في تزامن لافت اهتمت الصحافة الإقليمية بثلاثة تصريحات تضاربت في بعض تفاصيلها، وإن فصلت بينها عدة أيام ولكنها تعالج قضية واحدة من زوايا مختلفة..
التصريح الأول كان لقائد القوات البرية في الجيش الإيراني العميد أحمد رضا بوردستان، والذي قال فيه إن "5 ألوية من القوات الإيرانية دخلت الأراضي العراقية بعمق 40 كيلومترا، ووفق الموقع "دفاع برس" التابع للقوات المسلحة الإيرانية، أكد بوردستان أن "إرسال القوات البرية الإيرانية تم بالتنسيق مع الحكومة العراقية، وبحسب قائد القوات البرية في الجيش الإيراني في وقت سابق فإن المنطقة الواقعة على عمق 40 كيلومترا داخل الأراضي العراقية، تعتبر خطاً أحمر بالنسبة للقوات المسلحة الإيرانية".
والثاني ما قاله مقرر لجنة الأمن والدفاع في مجلس النواب "بأن هناك 30 ألف عسكري إيراني يقاتلون داخل الأراضي العراقية تحت مسمى الحشد الشعبي"، وهذا تصريح ينطوي على مخاطر جدية على من صرح به، لأنه إن لم يتمكن من تأكيد ما قاله فقد يضع نفسه تحت طائلة المسؤولية القانونية عندما يطعن بمصداقية رئيس الوزراء وقادة الحشد الشعبي، ويتهمهم بالتواطؤ ضد العراقيين عندما يوفرون الفرصة لمرتزقة إيرانيين بالتنكر بزي عناصر المليشيات المحلية.
ومقرر لجنة الأمن والدفاع في مجلس النواب يعرف أن الحصانة البرلمانية ليست أكثر من مساحيق تجميلية وأنها لا وجود لها فعلا، ولعل في تجربة النائب أحمد العلواني ما يغني عن أي سؤال، وقد لا يتوقف الأمر على تعامل المؤسسات الدستورية معه، بل قد يتعداه إلى ما أسوأ من ذلك، ولا يمكن أن نضع أنفسنا في موضع الشماتة مع من استيقظ ضميره في وقت متأخر ثم دفع ثمنا باهظا من استقراره وهدوئه وربما من دمه.
وأما التصريح الثالث فهو التصريح المنسوب لمكتب رئيس الوزراء حيدر العبادي الذي يشغل في الوقت نفسه منصب القائد العام للقوات المسلحة، فقد نفي فيه نفيا قاطعا وجود مقاتلين أجانب، وأكد المكتب عدم وجود مقاتلين غير عراقيين من أية جنسية، ولا يوجد غير المستشارين الذين يقدمون الخبرة القتالية في العمليات المضادة للإرهاب، ومن باب استعراض الثقة بالنفس وبقدرات إيران العسكرية الخارقة، أكد رئيس الوزراء إنه لم يطلب إسنادا أمريكيا في عمليات تكريت بعد هزيمة أكثر من 30 ألف مقاتل من القوات النظامية ومليشيا جيش الحشد الشعبي، أمام نحو 200 من المسلحين الذين يتحصنون في داخل مدينة تكريت وتبخرت كل الوعود التي أطلقها الجنرال قاسم سليماني ومساعداه هادي العامري وأبو مهدي المهندس، ورقص على أنغامها الجنرال السابق خالد العبيدي وزير الدفاع عندما قال بأن تكريت "ستتحرر في سويعات".
لكن متحدثا باسم وزارة الدفاع الأمريكية قال في رد غير مباشر على مشاعر الاكتفاء الذاتي التي صدرت عن القائد العام للقوات المسلحة والقادة العسكريين وقادة المليشيات أكد في تصريحات ربما تتسم بانعدام المنطق الدبلوماسي فيها، "إن بلاده تقدم صورا جوية لتحركات الإرهابيين داخل تكريت، وأن دخول بلاده على خط العمليات جاء بناء على طلب الحكومة العراقية، وهذا ما يؤكد فشل المساعي الإيرانية للحلول محل الدور الأمريكي في الحرب"، وتأكيدا ما قاله المتحدث باسم البنتاغون، قال هادي العامري الذي يستميت من أجل الانتقام لنفسه من حيدر العبادي الذي حرمه من حقيبة الداخلية، قال إن الجنرال قاسم سليماني عاد إلى بلاده وأنه سيتواجد في العراق حيثما اقتضى الواجب ذلك، ويبدو أن عودة أمريكا لتقديم العون للقوات التي فشلت في دخول تكريت كان مرتبطا باستبعاد سليماني من مسرح العمليات.
ونلاحظ أن هناك تطابقا بين ما قاله قائد القوات البرية الإيرانية، وما قاله مقرر لجنة الأمن والدفاع في مجلس نواب المنطقة الخضراء، ولسنا في معرض الخوض في جدل مع ما يمتلكه قائد القوات البرية في الجيش الإيراني من معلومات في غاية الدقة عن مواضع قواته وصولا إلى الحظيرة والفصيل والسرية، لأنه هو الذي يحرك فرقه وألويته ووحداته ويؤمّن لها خطوط مواصلاتها والدعم اللوجستي وكل ما تحتاج إليه من أرزاق وخدمات طبية وتعويض في السلاح والجنود، وكذلك الحال مع مقرر لجنة الأمن والدفاع في مجلس النواب.
فهل كان العميد أحمد رضا بور دستان يكذب فيما يقول كجزء من الظاهرة الاستعراضية التي تعتمدها إيران سواء في الحديث عن البرنامج النووي أو أثناء المناورات العسكرية والبحرية التي تكثر من إجرائها لمجرد الحديث عن استخدام أجيال جديدة من الصواريخ؟
حسنا لنفترض أن إيران كلها تكذب وهذا واقع حال، لأنه يعد جزءً أساسيا من دين إيران الرسمي، علينا عندذاك أن نتساءل عن دوافع هذا الكذب هل هو لرفع معنويات مليشيا جيش الحشد الشعبي وبقية القوات التي تقاتل معها؟ ثم ألا يشكل ذلك إحراجا سياسيا لبلاده، مع أننا نعرف جيدا أن إيران "ثور منفلت من الحظيرة" ولا يتقيد بقواعد المرور، لأن شرطة المرور الدولية لم تمتلك السكين لذبحه ولا تمتلك القدرة على تسجيل مخالفة مرورية عليه مهما حطم من ممتلكات أو ألحق من أذى في بالناس أثناء هياجه، ولا يوجد مصارع ثيران قادر على ترويضه حتى الآن.
الكل يكذب على الكل، وكلهم يشتركون في تضليل المواطن، حتى تداخلت الألوان في الصورة السريالية، وتشابكت الديكورات مع بعضها على مسرح العبث في العراق، واستعصت التفسيرات والحلول إلا على الأنبياء والرسل، والزمن هذا ليس بزمن أنبياء أو مرسلين، فنبينا محمد عليه الصلاة والسلام هو خاتم الأنبياء والمرسلين، والذي توقفت كل عنده المعجزات.