أكثر السياسات والقرارات والقوانين والتحالفات المضادة لأهداف لثورة والمعادية للطبقات الفقيرة وللعدالة الاجتماعية.
***
آخرها كان مشروع قانون الاستثمار الجديد، الذي أتى بعديد من الامتيازات الاضافية لرؤوس الاموال المصرية والأجنبية، ننتقي منها أربعة أمثلة نوردها فيما يلي:
1) حق الاجانب في تملك الاراضى لا فرق في ذلك بين مصري وامريكي واوروبي و(اسرائيلي) ((يكون للشركات والمنشآت الحق في تملك الاراضي والعقارات اللازمة لمباشرة نشاطها او التوسع فيه ايا كانت جنسية الشركاء او المساهمين او محال اقامتهم او نسب مشاركتهم او مساهمتهم في رأسمالها)).
2) تخصيص الاراضى للمستثمرين بالأمر المباشر ((لا تسري على التصرف في الاراضي والعقارات المشار اليها احكام قانون تنظيم المناقصات والمزايدات)).
3) إجازة تخصيص وتوزيع الارض على المستثمرين مجانا ((يجوز لأغراض التنمية دون غيرها وفي المناطق التي يصدر بتحديدها قرار من رئيس الجمهورية بعد موافقة مجلس الوزراء، التصرف بدون مقابل في الاراضي والعقارات المملوكة للدولة ملكية خاصة للمستثمرين الذين تتوافر فيهم الشروط الفنية والمالية المحددة)).
4) حماية الفاسدين من المستثمرين من أي عقوبة ((في الاحوال التي ترتكب فيها الجريمة باسم ولحساب الشخص الاعتباري لا يعاقب المسئول عن الادارة الفعلية)).
***
انها الثورة الاقتصادية المضادة لرجال الاعمال وشركائهم من رؤوس الاموال الاجنبية، ضد أهم أهداف الشعب المصري في ثورة يناير، هدف العدالة الاجتماعية، وما يعنيه من تحرير ثروات البلاد من سيطرة واستئثار رؤوس الاموال المصرية والاجنبية.
انها عودة لسياسات نهب الاراضي التى سادت في عصر مبارك، وقدَّرتها عديد من التقارير بـ 16 مليون فدان أو 67.2 ألف كم مربع، اضاعت على مصر 800 مليار دولار.
والتي جرت صفقاتها في كل ربوع مصر، في شمال غرب خليج السويس وشرق العوينات ومدينتى و 6 اكتوبر والشيخ زايد والقاهرة الجديدة وطريق مصر اسكندرية الصحراوي والساحل الشمالي وشرم الشيخ ومرسى علم ومناطق أخرى كثيرة، لشخصيات وشركات مثل أحمد عز ومجدى راسخ وهشام طلعت مصطفى و محمد فريد خميس و محمد أبو العينين والفطيم كابيتال الإماراتية وإعمار الإماراتية وداماك الإماراتية و QEC القطرية وآخرين.
***
انهم يعيدون الكرَّة الآن، ولكن بعد أن تعلموا درس مبارك، فقاموا بتحصين أنفسهم وصفقاتهم ضد رقابة الرأي العام المصري بالقانون الذي أصدره عدلي منصور في ابريل 2014 والذي ينص على ما يلي ((يكون الطعن ببطلان العقود التي يكون أحد أطرافها الدولة .. من أطراف التعاقد دون غيرهم..)) و ((تقضي المحكمة من تلقاء نفسها بعدم قبول الدعاوى أو الطعون المتعلقة بالمنازعات المنصوص عليها في المادة الأولى من هذا القانون والمقامة أمامها، بغير الطريق الذي حددته هذه المادة بما في ذلك الدعاوى والطعون المقامة قبل تاريخ العمل بهذا القانون))
وهو التحصين الذي عادوا لتأكيده مرة أخرى في قانون الاستثمار الجديد بموجب ما ورد فيه بالنص من انه ((تلتزم الدولة باحترام وانفاذ العقود التي تبرمها)).
***
انها النسخة السيساوية من سياسات الانفتاح الاقتصادي واقتصاديات السوق والخصخصة التى انتهجها السادات ومبارك من قبله، والتي بدأت بالقرارات الأخيرة غير المسبوقة برفع الدعم عن الوقود والطاقة والتى لطالما افتخر بها السيسي في تصريحات من أمثال:
((أن السلعة يجب أن تباع بثمنها الحقيقي، وانه منذ ما حدث في 1977 والجميع يخشى تكرار هذه القرارات)).
و ((ان رفع أسعار الوقود هي خطوة هامة "تأخرت 50 عاما")).
وأن ((الدعم أخطر من الفساد)).
وذلك في تماهٍ كاملٍ مع روشتات واجندات صندوق النقد الدولي، الذي عبر، لأول مرة منذ سنوات، عن رضائه الكامل عن القرارات الاقتصادية المصرية الأخيرة برفع الدعم وتعويم الجنيه. (وما أدراك ما هو رضا الصندوق)؟!
***
انها تعيدنا الى عصر الامتيازات الاجنبية في القرن التاسع عشر، التى انتهت بالاستعباد المالي لمصر واحتلالها. كما انها تمثل ردة جديدة على الثوابت الوطنية المصرية ودروسها التاريخية التي استقرت على امتداد اكثر من قرن من الزمان، ناهيك على انها استخفاف بالقوى الوطنية والثورية وبرامجها ونضالاتها منذ قانون الانفتاح الاقتصادي سيء السمعة في 1974.
***
كما ان القانون الذي يعطي لمجلس الوزراء كل هذه الصلاحيات، التي تفتح الابواب على مصراعيها للفساد والمحسوبية والرشوة، بعد ثورة قامت ضد فساد نظام مبارك وبدأت بعزل ومحاكمة وسجن وزراءه على جرائم مشابهة قبل ان تنجح الثورة المضادة في الافراج عنهم، هو عدوان صريح على ثورة يناير وارتداد عن غاياتها وشعاراتها وبوصلتها.
***
ان التوجه الاقتصادي الذي خطَّه السادات، وجذَّره مبارك ويعيد السيسي إحياءه اليوم، والذي ينطلق من ان تشجيع الاستثمارات الاجنبية هو الحل لكل مشاكل مصر الاقتصادية، قد ثبت فشله. فلقد دأب النظام منذ أربعة عقود على تقديم كل أنواع الحوافز والتسهيلات والاعفاءات الضريبية والجمركية للمستثمرين، وكانت النتيجة مأساوية، ننتقي منها أمثلة بسيطة :
فاقل من 200 الف رجل اعمال يستحوذون على 40 % من ثروة مصر، بينما يعيش 40 % من المصريين تحت خط الفقر. ويحصل المستثمرون على 70 % من الناتج المحلي السنوي مقابل 30 % لباقي المصريين. وزادت جملة الديون المصرية عن تريليون جنيه، وبما يساوى 90 % من الدخل المحلي الاجمالي.
أما عن النهب والتجريف الأجنبي للثروة المصرية فيكفي للتدليل عليه، مثال بسيط، فوفقا لما ورد في دراسة هامة لأحمد السيد النجار، فإن إجمالي النزح الأجنبي للموارد من مصر للخارج بلغ نحو 86 مليار دولار في الأعوام 2008 ، 2009 ، 2010، بينما بلغت تدفقات الاستثمارات الأجنبية لمصر في ذات السنوات نحو مجموعه 22.6 مليار دولار. أي أنهم في النهاية ينهبون ما يقرب من أربعة أضعاف كل ما يقدمونه لنا من استثمارات وقروض ومعونات.