وزير النفط العراقي: أنا سياسي فاسد وافتخر!‏

هيفاء زنكنة

صرَّح عادل عبد المهدي، وزير النفط العراقي، بداية الشهر الحالي، ان العراق مدين لشركات النفط بنحو 20 مليار دولار امريكي، وهي مستحقات تشكل مبالغ كبيرة هائلة يجب دفعها مباشرة. وفي حال «لم نوفر المبالغ فهناك عقوبات ستحصل وتخفيض للانتاج او الذهاب الى المديونية».

 

المعروف ان من بين الشركات الكبرى المرتبطة بعقود خدمة، «توتال» الفرنسية و»شل» الهولندية و»اكسون موبيل» الامريكية و»بي بي» البريطانية. وياتي تصريح عبد المهدي لطمانة شركات النفط متزامنا مع سعي وزير المالية، هوشيار زيباري، للقاء ممثلي مصارف عالمية لبحث سبل معالجة العجز المالي، ومن بينها اصدار سندات دولية للمساعدة في سد عجز الموازنة الاتحادية مع البدء بسداد مستحقات شركات النفط الاجنبية في الاول من نيسان/ ابريل المقبل.

يشكل اعتراف عادل عبد المهدي بحجم الديون سابقة، وان كان لم يشرح عواقبها تفصيليا، كما لم يتطرق الى مجمل ديون الحكومة العراقية بل اكتفى بذكر ديون شركات النفط لانه المرض الاخطر الذي يجب العثور على علاج له وبكل الطرق الممكنة والا تم قطع شريان حياة الحكومة المعتمدة على الريع النفطي بنسبة 95 بالمئة.

لبيان حجم التخبط الاقتصادي المبني على الفساد والاستهتار بثروة الشعب، كتب عصام الجلبي، وزير النفط السابق، توضيحا بارقام تفصيلية، يشرح فيه ان هذا الدين « تراكم نتيجة عجز الحكومة السابقة والحالية عن تسديد المطالبات المتراكمة بسبب استثمارات شركات النفط الاجنبية المتعاقدة مع حكومة بغداد فقط (عدا تلك المتعاقدة مع الاقليم) ضمن جولة التراخيص الاولى بشكل اساسي والاجور المترتبة لها نتيجة عملياتها التشغيلية.

ويسدد هذا المبلغ اما نقدا او كنفط خام وواضح انه كلما يقل سعر النفط تزيد عدد البراميل التي يتقاضاها شركات النفط وعلى افتراض سعر 50 دولارا لبرميل النفط العراقي فان المديونية تعادل 460 مليون برميل لو سددت خلال سنة واحدة فسيعني تسليم 1.25 مليون برميل يوميا . وبافتراض قدرة العراق على تصدير معدل 3 ملايين برميل يوميا (وهو ما لم يتحقق خلال شهري كانون الثاني وشباط حيث كان المعدل الفعلي هو 2.563 مليون برميل يوميا فقط حيث بلغ التصدير لشهر كانون الاول 2,535 ولشهر شباط 2.597 مليون برميل يوميا) فان على العراق تسليم حوالي 41.6 ٪ من نفطه سدادا للديون للشركات او بنسبة 48.7٪ لو استمر المعدل الحالي! مع الاشارة الى محاولة الحكومة تاجيل قسم من هذه الديون! ولو استمرت الشركات باستثماراتها لتحقيق معدلات الانتاج (المعدلة) فهذا يعني تصاعد حجم الديون والتي لن تعالج الا بزيادة حجم الصادرات وزيادة اسعار النفط! علما ان سعر النفط العراقي المتحقق لشهر كانون الثاني هو بحدود 41 دولارا للبرميل ولشهر شباط 47,43 دولار للبرميل».

ويخلص الجلبي الى ان «هذه هي النتيجة الحتمية لعودة شركات النفط الاجنبية واحلالها محل الجهد الوطني ! نصف نفطنا لسداد الديون».

لا شك ان المواطن غير المختص لا يمكنه الخوض في هذه التفاصيل المالية والاقتصادية، لكنه يتساءل في الخلاصة: اذا دخلنا هذا المازق بعد كل الجعجعات عن تطوير القطاع النفطي بتسليمه للشركات العالمية، فكيف سنخرج منه ؟ بل الاهم من ذلك هل ستستطيع الحكومة دفع رواتب موظفيها منذ الشهر الحالي بدون ان ترهن البلاد قطعة قطعة لمن هب ودب «قانونيا»كما رهنت النفط؟

من هو المسؤول عن هذه الكارثة التي سيتحمل الشعب العراقي نتائجها، على مدى عقود مقبلة، كما يتحمل الان دفع تعويضات غزو الكويت؟ من هو المسؤول عن سرقة النفط واستشراء الفساد؟ وما وراء قبول النظام بتوقيع عقود كارثية كهذه؟

هناك مجالات اخرى لهدر وسرقة الثروة النفطية عدا هذه الصفقات الكارثية مع شركات النفط.

وقد حاول وليد خدوري، المستشار لدى نشرة «ميس» النفطية (16 ديسمبر 2012)، توضيح صورة السرقات السابقة الاخرى، بشكل موثق، عبر الاجابة على عدد من الاسئلة، ومن بينها: «من ارتكب هذه السرقات؟ وهل سرقة ما قيمته مئات الملايين من الدولارات من النفط ممكنة من دون معرفة الجناة وعدم رفع دعاوى ولو غيابيا عليهم؟ ام هل الاستهتار بالمال العام اصبح شائعا في ظل استشراء ثقافة الفساد؟»

يقول خدوري بأن المبالغ المسروقة ضخمة جدا، تتيح للسارقين تبييضها او استعمالها لاغراض سياسية. وهم اذا اطمانوا الى سرقة مئات الملايين من الدولارات في الماضي من دون مساءلة او محاسبة، ما الذي سيردعهم عن سرقة ملايين اخرى عند تبوئهم مناصب ومسؤوليات سياسية واقتصادية في المستقبل؟

يعتبروليد خدوري، ويتفق معه عصام الجلبي، بأن عدم وجود نظام قياس دقيق لتدفق النفط من الابار وخطوط الانابيب منذ 2003، فتح مجالا واسعا للسرقة. ويعني غياب المقاييس ان فارقا نسبته واحد في المئة لحمولة ناقلة عملاقة، امكان الحصول خلسة على كمية من النفط تعادل 500 شاحنة تحمل كل منها نحو الف غالون. ومع غياب الرقابة الحكومية وانتشار الفوضى وهيمنة العصابات، اثر الاحتلال الامريكي، تنوعت طرق السرقة . فمن خرق انابيب النفط وتخزين النفط في مرافق عامة الى سلب شاحنات النفط والمنتجات البترولية المنقولة برا. ومن تعاون السلطات المحلية الى توفير الحماية العشائرية مدفوعة الاجر لصالح احزاب مشاركة بالسلطة وشخصيات حكومية متنفذة سياسيا وامنيا. وتصل خسائر العراق من النفط المسروق حوالي 120 مليار دولار، اي ما يزيد على الميزانية لمدة عام كامل، وبلغ في احدى السنوات معدل 60 الف برميل نفط يوميا، حسب عصام الجلبي.

وفي مجال تحديد المسؤولية، لايمكن اغفال دور من وقعوا عقود النفط في اختزال حصة العراق في عقود الخدمات الى 5٪ فقط خضوعا لمطالبة الشركات بتعويضها عما تسميه خسائرها جراء انخفاض اسعار النفط عالميا. وهي نسبة ادنى بكثير من النسبة الدنيا المتعارف عليها، عالميا، والبالغة ما بين 20 – 25 بالمئة.

ازاء هذه السرقات المفضوحة والعقود التي تركت لشركات النفط حرية الاستغلال كيفما تشاء، من هو المسؤول؟ يحمل الجواب مؤشرا مهما مفاده ان هذه الديون ستكون عقوبة مفروضة على الشعب وليس الحكام لانهم قاموا بتامين مستقبلهم من خلال السرقات في العقد الاخير. وقد تكلم بعضهم بصراحة ان احدا من مشاركي العملية السياسية لن يصيبه ضرر لانهم وعوائلهم قد ضمنوا لانفسهم ثروات خارج البلد. يتهم مسؤولو النظام الحالي نوري المالكي، رئيس الوزراء السابق. وكأنه كان يعمل في المريخ لوحده وليس مع نفس وزراء ومسؤولي النظام الحالي، مع تغيير طفيف في توزيع الكراسي. تنتقد لجنة النفط في مجلس النواب، مثلا، الحكومة السابقة، وتقول انها اعطت شركات النفط مبالغ طائلة لبناء منشات خدمية قرب حقول النفط، وتركت التنفيذ بدون رقابة كافية، كما فشلت الوزارة في انشاء خزانات لحفظ النفط غير المصدَّر لاكثر من يومين، كما ان العقود اهملت ضمان تحميل الشركات جزءا من الخسارة في حال انخفاض سعر النفط.

لقد فتح احد المواطنين موقعا على الشبكة البينية باسم «سياسي فاسد وافتخر»، وهو توصيف بات شائعا، وبالتالي عاديا ومقبولا بين الناس لشيوع نموذج السياسي الفاسد الذي تتم استضافته في استديوهات الفضائيات فيتحدث عن فساد «الاخرين» ونظافته. يبدو لي ان اعتراف الساسة الحالي بكارثة الديون يندرج تحت هذا الموقع. في حملة التهويمات المتعمدة هذه ومع نفاذ المسؤولين من المسؤولية والمحاسبة، يبقى السؤال الاساسي، كيف سيتعامل العراقيون مع هؤلاء اللصوص ومستشاريهم بعد 12 عاما من النهب المنهجي؟

 

نشر المقال هنا

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :135,619,200

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"