وقفة تعبوية أم هزيمة تكتيكية؟

داود البصري

يبدو أن التدخل العسكري الإيراني الواسع واستشاريي حرس الثورة الإيرانية بقيادة “السردار” قاسم سليماني، والحشود الطائفية التي تجمعت إستنادا الى فتوى “الجهاد الكفائي”، وقوة النيران الهائلة التي تمتلكها القوات العراقية، لم تنفع أبدا في التخلي عن خيار طلب مساعدة قوات التحالف في إدارة معركة تكريت التي تراجع الأداء العام فيها من مسألة الهجوم الخاطف، والمباغت، والسريع، وحسم الموقف من خلال الحرب الخاطفة وفقا للطريقتين الألمانية القديمة أو (الإسرائيلية) الحديثة، إلى خيار الوقفة التعبوية وإعادة تنظيم القوات، ومن ثم إطلاق الوعود عن قرب أيام الحسم، حتى وصلت الحال بوزير الدفاع العراقي خالد العبيدي إلى التصريح العلني أنهم سيتركون “تنظيم الدولة” يتحلل تدريجيا قبل إاتحام تكريت نهائيا! وهذا التصريح كما نعلم لاعلاقة له بالعلوم العسكرية، بل بعلوم التنجيم والطالع والبلورة السحرية!

 

ثم جاء تصريح رئيس الحكومة حيدر العبادي ليؤكد أن إستعادة تكريت بكاملها ستتم خلال شهر، ولكنه في المقابل استبعد أن يتم أي زحف عسكري نحو الموصل قبل التخطيط الجيد! وهذا تلميح واضح يغني عن أي تصريح تفصيلي بما معناه أن معركة تكريت شابتها الحماسة والهرجلة والدعاية الإعلامية، والتركيز على قوة الدعم الإيراني الحرسي، ثم تبين في لحظات الحقيقة أن حجم الخسائر البشرية المهولة أكبر مما كان متوقعا بكثير، وإن الصدمة التي أحاقت بقوات الجيش العراقي، والحشد الشعبي، وحتى “البيسيج” الإيرانيين من حجم الإصابات قد جعلت الهجوم يتلكأ بالكامل بعد إنهيار المعنويات وتراجع عدد كبير من أفراد الميليشيات، وطبيعة التكتيك الإستنزافي المرهق الذي لجأ إليه المسلحون في تكريت وخصوصا صنف “القناصة” الذين كانوا مدربين على مستوى ميداني متقدم، حيث وإستنادا الى مصدر في وزارة الدفاع العراقية أكد لي أن “معظم الإصابات كانت في الرأس وبدقة عالية وخصوصا إن المتطوعين الإيرانيين تعرضوا لإصابات مباشرة حتى أن توابيت ضحاياهم بقيت مصطفة عند الحدود الدولية لمسافات”!

من هنا جاء التصريح الواضح لقائد قوات صلاح الدين الجنرال عبدالوهاب الساعدي الذي أعلن فيه أن لابد من طلب العون والنجدة من قوات التحالف الدولي “الأميركية” التي تمتلك قدرات وتكتيكات لا يمتلكها العراق، ولا المستشارون الإيرانيون الذين ضخمت أدوارهم كثيرا إعلاميا لأهداف سياسية واضحة، وقال الساعدي: إن عدم مشاركة التحالف في القتال كان لأسباب سياسية وأنه كان منذ البداية قد حذر من أن عدم مشاركة الأميركان في المعركة ستؤدي الى نتائج غير طيبة وهو ما حصل بالفعل.

ومن الملاحظ أن الجانب الأميركي حرص إعلاميا على النأي بنفسه عن معركة تكريت مؤكدا أنها معركة عراقية وحيث تمت مراقبة الأداء العراقي-الإيراني فيها، كما أن أتباع إيران في العراق، وخصوصا هادي العامري والإرهابي الدولي أبومهدي المهندس قد دعوا الى عدم الاعتماد على الدعم الأميركي مشككين بجدواه، ومؤكدين على قوة الدعم الإيراني وضرورة شراء السلاح من الأسواق الدولية! ثم تبين لاحقا أن العراق اشترى من النظام الإيراني أسلحة بعشرة مليارات دولار أنعشت الإقتصاد الإيراني المنهك! وهذه خطوة لا تسر الحليف الأميركي أبدا لذلك كان سعيدا بنتائج ورطة معركة تكريت على مايبدو!

ازلام إيران في العراق بلعوا الإهانة وحاولوا تبرير ما حصل بذرائع مختلفة، وما يدور حاليا في العراق ليس مجرد حرب ضد الإرهاب، بل أنه في حقيقة الأمر تكريس لتحالفات، وإستقطاب حاد لمسارات المستقبل، ولطبيعة التحالفات العراقية، فالتيار الإيراني يسعى بقوة الى جر البلد نحو تحالف ستراتيجي وثيق مع إيران هو نسخة أخرى من الزواج الكاثوليكي، كما قال هادي العامري نفسه، ولكن ظهور النوايا الطائفية السيئة والممارسات العدوانية المشينة التي أرتكبتها جماعات الحشد الشعبي من قتل وتعذيب وتمثيل وقطع رؤوس لأهل السنة إستنادا الى المنظمات الإنسانية الحقوقية الدولية قد أضعفت كثيرا من حدة التوجه والإرتماء التام في الأحضان الإيرانية! فالفشل في تكريت يتحمله أساسا أتباع الجانب الإيراني الذين تصوروا أن المعركة مجرد نزهة ستنتهي بنصر مبين يحقق تقدما، عسكريا وسياسيا، إيرانيا واسع النطاق يؤسس لمرحلة عراقية جديدة، إلا أن حساب الحقل العراقي لم يتطابق مع حسابات البيدر الإيراني.

معركة تكريت كانت مجسا لمعارك مستقبلية، فالعراق ساحة حربية لن يهدأ سعير نارها،وقد كتب على هذا الشعب أن يظل وقودا لحروب الآخرين… وتلك هي المعضلة والمصيبة… والمأساة.

 

نشر المقال هنا

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :136,042,735

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"