نظرات في اتفاقية لوزان بين الشيطان الأكبر وشيطان الطّاق (*)‏

 إبراهيم الجاف

منذ ما يقرب من 36 سنة ، أي منذ قيام الدولة الفارسية الجديدة سنة (1979) بقيادة خميني، يتراشق، الشيطانان، الأكبر والأصغر، بأنتن العبارات، ويهاجم بعضهما البعض كأنّهما عدوان لدودان لا يمكن أن يلتقيا على مائدة أو طاولة يوما!

فهذا يسمّي الأميركان بالشيطان الأكبر، وذاك يسمّي إيران بمحور الشرّ!

ولو دققنا النظر في معنى الشيطان الأكبر ، فمعناه :إبليس الأبالسة ،أصل الضلالة والشرّ والإغواء .. الخ .

أمّا معنى محور الشرّ: فمعناه أنّ إيران وحكّامها ونظامها منبع الشرّ وأساسه، ومنها يتفرع الشرّ إلى بقية أماكن الدنيا !.

لكنّ يبدو أنّ الشيطانين: الأكبر والأصغر ـ إن لم يكن من أول الثورة الايرانية المشئومة كانا متفقتين ـ  قد لان بعضهما لبعض ، وراجعا مواقفهما تجاه الآخر ، واقتنعا بأنّهما ـ على الرغم من بعد المسافة ـ ذات رسالة واحدة ، وهدف وغاية واحدة ، وهي : تفتيت وحدة المسلمين ، وتدمير البنى التحتية لبلادهم ، والسيطرة على ثرواتهم وإمكانياتهم ، ومن ثمّ تقسيمها ، لكن تحت شعارات وعناوين عصريّة ، تبعد عنهما تهمة الاستعمار أو الاحتلال ، باستعمال  أذناب وأتباع لكل منهما، وبعد ذلك لكلّ حصّته ،وفق تفاهمات واتفاقات ، وللذكر مثل حظ الأنثيين !

وكان هذا التفاهم والتعاون على مبدأ المثل العراقي المشهور(شيلني أشيلك)!

دولة ولاية الفقيه الفارسية التي صُنِعَتْ على عين الدول الإمبريالية الكبري في القرن الماضي ، لم تكن محض صدفة ، ولا نتيجة ذكاء معممي الطائفة ، إنما صنعت بعناية وخطة دقيقة حيّرت حتى عقول كبار معممي الطائفة نفسها !

هل يمكن لمعمم أن يسقط أقوى نظام وأنتنه وأكثره عمالة للغرب الصليبي ، لولا أن يكون الأمر مبيَّتاً بليل !

نجح الغرب فيما فعل فعلا ، فالخميني ونظامه ودينه الجديد ، وتصدير ثورته ،قدّ مهدّ للغرب الصليبي ، والدولة المدللة (إسرائيل) للتمكين من رقاب  المسلمين والمنطقة ما لم يكونا يحصّلانه من ألف شاه وشاه بهلوي !

أما ترى ماذا فعل الصفصليون (الصفويون ،الصليبيون ، الصهاينة ) بالمسلمين معا بالعالم الإسلامي من : أفغانستان شرقا وإلى ليبيا غربا ، وكيف تعاونوا وكيف تفاهموا معا وكيف تقاسموا بلادنا وخيراتها ؟

نقل عن مسؤول إيراني رفيع المستوى: إن حروب الولايات المتحدة الأميركية في أفغانستان والعراق، زادت من أهمية إيران الجيوسياسية في المنطقة، بعد إزاحة حكم طالبان والبعث، أكبر عدوين لطهران.

ويقول اللواء يحيى رحيم صفوي، المستشار العسكري لمرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي إن "الولايات المتحدة الأميركية باءت بالهزيمة" في حربها على العراق وأفغانستان. واعتبر صفوي أن "إيران هي الرابح من تلك الحروب".

وفي معرض حديثه عن الوضع السوري، قال المستشار العسكري لخامنئي إن الولايات المتحدة، بمساعدة حلفائها، تحاول منذ (4) سنوات الإطاحة بحكومة بشار الأسد، غير أن إيران وروسيا أقامتا تحالفاً مضاداً، حال دون وصول الدول العربية، إلى أهدافهم.

وفي خطوة سريعة غير مسبوقة قدم مدير الاستخبارات الأميركية جيمس كلابر تقريرا إلى مجلس الشيوخ الأميركي، صدر في 26 شباط الماضي، ونشرته صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" حذف كلاً من إيران وحزب الله، من قائمة التحديات “الإرهابية” التي تواجه الولايات المتحدة!

فعلا إنّ الدول الصليبية ، قد أيقنت أنّ كل ما فعلتها من أجل مصلحتها ، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية ، أن إيران قد قوّضت مصالحها في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي ، وأنّها قد استثمرت غباءها ، وغباء أغبى رأس حكمها منذ تأسيسها ( أوباما ) لصالحها وصالح حلفائها وأذنابها وأهل دينها في المنطقة !

ولم تقف الدولة الساسانية ( الفارسيّة ) عند هذا الحد بل استغلت منذ تأسيس دولتها المشئومة في نهاية السبعينيات القرن الماضي ، غباء بعض الشعوب والدول الإسلامية ، وعلى رأسها بعض الشعوب العربية وحكّامها ، وجهل وبساطة بعضهم ( إلاّ من رحم ربّك وقليل ما هم ) للتمدد والتبشير وشراء الذمم بالأموال، وزرع البيوض، والزنادقة على طول بلاد الإسلام شرقا وغربا ، كورقة لاستعمالها وقت الحاجة ، وإنّ حال العرب والمسلمين كما وصفها سمّو الأمير (سعود الفيصل) قبل أيّام فعلا كحاله ، معلولة مريضة ، وقد أصاب !

حينها انتبه الغرب الصليبي ـ بعد ما أطلق يد صنيعه الفرس ـ أدرك أن هذا العبد الآبق ، بدأ يتعفرت عليه ،ويريد أن يكون ندّا أو بديلا عنه ، كما كان آباءه قبل الإسلام ، وعلى حد قول الشاعر:

فَيَا عَجَباً لمن رَبَّيْتُ طِفْلاً        ألقَّمُهُ بأطْراَفِ الْبَنَانِ

أعلِّمهُ الرِّماَيَةَ كُلَّ يوَمٍ          فَلَمَّا اسْتَدَّ ساَعِدُهُ رَمَاني

وَكَمْ عَلَّمْتُهُ نَظْمَ الْقَوَافي        فَلَمَّا قَال قَافِيَةً هَجَاني

أعلِّمهُ الْفُتُوَّةَ كُلَّ وَقْتٍ         فَلَمَّا طَرَّ شارِبُهُ جَفَاني

ومن يومئذ ، أرجع الصليبيون العبد الآبق إلى حالته الأولي ، فكبّلوه وقيّده وكسروا ظهره ، كي يعترف بالعبودية أمامهم ، وينحني لهم ، ويسمع ما يريدونه منه ، حتى يكون (عبدا) صالحا ، لا آبقا ، فصاح العبد وقال : توبة أيها الأرباب !

نعم يمكن الاتفاق بين العبد وسيّده وهذا ما حصل اليوم !

إنّ الغرب الصليبي جعل من هذا العبد بُعْبُعاً لتخويف العرب والمسلمين ، وما هو إلاّ صرصور ذو صوت عالي ، ذا جسد بالي ، لكن من يسمع صوته دون أن يرى جسده وحجمه ، لاشكّ من حقّه أن يخافه !

قد يتصور البعض أنّ التفاهم على اتفاقية ( لوزان ) يوم 2/ 4 / 2015م ، حصيلة أو بنت هذا اليوم ، أو قبل ذلك بأيام أو أسابيع !

لكن الحقائق تشير إلى غير ذلك ، حيث أنّ تفاهم الشيطان الأصغر مع الشيطان الأكبر كان يوم 26 نيسان 2010 م ، كما أكدّ الدكتور يورغن تودنهوفر عضو البرلمان الألماني السابق ، وأنّه شخصيا قام بهذه الوساطة والتفاهم بين الجانبين ( الأميركي والإيراني ) عن طريق حكومته ، وكان ذلك بطلب إيراني  .

وهذا الاتفاق والتفاهم مع الأميركان ، كما  نشر في  ثلاث صحف ألمانية هي (برلينر زايتونغ) و(فرانكفورت روندشو) و (كولنر ستاتنزايغر) يوم 6/10/2013 ، هي عبارة عن عرض إيراني ـ كما يذكر الدكتور الألماني المذكور ـ يتضمن ما يلي :

(( 1 – تقدم إيران ضمانات موثقة وحقيقية تتعهد فيها بعدم صنع القنبلة النووية، من بين تلك الضمانات التزام الحكومة الإيرانية بعدم تخصيب اليورانيوم لأكثر من نسبة 20% المخصصة للأغراض الطبية.

2 – الاستعداد للوصول إلى اتفاق مرض مع أميركا حول تقاسم مناطق النفوذ في الشرق الأوسط.

3 – استعداد إيران للمساهمة البناءة في إيجاد الحلول للصراع في أفغانستان والعراق !!!.

4 – الاستعداد للتعاون مع الولايات المتحدة الأميركية لمحاربة الإرهاب العالمي بأفكار وإجراءات ملموسة.

ويمضي عضو البرلمان الألماني السابق الدكتور تودنهوفر قائلا إن الورقة الإيرانية نصت على (إن إيران تريد السلام مع الولايات المتحدة) وان إيران طلبت أن تكون المفاوضات مع الأميركان على أعلى مستوى وعلى أساس الندية وبعيدا عن الصخب الإعلامي الأميركي، كما اقترحت أن يكون وزير العدل الألماني السيد (شوبل) هو الوسيط لترتيب هذه المفاوضات )).

لذا تبجح كل من الشيطانين بوصف الإتفاقية ، بأنها بنّاءة وتاريخية ومهمّة ، تجنّب كلا الطرفين الحرب !

إنّ هذا الاتفاق إن كُتِبَ له النجاح ، وخُفِّفَتْ حقّاً العقوبات على نظام الملالي ، وحصلت إيران على أموال لازمة ، وانتعشت نسبيّا، وأمنت من العدو الخارجي ، فسوف يدفع هذا العبد المتعفرت  للاستعلاء على دول المنطقة واستذلالها ، ونشر مزيد من الفوضى والفتن والدمار فيها ،واستغلال الوضع القادم ، وربما غزو بعضها مباشرة أو بالنيابة عن طريق عملائها في المنطقة ، كما صرّح رئيس مجلس النواب الأميركي مباشرة بعد الاتفاقية وقال:

إنّ طهران ستستغلّ تخفيف العقوبات الاقتصادية لزعزعة استقرار المنطقة !

لكنني لا زلت أشك في الحقيقة في نجاح هذه الاتفاقية لأمور :

1 ـ إنّ هناك فرصة كبيرة لإحداث هوة أو فجوة كبيرة بين الطرفين ، لأنّ تمديد المفاوضات أو تأخير ها  إلى شهر أيلول القادم ليس لصالح إيران .

2 ـ أنّ الغرب ربما لا يقف عند هذا السقف أو الحدّ من المطالب ، بل سيفرض على دولة ولاية الفقيه مطالب أخرى ، كالمطالبة بمنظومات الصواريخ البالستية ، والعابرة للقارات وغيرها من الأسلحة الثقيلة ، كما فعلت ذلك مع العراق ، في سلسلة من الإجراءات ، تجعل إيران فعليا تحت وصاية دولية لمدة ( 15 ) سنة قادمة ، وحينئذ لكل حادث حديث .

3 ـ إذا اتحدّت الدول العربية أو بعضها ضدّ هذا المشروع ، وتحدّت الطيران وراء الغراب الأميركي أوباما !

4 ـ أمن إسرائيل أولوية الغرب في الشرق الأوسط ، كيف يأمن اليهود من الصرصور الذي ( ولو مزاحا ) يدّعي أنّه يمسح إسرائيل من الخارطة ] يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (4) [ المنافقون .

فقد وصف رئيس وزراء اليهود نتنياهو الإتفاق بأنه "يهدد أمن إسرائيل".

وقال مسؤول آخر إنّ الإتفاق خطأ تاريخي .

لا سيّما وأن أوباما قد صرّح أثناء كلمته بأنّ الإتفاق مع إيران لم يبدد المخاوف بشأن دعم إيران للارهاب !!!.

5 ـ إنّ العقليّة المتشنجة والعدائية والاستعلائية والإستكبارية التي تعود عليها المرشد الفارسي ومرجعياته منذ ما يقرب من أربعة عقود ـ خاصّة بعد سقوط بغداد ـ قد تجعل من عالي الاتفاقية سافلها أية لحظة من اللحظات ، حيث أنّ تلك المرجعيات لا زالت تتظاهر بعداء الغرب ، وتؤمن بامتلاك الأسلحة النووية ، كما أنّ تلك الإتفاقية سوف ( تُسخّم ) وجوههم أمام الجمهور الإيراني، وتقلل من قيمتهم وشأنهم في المستقبل إن أذعنوا لهذه الاتفاقية، إن لم يتجرّع المرشد والمرجعية جرعة سمٍّ أخرى ، كما تجرّعها مرشدهم السابق الخميني على أيدي العراقيين !

 

* شَيْطَانُ الطَّاقِ، هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ النُّعْمَانِ، أَبُو جَعْفَرٍ الْكُوفِيُّ الْمُتَكَلِّمُ الْمُعْتَزِلِيُّ الشِّيعِيُّ، [الوفاة: 171 - 180 هـ]وَالرَّافِضَةُ تَنْتَحِلُهُ تُسَمِّيهِ مُؤْمِنُ الطَّاقِ.

كَانَ صَيْرفِيًّا بِالْكُوفَةِ بِطَاقِ الْمَحَامِلِ، اخْتَلَفَ هُوَ وَصَيْرَفِيٌّ فِي نَقْدِ دِرْهَمٍ، فَغَلَبَهُ هَذَا وَقَالَ: أَنَا شَيْطَانُ الطَّاقِ، فَلَزِمَتْهُ !.

وهو الذي ابتدع أكذوبة أن الإمامة معهود بها إلى أشخاص بأعيانهم، ولم يكن أحد يقول بذلك قبل شيطان الطاق هذا، وأنكرها عليه الإمام زيد في مجلس جعفر الصادق رحمهما الله .

(مقتبس من عدد من المصادر التاريخية) .

 

نشر المقال هنا

 

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :136,040,146

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"