‏«براءة» العادلي إدانة للنظام.. والشعب أيضاً

القدس العربي

من بين كل رموز عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، ينفرد وزير داخليته اللواء حبيب العادلي بـ «رمزية مركبة» يختلط فيها الفساد بدماء الشهداء والقمع والانتهاكات غير المسبوقة لحقوق الانسان اثناء 14 عاما قضاها في منصبه الذي اطاحت به ثورة كانون الثاني/ يناير في العام 2011.

 

ومع استمرار قيد قضية قتل نحو 800 من الثوار ضد مجهول، يوجه قرار الافراج عنه اثر تبرئته من آخر القضايا المتهم فيها الخميس الماضي صفعة قوية الى اهالي الشهداء الى جانب الملايين الذين ناضلوا او ساهموا في نجاح الثورة، ومعهم الشعب المصري كله. وللمفارقة، تقوم الحكومة حاليا بتحضير خطة أمنية مشددة لحماية الوزير الأسبق على نفقة دافعي الضرائب الذين طالما عانوا من الجرائم التي ارتكبت في عهده.

ومن الناحية النظرية، يستطيع العادلي، بعد اجراءات قانونية بسيطة، ان يترشح للانتخابات التشريعية المقبلة وان يعود الى العمل السياسي والامني بما في ذلك تولي وزارة الداخلية. وهو امر لن يحدث، على الرغم من زعم بعض «الفلول» انه قادر على استعادة الامن خلال شهر واحد إن عاد إلى منصبه.

الا ان «زمرة مبارك» وهي تخرج من السجن او «تعود الى مقاعدها» حسب تعبير القاضي محمود الرشيدي الذي قضى ببراءة مبارك والعادلي في قضية قتل الثوار، تطرح اسئلة مهمة بشأن دورها في تركيبة الحكم الحالي ومستقبله، خاصة وقد تحولت الى «مراكز قوى حقيقية» في العديد من المؤسسات، بل ومصدر خطر على النظام نفسه، ومنها:

اولا: الا يعني الاصرار على التبرئة التامة لمبارك وكافة رموزه من كافة الاتهامات بما في ذلك الكسب غير المشروع او التربح من الوظيفة العامة ان هناك من يتعمد استفزاز الشعب المصري في كرامته، واهانة عقله، واعطاء الضوء الاخضر للمسؤولين في العهد الجديد ليسيروا على الدرب نفسه، دونما خوف من حساب او عقاب؟ وهل يقصد من يقوم بهذا ان يخدم النظام حقا ام انه يسعى الى ابتزازه واخضاعه؟

ثانيا: اذا كان مبارك ورموز عهده ابرياء بل و»اصحاب ايادي بيضاء» على البلد وامنه واستقراره، كما ابرزتهم المحاكمات الاخيرة، فهل يعني هذا الا الادانة للشعب «الجحود» الذي ثار عليهم؟ والمجلس الاعلى للقوات المسلحة الذي عقد اجتماعا برئاسة المشير حسين طنطاوي، في «انقلاب ناعم» على مبارك، الذي لم يجد امامه الا ان يعلن «تخليه» عن منصب لم يعد يشغله عمليا، ومدعيا «تكليف» المجلس العسكري ادارة امور البلاد، وهو الذي كان بدأ يحكم فعليا؟. وبكلمات اخرى الا تعني براءة مبارك وعهده طعنا مباشرا في شرعية كل ما جاء بعده، بما في ذلك الحكم الحالي، حسب القاعدة القانونية التي تقول ان كل ما بني على باطل هو باطل.

ثالثا: هل يملك كل من يقرأ حيثيات الحكم ببراءة العادلي، وهو مازال قابلا للطعن، الا ان يلمس «رغبة خشنة» في الدفاع عن عهد و»اسلوب حكم» وليس مجرد مسؤول سابق، خاصة وهو يعتبر ان امتلاكه العديد من الفيلات والشقق «امر طبيعي»، بل ويذهب الى استنكار مجرد توجيه الاتهام له؟ وهو يقول حرفيا:

«وبشأن تهمة تحقيق كسب غير مشروع قيمته 530 ألف جنيه إسترلينى بأحد البنوك دون إدراجها في إقرار ذمته المالية، والقول إنه تحصل عليه بسبب وظيفته، غير جائز وليس كافيًا ليكون سند اتهام، لمجرد أن العادلي لم يدرج المبلغ في إقرار الذمة المالية».

فهل كان راتب العادلي كافيا لتحقيق هذه الثروة حقا؟ ام انه ورثها او حصل عليها من تجارة مشروعة؟ واذا كان الامر كذلك فلماذا لم يكشف عنها في ذمته المالية؟

وماذا سيفعل اي مسؤول حالي وهو يقرأ ان القضاء لا يعتبر ان عدم الكشف عن ثروة مجهولة المصدر في الذمة المالية «كافيا ليكون سند اتهام»؟

الواقع ان براءة العادلي تلقي الضوء مجددا على المأزق العميق الذي يعانيه نظام الرئيس عبدالفتاح السيسي، العاجز او غير الراغب او كليهما، في مواجهة «الفلول»، وما يشكلونه من قوة هائلة وخاصة في وسائل الاعلام وبعض مؤسسات الدولة، حتى وهو يدرك انهم بمثابة سلاح ذي حدين، قادر على دعمه في جبهات معينة لكنه لا يتورع عن التمرد عليه عند اللزوم. ومثال ذلك ما تعرض له من حملات ردا على اقتراحه بسن قانون يجرم سب ثورة يناير، وهو ما تراجع عنه لاحقا، ناهيك عن صدور احكام الاعدام بالجملة ضد الاخوان احرجت النظام دوليا، ومطالبة ابواق اعلامية بتنفيذها فورا لاعادة الامن، واخيرا رفض النائب العام الافراج عن مئات الشباب المعتقلين الذين وصفهم السيسي نفسه بـ «الابرياء».

 

نشر المقال هنا

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :136,058,131

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"