#سيناء 2015 .. حقائق وأكاذيب وأسرار

محمد سيف الدولة

اصبح من طقوسنا السنوية، في نيسان/ أبريل من كل عام، ان ننبرى جميعا للحديث عن سيناء وتاريخها وتحريرها وبطولاتها، حتى اذا انقضت المناسبة، قمنا بإعادة الملف بكل تعقيداته ومشاكله المزمنة الى الأدراج، ليظل هناك عاما كاملا، مهملا منسيا، الى أن نتذكره مرة اخرى في العيد التالي، ما لم يقطع الصمت، كارثة جديدة.

 

 

ولقد شهدت سيناء في العام المنصرف ولا تزال، جرعة مكثفة من الكوارث، أعقبتها حزم من القرارات والاجراءات، المصحوبة بكثير من الحكايات والتحليلات والإدعاءات، مما خلق حالة عامة من الخوف والقلق والغموض والالتباس، تحتم معها ان نحاول جميعا المشاركة في فك طلاسمها.

***

أولا - الحقائق

ترزح سيناء، ومعها كل مصر، تحت نير القيود العسكرية، التي فرضها علينا الصهاينة والأميركان في المادة الرابعة من اتفاقية السلام المصرية/ الاسرائيلية الموقعة عام 1979، والتي بموجبها يحظر على مصر نشر اكثر من 22 الف جندى في المنطقة (أ) بجوار قناة السويس وعرضها 58 كيلومتر، وما لا يزيد عن 4000 عسكري حرس حدود في المنطقة (ب) في وسط سيناء وعرضها 109 كيلومتر، كما يحظر وجود أي قوات مصرية في المنطقة (ج) بجوار فلسطين (اسرائيل) وعرضها 33 كيلومترا، اذ مسموح لنا فيها بقوات شرطة (بوليس) فقط. اما على الجانب (الاسرائيلي) فيحظر نشر أي دبابات في المنطقة (د) بطول الحدود المصرية مع الكيان الغاصب، وعرضها لا يتعدى 3 كيلومترات. لتصبح اقرب دبابة (اسرائيلية) على بعد 3 كيلومتر من الحدود المصرية، في حين تبعد اقرب دبابة مصرية عن نفس النقطة 150 كيلومتراً، في انحياز فاضح وخطير وغير مسبوق للامن القومي الصهيوني على حساب الامن القومي المصري.

أضف الى ذلك القوات الاجنبية المسماة بالقوات متعددة الجنسية MFO، التي تم نشرها في سيناء لتراقبنا، وعددها حوالي 2000 عسكري، ما يقرب من نصفهم قوات أميركية، والباقى من دول حلف الناتو وحلفائهم. وهى قوات لا تخضع للامم المتحدة، وانما لوزارة الخارجية الأميركية، ومديرها الحالي هو ديفيد ساترفيلد الذى شغل منصب القائم باعمال السفير الأميركى في مصر بعد آن بترسون، في دلالة هامة على حقيقة وطبيعة وانحيازات هذه القوات. 

وهذه الترتيبات هي الذى جرَّدت مصر من السيادة الكاملة على سيناء، واضعفت من قبضة الدولة المصرية وشرعيتها هناك، وفتحت الابواب على مصراعيها لكل انواع الاختراق والتجسس والارهاب والتهريب، بالاضافة الى بروز انتماءات وشرعيات بديلة وموازية، بشكل لم يحدث او يتكرر في أي بقعة اخرى في مصر.

فحتى  في ظل الانفلات الامني الذى ضرب ربوع مصر كلها بعد الثورة، لم يحدث ان وقع كل هذا العدد من القتلى في صفوف الشرطة والجيش في أي مكان آخر. لأن سيناء وحدها هى التي تعاني من قيود كامب ديفيد العسكرية والامنية.

***

ثانيا - الاكاذيب

1)  التنمية:

على امتداد اكثر من 30 عاما، كان رجال السلطة وخبراؤها من العسكريين والاستراتيجيين يدَّعون، في سياق دفاعهم عن اتفاقية السلام، انه لم يكن في بالإمكان ابدع مما كان، وانه لا ضرورة لإلغائها او تعديلها، وان البديل هو تنمية سيناء، وان هناك مشروعات كبرى تنوي الدولة تنفيذها هناك، وانها خصصت لها مليارات الجنيهات. ثم لا يحدث شيئا.

بينما الحقيقة التي يعلمونها جميعا ولكنهم يخشون مصارحة الرأي العام بها، هو استحالة التنمية في غياب سيادة الدولة الكاملة وحمايتها. استحالة التنمية في ظل قيود كامب ديفيد الحالية. فكيف تبني مصانع ومزارع ومناجم ومدن وتعمرها بالناس وانت عاجز عن حمايتها وحمايتهم؟ لا يوجد عاقل يمكن ان يقدم على ذلك. ولنا في مدن القناة عبرة كبيرة، حين قامت الدولة بتهجير اهاليها بعد 1967، حتى لا يكونوا رهينة تحت قصف العدو الصهيوني المستمر، في ظل غياب دفاع جوي فعال.

***

2)   الفلسطينيين يطمعون في استيطان سيناء:

هذه واحدة من اكثر الاكاذيب انتشارا وترويجا في الفترة الاخيرة، بهدف تبرير الانحياز المصري الرسمى للكيان الصهيوني في حصاره واعتداءاته على الفلسطينيين في غزة، وايضا لتبرير التنسيق والتقارب المصري الصهيوني غير المسبوق في مواجهة "العدو المشترك" المتمثل في الارهاب الفلسطيني (المقاومة). فاستيطان الفلسطينيين لسيناء هو مشروع صهيوني رفضته كل الاطراف المصرية والفلسطينية بدون استثناء. كما ان الذين يرفضون التنازل عن اراضيهم التاريخية (فلسطين 1948) للعدو المحتل ويرفضون الاعتراف بشرعيته ويقاتلونه ويقدمون شهداء بالالاف دفاعا عن اراضيهم ومواقفهم، لا يمكن ان يستبدلوا اوطانهم بأية اراض اخرى في مصر او غيرها.

***

3)   مصر تحررت من قيود كامب ديفيد:

يشيع البعض نفاقا وتضليلا ان الادارة المصرية الحالية قد تمكنت من التحرر من القيود العسكرية المذكورة في أعلاه، بدليل وجود قوات مصرية اضافية الان في سيناء تكافح الارهاب.

وهو كلام عار من الصحة تماما، فهم يعلمون جيدا ان نشر أي قوات مصرية اضافية في سيناء يتطلب استئذان الكيان المحتل وموافقته على اعداد القوات وتسليحها وأماكن انتشارها وطبيعة مهماتها وموعد انسحابها.

بالإضافة الى أن كل الموافقات الصهيونية تخص وتتعلق بالقوات المصرية على الحدود المصرية الغزاوية التي لا تتعدى 14 كيلومتر،وليس بباقى الحدود المصرية الفلسطينية (الاسرائيلية) البالغة اكثر من 200 كيلومتر.

***

4)   المنطقة العازلة والأنفاق ومعبر رفح :

يدعون ((ان الفلسطينيين هم الذين يهددون امن مصر القومي، بعناصرهم الارهابية أو بالسلاح الذى يهربونه الى ارهابيي سيناء عبر الانفاق، وهو ما يستدعى تدميرها عن بكرة أبيها، بكل ما يستلزمه ذلك من اجراءات بما فيها اخلاء الحدود من السكان واقامة منطقة عازلة. كما انه لا يمكن لأي دولة محترمة ان تسمح باختراق سيادتها بأنفاق غير شرعية لحدودها)).

لن نرد عليهم بأنه لو كانت مصر لا تزال تقود معارك تحرير فلسطين والامة العربية، من الكيان الصهيوني المسمى بـ (اسرائيل)، لكانت الانفاق هى احد ادوات المقاومة المصرية الفلسطينية المشتركة ضد قوات الاحتلال وضد التواطؤ الدولي لحصار المقاومة وحظر تسليحها...

لن نرد بذلك، لأنهم سيتحججون بأنه بعد انسحاب مصر من الصراع العربي الصهيوني وتوقيعها معاهدة صلح مع (اسرائيل)، تلزمها وتجبرها في مادتها الثالثة على منع وتجريم أي اعمال عدائية ضد (اسرائيل) من الاراضي المصرية، فانه يجب تدمير الانفاق.

ولكن رغم حججهم تلك، بل وبافتراض صحتها، فان ما يقولونه لا يزال يقع تحت باب الكذب والتضليل، لعدة أسباب، اولها انه على من يريد الدفاع عن الامن القومي المصري ولو على نهج كامب ديفيد ومن منظورها البائس، عليه ان يدمر الانفاق تحت الارض مع فتح معبر رفح فوق الارض، لحركة الاهالي والبضائع بشكل طبيعي وقانوني كما هو متبع في المعابر المصرية الأخرى كمعبر السلوم مثلا.

أما أن يتم تدمير الانفاق مع اغلاق المعبر في ذات الوقت، فهو ليس حماية للامن القومي المصري، بقدر ما هو حماية لأمن العدو الصهيوني، والتزاما بالاتفاقية الظالمة، المجهولة للكثيرين، المسماة باتفاقية فيلادلفيا والموقعة بين مصر و(اسرائيل) عام 2005، من أجل حصار غزة ومراقبتها.

كما أن اخلاء الحدود المصرية من السكان، وانشاء منطقة أمنية عازلة، هو مطلب صهيوني قديم سبق ان رفضه مبارك نفسه الذى وصفه الصهاينة بأنه كنزهم الاستراتيجي. وهو اجراء خطير يهدد امن مصر واستقلال سيناء، في مواجهة عدو توسعي دأب، على امتداد قرن من الزمان، على اغتصاب واستيطان أي أراضٍ عربية خالية. وهو ما سبق أن فصلناه في دراسة سابقة بعنوان ((اخلاء سيناء مطلب اسرائيلي)).

***

5)   أنصار بيت المقدس أو ولاية سيناء:

من ناحية أخرى، فان الجماعات الإرهابية، التي تدَّعى كذبا وتضليلا انها تنطلق من مرجعيات دينية لتحرير القدس، فاننا نكاد نقطع بصلتها الوثيقة بـ(إسرائيل)، مباشرة او اختراقا. وأوضح ما يكشفها انها توجه سلاحها الى الداخل المصري وليس الى العدو الذى لا تبعد عنها سوى أمتارا قليلة. لأن من يملك القيام بعمليات بهذا الحجم والكفاءة والقوة والجرأة، لماذا لا يفعلها مع قوات الاحتلال الصهيونية؟!

ومن يرد بأن السلطات المصرية لن تسمح بذلك. نقول أن هذه حجة متهافتة لأن هذه الجماعات لا تتحرك وفقا للمسموح والمحظور من قبل الدولة.

ومن يرد، بأن الجيش هو الذي بدأ بالإرهاب، وانهم يقاتلونه ردا وانتقاما من أعمال القتل العشوائي الذى قام به ضد الأبرياء من اهل سيناء. نرد عليه بأن اول عملية ارهابية تمت في اغسطس 2012 قبل أي عمليات للقوات المسلحة هناك.

ان من يسمون أنفسهم (أنصار بيت المقدس) او (ولاية سيناء)، يتماثلون مع "داعش" واخواتها الذى يوجهون رصاصهم الى مواطنيهم من العرب في العراق وسوريا وليبيا واليمن وليس الى القوات الأميركية او الصهيونية.

وان كانت "داعش" و"القاعدة" من صناعة الاستخبارات الأميركية والاوروبية، فان "انصار بيت المقدس" و"ولاية سيناء" من صناعة اجهزة الاستخبارات الصهيونية بامتياز.

 *****

 ثالثا - الاسرار

هناك كثير من الأسرار، المحجوبة عن الرأي العام المصري منذ عقود طويلة، كان اشهرها بنود وتفاصيل اتفاقية السلام ذاتها، التى دُعِّي الشعب للاستفتاء عليها عام 1979 بدون ان تعرض عليه وثائقها. بالإضافة الى عديد من الملاحق والاتفاقيات والترتيبات التي لا نعلم عنها شيئا حتى يومنا هذا، ما لم يتم تسريبها عبر وسائل الاعلام العبرية او الأميركية.

واليوم أضيف الى ترسانة الاسرار المصرية الصهيوونية الأميركية المشتركة، ملفات وأسئلة جديدة لا نعلم عنها شيئا هى الأخرى، ومنها على سبيل المثال وليس الحصر:

ما هى نصوص وطبيعة التفاهمات المصرية (الاسرائيلية) الأخيرة، والتي سمحت (اسرائيل) بموجبها للادارة المصرية بإدخال بعض القوات الاضافية؟ وما هو المقابل؟

وما هى حدود التنسيق والتعاون الامنى المشترك، الذى دفع القادة الصهاينة ووسائل الاعلام الصهيونية الى الحديث عن حميمية غير مسبوقة في العلاقات المصرية مع الكيان الغاصب، وصلت الى حد قيام اللوبى الصهيونى في أميركا بقيادة منظمة "الإيباك" بالضغط على الكونغرس والادارة الأميركية لاسئتناف المساعدات العسكرية الأميركية لمصر؟!

ما صحة بعض التصريحات والتسريبات الصهيونية بأن المعاهدة قد تم تعديلها بالفعل دون اعلان ذلك للرأي العام؟ وان صحَّت فما هى التعديلات الجديدة التي أدخلت عليها؟

من هى الجهات الحقيقية التي تقف وراء العمليات الارهابية؟ وما هو دور اجهزة استخبارات العدو فيها، خاصة أن سواحل سيناء على خليج العقبة مفتوحة لأي سائح صهيوني لمدة اسبوعين بدون تأشيرة عبر منفذ طابا، ناهيك عن الحدود الطويلة المشتركة محرومة، بموجب المعاهدة، من وجود وحماية قوات حرس الحدود المصري، الا بما تأذن وتجود به (اسرائيل)؟!

ما هى طبيعة وتفاصيل ونتائج وآثار العمليات العسكرية في سيناء؟ وما هو حجم وعدد وأسماء القتلى من الارهابيين او من الضحايا المدنيين الأبرياء من الاهالى؟ وملابسات ووقائع مقتل كل منهم بالتفصيل؟

وما حقيقة ما يشاع من ان هدم المنازل وسقوط الأبرياء، أنشأ حالة تعاطف من الاهالي مع الارهابيين، مما قد يسفر عن خلق حاضنة شعبية لهم؟

ما هو السر وراء تغير وانقلاب موقف "السيسى" 180 درجة فيما يتعلق بإجراءات اخلاء المنطقة الحدودية وهدم منازلها وتهجير أهاليها، وهى الاجراءات التي سبق وحذر هو نفسه منها ومن آثارها المدمرة؟

كيف تنجح الجماعات الارهابية في تكرار عملياتها واعتداءاتها، رغم حظر التجوال والمنطقة العازلة وكل هذه التحصينات التي حولت شمال سيناء كلها الى ثكنة عسكرية؟ 

***

وفي الختام، نلقاكم باذن الله في حديث جديد عن سيناء في نيسان 2016، ان عشنا وكان لنا عمر.

 

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :136,048,227

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"