إشكالية الولاء في #العراق !‏

جاسم الشمري

مسألة الولاءات والتأييد، أو المعارضة لهذا الطرف الفاعل في المشهد العراقي، أو ‏ذاك تُعدُّ من الأبواب المهلكة، التي يمكن بموجبها اتهام الآخرين بالإرهاب، ونفي ‏الوطنية عنهم، وإلباسهم ثوب الخيانة والعِمالة، وغالباً ما تكون قضية محاولة معرفة ‏هذه المواقف صادرة من الطرف، الذي يملك القوة على الأرض من جميع القوى ‏الفاعلة.‏

 

 

اليوم، وفي ظل الصراع العنيف المستمر في العراق بين القوات الحكومية المدعومة ‏بميليشيات الحشد الشعبي من جهة، وبين مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية من جهة ‏أخرى، نجد أن غالبية المواطنين العراقيين- في ظل هذه الضغوط الولائية- في حيرة ‏من أمرهم، لأنهم- في الواقع- يميلون لكفة العراق، لا لأية كفة أخرى.‏

في ضوء هذه التناقضات، والحيرة الفكرية للمواطن العراقي، نستغرب بعض ‏التصريحات، التي يطلقها بعض السياسيين المشاركين في العملية السياسية، ‏وخصوصاً منذ تشكيل مليشيات الحشد الشعبي في حزيران الماضي، وكانت مجمل ‏تصريحاتهم تركز على أن (منْ لم يكن مع الحشد الشعبي فهو مع داعش)!‏

وهذا الكلام، أو الفهم، فيه الكثير من الظلم والتجني والتسلط القانوني الذي يُستخدم ‏للضغط على المواطنين لتحقيق ولاء مزيف لا يمكن أن يخدم الوطن، لأن الولاء ‏النقي يتحقق بإرادة ذاتية، نابعة من القلب والوجدان، لتقديم أفضل الامكانيات للوطن ‏والأمة.‏

قراءة الواقع العراقي يمكنها أن تفرز ثلاث قوى فاعلة على الأرض، هي: القوات ‏الأمنية والعسكرية الحكومية بكافة صنوفها، التي تأتمر بأوامر القائد العام للقوات ‏المسلحة، ورئيس الحكومة حيدر العبادي، والقوة الثانية، هم مقاتلو تنظيم الدولة ‏الإسلامية (داعش)، وأخيراً مقاتلو تنظيم الدولة الإسلامية الشيعية (داحش)، والتي ‏تأتمر بأوامر النائب هادي العامري، مسؤول منظمة بدر، وهذه القوى هي المتحكم ‏الأبرز في مجريات الأحداث، إذ إنها تملك المال والسلاح والرجال والتسلط في ‏المناطق المتغولة فيها.‏

هنا لابد من التمييز الدقيق بين هذه الأطراف، وهذا التفريق يجبرنا على تحديد ‏الطرف، الذي سيقف معه غالبية العراقيين، ومن جميع مكوناتهم، وهذا الطرف ينبغي ‏أن يتصف بصفات محددة ودقيقة، وعليه يمكن القول إن غالبية العراقيين مع: ‏

‏1- كل من لا يسفك الدماء، ويؤمن بقدسية النفس البشرية، سواء أكانت هذه النفس ‏مسلمة، أم غير مسلمة.‏

‏2- العراقيون مع كل من لا يستبيح أعراض المواطنين وشرفهم تحت أية ذريعة، أو ‏مسمى ديني أو عرفي أو قانوني.‏

‏3- هم ليسوا مع المليشيات الإرهابية، ويعتبرون هذه المليشيات- بكافة صنوفها ‏ومسمياتها- خارجة عن القانون.‏

‏4- هم مع كل من لا يستبيح أموال المواطنين العامة والخاصة، لأنها أموال معصومة ‏لا يحق لأحد الاقتراب منها.‏

‏5-  هم يتبعون كل من لا يدنس معتقدات الطرف الآخر أو الأضعف أو الأقل نسبة، ‏ويعتقدون بمبدأ (لكم دينكم ولي دين)، ويوالون كل من يعتقد بحق المواطنين الآخرين ‏في العيش على أرض الوطن، دون النظر إلى دينهم ومذهبهم وعرقهم.‏

‏6. هم مع كل من يحب العراق ويحافظ على وحدته وسلامة أرضه من التدخلات ‏الخارجية، ومع من يعتقد أن الولاءات الخارجية خيانة للوطن وتدمير له.‏

كل مبادئ وقيم الولاء- آنفة الذكر- التي يحلم بها المواطن يمكن للدولة النظيفة ‏السليمة تحقيقها، عبر سيادة القانون، ونزع السلاح من يد العناصر الخارجة عن ‏القانون، وبناء أجهزة أمنية قوية قادرة على حفظ الأمن، وكذلك سن القوانين البناءة ‏القائمة على احترام حقوق المواطنة، والرافضة لأي معيار آخر سوى معيار المواطنة، ‏الذي يُعد من أفضل المعايير القابلة للتطبيق في كل زمان ومكان.‏

الموقف الواضح من جميع هذه القوى الفاعلة في الميدان هو أن المواطن العراقي ميّال ‏بطبعه للدولة، التي يعتقد أنها تحترمه وتحفظ كرامته، وتؤمِّن له المستلزمات ‏الضرورية للحياة، وهذا ما لا يجده اليوم في الدولة الحالية، وعليه ستستمر حيرة ‏المواطن، الذي يشعر أنه فقد البوصلة الراشدة لميادين الأمان والحرية والكرامة.‏

 

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :136,039,085

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"