التنوع العرقي والديني والمذهبي في العراق هو جزء من خارطة الوطن المطرزة بهذه الألوان البهية من أقصى الجنوب حيث البصرة الفيحاء إلى الشمال، حيث جبال شمالنا الحبيب تعانق السماء.
وفي لحظة التأمل في هذه اللوحة الجميلة المتناسقة حاول بعض السياسيين (العراقيين) اقحام الطائفية - التي تعد من أخطر الأوبئة الفتاكة - في جسد البلاد، في مرحلة ما بعد 2003.
التعايش بين العراقيين ليس كذبة ولا مزحة، بل هو حقيقة، تشهد بها مناطق الامتزاج السكاني، ففي الشارع الواحد تجد الكردي بجوار العربي، والشيعي متصاهر مع السني، وبالعكس، وهكذا في كل جوانب التعايش الأخرى، وعليه فان (داء الطائفية) يُعد من الظواهر الجديدة التي طفحت على السطح في المشهد العراقي.
وفي ظل أوضاع بلاد الرافدين الحالية المتشابكة، صرنا نسمع من بعض المحبين استفسارات دقيقة عن قضايا شائكة، ومنها ظاهرة الطائفية بين الشيعة والسنة، وهل هي حالة متجذرة في المجتمع، أم أنها طارئة تنتهي بانتهاء العوامل المسببة لها؟!
العراقيون تعايشوا بكافة طوائفهم وقومياتهم على مدى مئات السنين، ولم نقرأ أو نسمع عن شرخ اجتماعي نتيجة العوامل الدينية بينهم، وهذا ما تشهد به كتب التاريخ القديمة والحديثة، التي تؤكد التناغم والانسجام والانصهار في بودقة المجتمع الواحد.
ولبيان طبيعة ونشأة وحقيقة الطائفية في بلاد الرافدين، سنتناول هذه الظاهرة وفقاً للمراحل الآتية:
- المرحلة الأولى: يمكن القول إنها بدأت في ثمانينيّات القرن الماضي، وبالتحديد في مرحلة الحرب العراقية - الإيرانية، ويمكن تسميتها مرحلة ( بالون الاختبار المذهبي).
في هذه المرحلة كان غالبية العراقيين - بجميع طوائفهم وأديانهم ومذاهبهم - يتمنون الموت لإيقاف المد الإيراني (الشيعي)، الذي كان يستهدف كل من يقف بالصف المقابل بغض النظر عن كونه عربياً أم كردياً، مسلماً أم مسيحياً، سنياً أم شيعياً.
- المرحلة الثانية، وتبدأ منذ تسعينيّات القرن الماضي وحتى مرحلة الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003، ويمكن تسميتها بمرحلة (انبات الطائفية في تربة المجتمع)، والتي برزت بصورة واضحة مع أعمال الغدر، التي مارستها (المعارضة العراقية) حينها، والمنطلقة من داخل الأراضي الإيرانية، والتي استغلت حالة الفلتان الأمني نتيجة انهيار المنظومة العسكرية العراقية، وانسحابها غير المنظم من الأراضي الكويتية، نتيجة الضربات الدولية القاسية ضدها.
هذه العناصر القادمة من إيران حاولت أن تُلبس هجومها على القوات الحكومية ثوب الطائفية الشيعية تحديداً، وأسموها (الانتفاضة الشعبانية)، التي أنهتها الدولة حينها بقتل واعتقال وهزيمة غالبية المشاركين فيها.
هذا (التمرد) كان – فيما بعد - الأرضية لزراعة السموم الطائفية في التربة العراقية الخصبة نتيجة الآثار القاتلة للحصار والعقوبات الدولية.
- المرحلة الثالثة: وتمتد من عام 2003 وحتى يومنا الحاضر، ويمكن تسميها بمرحلة (قطف ثمار المرحلة الثانية)، حيث إن هنالك العديد من الأطراف السياسية، التي لها أهدافاً استراتيجية وحزبية وشخصية تحاول سحب المجتمع إلى ضفة الطائفية، ظناً منها أن العزف على هذا الوتر سيزيد من الانقسام المجتمعي، وبالتالي يمكن التحكم بالجماهير والسير بها لأية وجهة يريدونها.
هذه المخططات الشريرة – إن نُفذت على أرض الواقع، أو قُدر لها النجاح- يمكن أن تكون نتائجها تدميرية تخريبية، لكن السؤال هل نجح هؤلاء في مسعاهم التدميري؟!
لا شك أنهم حققوا بعض النجاحات نتيجة الالحاح الإعلامي والسياسي، لكنهم لم يتمكنوا من النجاح إلى درجة أن نرى الطائفية كظاهرة واضحة في الشارع العراقي، وذلك للأسباب الآتية:
- طبيعية الشخصية العراقية الحكيمة والودودة والنقية، التي لا تعرف الحقد والكراهية.
- قناعة غالبية شيعة العراق أن هنالك مؤامرة تقاد ضدهم بحجة الدفاع عن المذهب.
- البعد العشائري والعلاقات الاجتماعية السابقة جعلت من إمكانية فتح أبواب الخلاف بين الطوائف صعب جداً.
- وجود قيادات اجتماعية وسياسية وإعلامية عاقلة بينت للجمهور حقيقة هذه المؤامرة.
كل هذه الأسباب وغيرها ساهمت في دحر وإفشال المشروع الطائفي الغريب عن الروح العراقية الأصيلة.