الخروج على عقلية الحشود في مجال حقوق الانسان

هيفاء زنكنة

تشوب التناقضات الصارخة مواقف المنظمات الحقوقية الدولية من انتهاكات حقوق الانسان بالعراق. فمنذ احتلال العراق، عام 2003، ومنظمات حقوق الانسان المستقلة والناشطون في المجال الحقوقي، من عراقيين واجانب، يطالبون الامم المتحدة ومجلس الامم المتحدّة لحقوق الانسان، بتعيين مقرر عام لحقوق الانسان بالعراق، على غرار عدد من الدول، من بينها ايران، التي ترصد فيها الانتهاكات.

 

الا ان هذا الطلب قوبل بالصمت الدولي لانه يمسُّ ممارسات حكومة تم غزو بلد لتثبيتها كنموذج ديمقراطي يحترم حقوق الانسان بشكل لا يعلى عليه، ولا يصح الاعتراف بأية خروقات والا توجب اعلان فشل النموذج الافتراضي الذي استدعى تحطيم بلد باكمله من اجل تحقيقه بالاضافة الى رصد انتهاكات أميركا ، نفسها. كما ان الدول العربية ودولا اخرى مسايرة للسياسة الأميركية لا تؤيد مشروع اضافة دولة على اعمال المجلس كي لا تكون هي التالية.

وفي الوقت الذي طالما وثَّقت فيه منظمتا هيومان رايتس ووتش، والعفو الدولية خروقات داعش والاحتلال وحكوماته المتعاقبة ، كان لمجلس حقوق الانسان، بحكم تعامله الرسمي والبلوماسي مع الدول، موقف مختلف.

غير ان الصورة تغيرت بعد ان استولى تنظيم ما يُسمّى بـ (الدولة الاسلامية في العراق والشام ـ داعش) على عدد من المحافظات وازدادت الانتهاكات والجرائم بحق المواطنين العزل. وجاء وجود داعش ليصب الزيت على نار الطائفية والفساد وانتهاكات حقوق الانسان المستشرية اساسا.

ولان النظام بحاجة ماسة الى الدعم الدولي لقتال داعش بعد ان اثبتت المعارك فشل جيشه واجهزة امنه بالتصدي لها، ولانه اراد ان يقدم نفسه كمدافع عن المواطنين وحقوقهم وتبرير التدخل الاجنبي قصفا وارضا من قبل التحالف الدولي بقيادة أميركا وفيلق القدس الايراني، قام النظام بتقديم طلب الى مجلس حقوق الانسان لرصد انتهاكات داعش.

وهي المرة الاولى التي تطالب بها (دولة) وضع حالة حقوق الانسان لديها على جدول اعمال المجلس. وقد لبى المجلس الطلب واصدر في ختام اعمال دورته الثامنة والعشرين 27/3/2015، قرارا وضع فيه، لاول مرة، حالة حقوق الانسان في العراق على جدول اعماله. ويدين القرار انتهاكات وجرائم داعش، ويقرّر ابقاء حالة حقوق الانسان في العراق على جدول اعمال المجلس، بعد صدور تقرير بعثة تقصي الحقائق التي اوفدها المفوض السامي لحقوق الانسان الى العراق وعملت هناك طيلة ثلاثة اشهر.

فرض الواقع المزري من ناحية حقوق الانسان على البعثة ، وكما اكدت فلافيا بانسيري، نائب المفوض السامي لحقوق الانسان، في كلمتها امام المجلس، الاشارة الى انتهاكات خطيرة ارتكبتها قوات الامن والميليشيات المرتبطة بها، بما في ذلك التعذيب والهجمات العشوائية ضد المدنيين واستخدام الهجمات الجوية بمختلف الاسلحة، ومنها البراميل المتفجرّة من قبل القوات العراقية . وحثت العراق على اجراء تحقيق كامل في كل الانتهاكات، طالبة من المجلس ان يوصي باحالة الوضع في العراق الى المحكمة الجنائية الدولية.

تضمنت مساهمات ممثلي الدول في المجلس لوصف انتهاكات داعش، توصيفات على غرار: مثيرةٌ للصدمة، خطيرة للغاية، جرائم ضد الانسانية، جرائم حرب ، هجمات مروعة، وابادة جماعية خاصة ضد النساء والاطفال والاقليات.

الملاحظ عن الجلسة ، شبه الاتفاق العام بين المتحدثين من ممثلي الدول ومنظمات المجتمع المدني، على اولا ادانة جرائم داعش ، وثانيا ضرورة امتثال العراق للمعايير الدولية والتحقيق في جميع الانتهاكات بما يضمن تحقيق العدالة للجميع، والعمل على تحسين حالة حقوق الانسان وحماية كل العراقيين دون تمييز او اقصاء.

كانت البرازيل جريئة في انتقاد القرار لانه لم يتضمن ادانة واضحة لانتهاكات القوات الحكومية والمليشيات، وخاصة القصف العشوائي للمدن والتعذيب والتهجير وغير ذلك من جرائم الحرب. وفي الوقت الذي يسود فيه الخوف من الاتهام بالسكوت على جرائم داعش حتى بين بعض منظمات حقوق الانسان العراقية، واللجوء الى الصمت ازاء جرائم النظام، خرجت منظمة ،هيومن رايتس ووتش، على عقلية القطيع، لتنتقد التقرير قائلة بانها وثقت ما ارتكبته داعش، بما في ذلك التعذيب، لكنها ترى ان سياسات الاقصاء من قبل الحكومة العراقية هي التي ساهمت في كل ما حصل وعبّرت عن اسفها لان القرار الخاص بالعراق سيكون احادي الجانب وغير متوازن، اذ قد يفشل في الزام جميع الاطراف بحماية المدنيين، وقدّ يفشل في تلبية الحاجة الى المساءلة عن الانتهاكات على ايدي الجماعات التابعة للحكومة. واكد، مركز جنيف الدولي للعدالة، وعدد من منظمات المجتمع المدني ان صمت المجتمع الدولي وخاصة الهيئات المنشاة بموجب معاهدات حقوق الانسان ادى الى الوضع الحالي. وطالب بضرورة التحقيق في جميع انتهاكات حقوق الانسان التي ارتكبت منذ عام 2003، وتقديم الجناة للعدالة بغض النظر عن هويتهم.

ان عامل التمييز والاقصاء هو سمة النظام الحالي واساس الكارثة المنسوجة نسجا بالفتنة الطائفية التي عمل الاحتلال على رعايتها حماية لمصالحه ومصالح من عملوا معه على مدى عقود. وهو العامل الذي ينخر النظام من الداخل ولكن على حساب المواطنين. ويؤكد بيان منظمة العفو الدولية، الصادر يوم الخميس، المخاوف من لجوء قوات النظام وميليشياته، الى الانتقام الجماعي من السكان، اذ قاموا بتدمير وحرق ونهب بيوت واعدام مجموعة من السكان فور دخولهم المدينة. مما يؤكد بأن سياسة "محاربة الارهاب" لم تعد غير غطاء تلتحف به الانظمة القمعية لتمارس الارهاب، وان التخلص الفعلي من الارهاب، بكل اشكاله، لن يتم بواسطة هذه الانظمة، كما لن يتم عبر المساومة على حقوق الانسان.

 

نشر المقال هنا

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :136,030,135

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"