#العراق والطائفية

جاسم الشمري

التنوع العرقي والديني والمذهبي في العراق هو جزء من خارطة الوطن المطرزة بهذه الألوان ‏البهية من أقصى الجنوب حيث البصرة الفيحاء إلى الشمال، حيث جبال شمالنا الحبيب تعانق ‏السماء.‏

 

 

وفي لحظة التأمل في هذه اللوحة الجميلة المتناسقة حاول بعض السياسيين (العراقيين) اقحام ‏الطائفية - التي تعد من أخطر الأوبئة الفتاكة - في جسد البلاد، في مرحلة ما بعد 2003. ‏

التعايش بين العراقيين ليس كذبة ولا مزحة، بل هو حقيقة، تشهد بها مناطق الامتزاج السكاني، ‏ففي الشارع الواحد تجد الكردي بجوار العربي، والشيعي متصاهر مع السني، وبالعكس، وهكذا ‏في كل جوانب التعايش الأخرى، وعليه فان (داء الطائفية) يُعد من الظواهر الجديدة التي طفحت ‏على السطح في المشهد العراقي.‏

وفي ظل أوضاع بلاد الرافدين الحالية المتشابكة، صرنا نسمع من بعض المحبين استفسارات ‏دقيقة عن قضايا شائكة، ومنها ظاهرة الطائفية بين الشيعة والسنة، وهل هي حالة متجذرة في ‏المجتمع، أم أنها طارئة تنتهي بانتهاء العوامل المسببة لها؟!‏

العراقيون تعايشوا بكافة طوائفهم وقومياتهم على مدى مئات السنين، ولم نقرأ أو نسمع عن شرخ ‏اجتماعي نتيجة العوامل الدينية بينهم، وهذا ما تشهد به كتب التاريخ القديمة والحديثة، التي تؤكد ‏التناغم والانسجام والانصهار في بودقة المجتمع الواحد.‏

ولبيان طبيعة ونشأة وحقيقة الطائفية في بلاد الرافدين، سنتناول هذه الظاهرة وفقاً للمراحل ‏الآتية:‏

‏- المرحلة الأولى: يمكن القول إنها بدأت في ثمانينيّات القرن الماضي، وبالتحديد في مرحلة ‏الحرب العراقية - الإيرانية، ويمكن تسميتها مرحلة ( بالون الاختبار المذهبي).‏

في هذه المرحلة كان غالبية العراقيين - بجميع طوائفهم وأديانهم ومذاهبهم - يتمنون الموت ‏لإيقاف المد الإيراني (الشيعي)، الذي كان يستهدف كل من يقف بالصف المقابل بغض النظر عن ‏كونه عربياً أم كردياً، مسلماً أم مسيحياً، سنياً أم شيعياً.‏

‏- المرحلة الثانية، وتبدأ منذ تسعينيّات القرن الماضي وحتى مرحلة الاحتلال الأميركي للعراق ‏عام 2003، ويمكن تسميتها بمرحلة (انبات الطائفية في تربة المجتمع)، والتي برزت بصورة ‏واضحة مع أعمال الغدر، التي مارستها (المعارضة العراقية) حينها، والمنطلقة من داخل ‏الأراضي الإيرانية، والتي استغلت حالة الفلتان الأمني نتيجة انهيار المنظومة العسكرية العراقية، ‏وانسحابها غير المنظم من الأراضي الكويتية، نتيجة الضربات الدولية القاسية ضدها.‏

هذه العناصر القادمة من إيران حاولت أن تُلبس هجومها على القوات الحكومية ثوب الطائفية ‏الشيعية تحديداً، وأسموها (الانتفاضة الشعبانية)، التي أنهتها الدولة حينها بقتل واعتقال ‏وهزيمة غالبية المشاركين فيها.‏

هذا (التمرد) كان – فيما بعد - الأرضية لزراعة السموم الطائفية في التربة العراقية الخصبة ‏نتيجة الآثار القاتلة للحصار والعقوبات الدولية.‏

‏- المرحلة الثالثة: وتمتد من عام 2003 وحتى يومنا الحاضر، ويمكن تسميها بمرحلة (قطف ‏ثمار المرحلة الثانية)، حيث إن هنالك العديد من الأطراف السياسية، التي لها أهدافاً استراتيجية ‏وحزبية وشخصية تحاول سحب المجتمع إلى ضفة الطائفية، ظناً منها أن العزف على هذا الوتر ‏سيزيد من الانقسام المجتمعي، وبالتالي يمكن التحكم بالجماهير والسير بها لأية وجهة يريدونها.‏

هذه المخططات الشريرة – إن نُفذت على أرض الواقع، أو قُدر لها النجاح- يمكن أن تكون ‏نتائجها تدميرية تخريبية، لكن السؤال هل نجح هؤلاء في مسعاهم التدميري؟!‏

لا شك أنهم حققوا بعض النجاحات نتيجة الالحاح الإعلامي والسياسي، لكنهم لم يتمكنوا من ‏النجاح إلى درجة أن نرى الطائفية كظاهرة واضحة في الشارع العراقي، وذلك للأسباب الآتية:‏

‏- طبيعية الشخصية العراقية الحكيمة والودودة والنقية، التي لا تعرف الحقد والكراهية.‏

‏- قناعة غالبية شيعة العراق أن هنالك مؤامرة تقاد ضدهم بحجة الدفاع عن المذهب.‏

‏- البعد العشائري والعلاقات الاجتماعية السابقة جعلت من إمكانية فتح أبواب الخلاف بين ‏الطوائف صعب جداً.‏

‏- وجود قيادات اجتماعية وسياسية وإعلامية عاقلة بينت للجمهور حقيقة هذه المؤامرة.‏

كل هذه الأسباب وغيرها ساهمت في دحر وإفشال المشروع الطائفي الغريب عن الروح العراقية ‏الأصيلة.‏

 

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :135,626,704

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"