ماذا وراء المواقف الأميركية؟!

ضرغام الدباغ

قبل كل شيء لابد من القول، في السياسة ولا سيما عند الغرب، وحتى الشرق الآن، إنه لا يوجد شيء أسمه ‏صحوة أو ضمير أو أخلاق، وما جرى للعراق كان وما يزال يحدث مع سبق الإصرار والترصد، ‏مخطط له حتى في أدق تفاصيله، وكل شيء يدور تحت التسجيل والتوثيق صورة وصوت. 

أطلعت مؤخراً على تقرير خطير الأهمية (تقرير الجمعية الأوربية لحرية العراق(‏EIFA‏) حول ‏العراق) صادر عن دوائر الاتحاد الأوربي، وهو ينطوي على حقائق مجردة، مما يدل على أن جهات ‏كثيرة وفي المقدمة منها اتحاد الأوربي، وأكثر منها الولايات المتحدة الأميركية، لديها من المعلومات ‏والإحصاءات ما لا تملكه جهات عراقية، فالاخطبوط الأميركي يمد أصابعه في كل زاوية، فكل ‏الأطراف الدولية تعلم بالأرقام والوقائع الدقيقة، أن هناك مكوناً عراقياً كبيراً يتعرض للتدمير والإبادة، ‏في إطار مساعي محمومة تبذلها إيران للسيطرة التامة على العراق. بأتباع أساليب وحشية غير مسبوقة ‏في التاريخ البشري، والولايات المتحدة تعرف أكثر من غيرها هذه الأساليب، ولم تبدي سخطها إلا ‏اليوم فلماذا؟

الولايات المتحدة بتقديري أدركت أن حليف الأمس شرهٌ له أخلاق الضباع، ولا يخلص لتعهداته، ويلعب ‏وراء الكواليس وتحت الطاولة، ويمارس كافة الألعاب القذرة. ومسرح العلاقات الدولية المعاصر يشهد ‏تحولات مهمة، ومستحقات تقف على الأبواب، وهناك مؤشرات تدل على ملامح الموقف المقبل في ‏الشرق الأوسط، وفي مقدمة تلك تهالك النظام السوري الحليف لإيران، ولا تبدو آفاق الموقف اللبناني ‏بأفضل منها، وهناك تصعيد بالكاد مسيطر عليه في مواجهة أوربية روسية حيال الأزمة الأوكرانية، ‏وأوضاع هشة في الشرق الآسيوي، كل هذه بؤر توتر تنذر بالتهاب مفاجئ، وتمنح هذه المؤشرات ‏التوازنات في الشرق الأوسط أبعاداً جديدة تستحق إعادة الحسابات.  ‏

الولايات المتحدة ليست ضد الطموحات الإيرانية، ولا ضد دورها كمثير للمشاكل ولكنها تريد أن ‏تهذبه، وتخشى النهايات الحادة للأزمات، وأن تفقد نهائياً هذا الحليف المفيد المتعب، ولذلك تدخلت في ‏اليمن، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وفي العراق كان تدخل الأميركان دوماً ينبأ بأنها بصدد أنقاذ نظام الاحتلال ‏الذي أنتجته بنفسها يوشك على الإفلاس السياسي، بعد أن أفلس اقتصادياً، ولم يعد له في الواقع أي ‏معنى لوجوده، فالاحتلال ونتائجه باتت تقض مضاجع من سعى إليه، وها هم يحاولون اليوم لملمة ‏الموقف وإعادة إنتاج نظام احتلال جديد.‏

لا يجوز مطلقاً وضع كل شيء على شماعة الإرهاب، فهذا تغافل مقصود وتبسيط شديد غير مقبول ‏لكارثة الاحتلال التي خلقت المقدمات المادية الموضوعة لنمو وتنامي مثل هذه التوجهات، ولماذا لا ‏يسأل أحد عن منظمات وميليشيات إرهابية وفرق قتل تجول المدن العراقية قتلت مئات الألوف من ‏خير أبناء العراق من كافة المكونات. ما يتعرض له العراق، اقتصاده وكيانه السياسي وشعبه بكل ‏أطيافه منذ بدء الاحتلال إلى تدمير واضح، دون رد فعل يمكن وصفه بأنه سليم النوايا وواضح الأبعاد. ‏فليس من الإنصاف مطالبتنا أن نهندس ردود الفعل كافة من مسهم الضر وجرفتهم آلة القتل وهدمت ‏مدن بأكملها وشرد أهلها إلى البراري أو إلى المدن المجاورة الآمنة يدخلونها بكفيل وفيزا ..! ليس  ‏بوسعنا أن نطلب منهم رد الفعل هادئ في مسيرة دموية مجنونة، وفي الدفاع الغريزي عن الذات.‏

قلنا نحن ندين أي محاولة ترمي في مؤداها إلى تقسيم العراق، نعم نحن نعلم أن هدف تمزيق العراق، ‏قد درس جيداً في أروقة المخابرات الأجنبية، وهو ليس بالعلاج البارع لمشاكل العراق الذي لعب دوماً ‏دور بيضة القبان في توازنات المنطقة، والنتائج الحالية واضحة بما يكفي، فبعد زوال العراق السد ‏غرقت المنطقة بالظلام والدماء، بعد أن غرقت بالمشاكل التي جرى تصديرها إليها، بسميها الإيرانيون ‏‏(تصدير ثورة)، ويسميها الأميركان (الفوضى الخلاقة)،  أيقن الجميع أن العراق لعب طوال عقود ‏طويلة من التوتر دور العامل الحسم الكابح للأزمات في حفظ الأمن والسلام والاستقرار.‏

المجلس السياسي العام لثوار العراق في جميع علاقاته مع الدول والقوى والحركات والشخصيات، وكل من نلتقي بهم، أو ‏من يودون لقاءنا، نؤكد دائماً على الحلول في معالجة جذر المشكلة وأساها هو الحل الانجح والدائم،  ‏ويكمن ذلك بتقديرنا في مراجعة شاملة للأحتلال ونتائجه، والعمل على إعادة اللحمة إلى الوطن الواحد ‏الذي كان بوحدته منارة مشعة ليس للعراق فقط، بل لشعوب المنطقة والعالم، وإعادة إعماره وبناءه، ‏والأمن والسلام لكافة العراقيين من الموصل إلى البصرة، ولا ريب أنها مهمة صعبة ولكنها ممكنة.‏

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :136,047,637

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"