صراع الذئاب الإيرانية الكبير في العراق

داود البصري

في واحدة من أبشع خرجاته الإعلامية ظهر القيادي الحرسي، قائد ما يسمى حركة “بدر” الطائفية العراقية ذات المرجعية الإيرانية المباشرة هادي العامري، بتصريح غريب بعد توقف المعارك في “تكريت” بسبب فداحة الخسائر التي تكبدتها القوات المهاجمة التي وصلت إلى حدود الستة آلاف إصابة في مكان صغير كتكريت، وهو ما يعني عسكرياً فشل الهجوم الكبير الذي قادته الميليشيات الطائفية مرفوقة بآلاف من عناصر الحرس الثوري الإيراني بقيادة قاسم سليماني “المستشار والحاكم العسكري العام الفعلي والميداني للعراق”، ورجل المهمات الإيرانية الصعبة في الشرق والذي يتباهى علنا بأن العراق والشام ولبنان واليمن قد اضحت ضمن دائرة النفوذ الإيراني المباشر، بل ويهدد باحتواء الأردن أيضا، في واحدة من أكثر التصريحات قلة للأدب!

 

المهم، هادي العامري وبعد أن تراجعت حدة سيطرته الميدانية أكد حانقا ان سبب توقف المعارك في تكريت هو “ضعف” وتخاذل القيادات العسكرية في الجيش العراقي التي تنادي بالاستعانة بالقوات الأميركية من أجل السيطرة على تكريت، كما قال إن الإيرانيين وقيادة سليماني هم الأقدر على معالجة الموقف، ان العراق لا يحتاج أبدا للدعم الأميركي، بل إن الإيراني هو الأبقى والأصح!

هادي عبَّر عن موقفه المتضامن والمؤيد بالكامل للنظام الإيراني، وهو موقف عقائدي راسخ في زمن عراقي فاصل، خصوصا أنه هاجم قائد قوات صلاح الدين الجنرال عبدالوهاب الساعدي الذي اعترف علنا بعدم قدرة القوات الحكومية المهاجمة ومعها الحرس الثوري وميليشياته الطائفية على حسم معركة تكريت دون التدخل الأميركي المباشر والذي اعتبر عدم الدخول الأميركي في المعركة قد جاء نتيجة صراعات سياسية وليس لأمور فنية عسكرية، وطبعا الجنرال الساعدي صرح بذلك من خلال قيادته الميدانية للمعارك ومتابعته للخسائر الجمة التي تكبدتها القوات المهاجمة ما يطرح مليون علامة استفهام حول مستقبل العمليات الجارية لانتزاع مدينة الموصل من بين أيادي تنظيم الدولة، وهي عمليات تبشر بها الحكومة العراقية حاليا بقوة رغم أن معارك تكريت والأنبار لم تحسم نتائجها النهائية بعد، وأن التقدم للموصل لا يمكن أن يحدث في ظل عدم حسم الموقعتين المذكورتين.

ما هو جدير بالملاحظة إن تعدي هادي العامري وتجاوزه على قيادات الجيش العراقي العسكرية المحترفة التي لا علاقة لها بقيادات الحرس الثوري الإيراني تعكس حالة واضحة من الصراع الشرس داخل أروقة الحكومة الحالية بين تيار تعزيز الدولة العراقية ودعم قطاعاتها الحيوية، وأجهزتها السيادية وأهمها الجيش الحكومي، وبين التيار الآيديولوجي الإيراني الذي يسابق الزمن لإعلان وترسيخ الهيمنة الإيرانية الكاملة على العراق تحت غطاء ورداء فتوى الحشد الكفائي، ويهدف إلى تهميش كامل لدور الجيش العراقي وعزله عن قيادة مواجهة الأحداث وتعويضه بالميليشيات الطائفية الوقحة التي هي نواة واضحة لمؤسسة”الحرس الثوري العراقي” التي يراد إشهارها رسميا في العراق وتأسيسها أيضا في الشام لتضاف لقوات “حزب الله” اللبناني و”أنصار الله” الحوثية اليمنية، وجميعها جيوش إيرانية بديلة مكونة من أهل تلك البلدان ومستقرة في القلب العربي ضمن المخطط الإيراني الواسع الطموح للهيمنة الكاملة على الشرق القديم والمنطلقة قاطرته بقوة هذه الأيام.

هادي العامري تغوَّل إلى درجة لم يعد يخجل من التهديد العلني بالاستعانة بقاسم سليماني واستدعائه وفق ما قال وقت ما يشاء، بعد أن أضحى الإعلان عن الولاء لإيران في العراق بمثابة مفخرة وطنية، في انهيار واضح ومريع للسيادة العراقية المفترضة لحكومة عراقية تائهة وضائعة أصلا في بحر النفوذ الإيراني المتنامي، أما وزارة الدفاع العراقية فقد التزمت الصمت حول تصريحات العامري وتدخلاته في أمور سيادية أكبر منه ومن موقعه الحزبي والطائفي.

من الواضح أن إدخال النظام الإيراني لثلاثين الف عنصر حرسي في العراق إضافة إلى توغل أربع فرق عسكرية إيرانية لمسافة 40 كيلو متراً في العمق العراقي وتعزيز صفوف دعاة النظام الإيراني في العراق بقادة الإرهاب الدولي من أمثال الإرهابي الدولي المطلوب للولايات المتحدة والمحكوم بالإعدام في دولة الكويت أبو مهدي المهندس، والمرشح بقوة لقيادة مؤسسة الحرس الثوري العراقي المستقبلية، يعبر عن هجمة إيرانية متقدمة وغير مسبوقة لن ترضى بأقل من تحقيق جزء رئيسي من أهدافها، فالإيرانيون قدموا خسائر مؤثرة في المواجهات الأخيرة في تكريت وخسروا خمسة من كبار قادة الحرس الثوري إضافة إلى مصرع مئات من “الباسيج” الإيرانيين، وثمن ذلك سيكون بتهميش الجيش العراقي بالكامل وإزاحة ضباطه وهيمنة حرسهم وعناصرهم العميلة على المؤسسة العسكرية العراقية… إنه صراع الذئاب الإيرانية الكبير في العراق.

ماذا تخبئ الأيام للعراق الذي هو في طريقه للتحول لعراق العجم؟

في كل الأحوال لا نتوقع لأهل الميليشيات الطائفية الوقحة ومن يدعمها سوى الهزيمة والفشل ، فالعراق ليس لبنان، ولن يتحول لضيعة وحديقة خلفية لجنود الولي الفقيه…

والأيام بيننا.

 

نشر المقال هنا

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :135,628,602

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"