#تركيا ودور الأكراد في الانتخابات البرلمانية المقبلة

محمد زاهد غًل

تكثر التحليلات السياسية في هذه الأشهر للحديث عن دور الأكراد في الانتخابات البرلمانية التركية المقبلة، في السابع من حزيران/ يونيو، وكأن الأكراد يخوضون هذه الانتخابات وحدهم، أو أنهم يشاركون في هذه لانتخابات لأول مرة.

 

 

وتكاد تكون هذه الظاهرة هي المرة الأولى التي يجذب فيها دور الأكراد في الانتخابات البرلمانية تحليلات كثيرة وتضاربا في هذه التحليلات أكثر من أي وقت مضى، فرغم مشاركة زعيم حزب ديمقراطية الشعوب صلاح الدين تاش في الانتخابات الرئاسية المباشرة، التي جرت في العاشر من شهر أغسطس من العام الماضي، إلا أن تلك المشاركة لم تأخذ ما تأخذه هذه الانتخابات من أهمية وتحليل سياسي وإعلامي، وبالأخص أن الطرف المشارك في هذه الانتخابات هو حزب ديمقراطية الشعوب نفسه، والذي يقود الحملة في الانتخابات البرلمانية هو صلاح الدين تاش نفسه أيضاً.

وقد يكون من أسباب الاهتمام أن حزب ديمقراطية الشعوب، ولأول مرة في تاريخه، يشارك في هذه الانتخابات البرلمانية بصفته الحزبية، أي بمرشحين حزبيين وكتل حزبية، وليس كشخصيات كردية مستقلة، كما كان الحال من قبل. وهذا يفرض تحديا كبيرا على حزب ديمقراطية الشعوب ورئيسه تاش، لأنه أمام تحد تجاوز الحاجز الانتخابي، بحسب قوانين الأحزاب والانتخابات التركية، وضرورة تحصيل الحزب ٪10 من أصوات الناخبين، حتى يتمكن من دخول البرلمان التركي بصفته الحزبية، أي حتى يكون حزب ديمقراطية الشعوب ممثلاً في البرلمان التركي، وهذا ما قد يتيح له أن يكون مشاركاً في حكومة ائتلافية، إذا لم يتمكن حزب العدالة والتنمية من تشكيل الحكومة المقبلة بمفرده، أو أن يحتاج إليه في تمرير قوانين تشريعية في مختلف القضايا، ومنها قوانين متعلقة بالمصالحة الداخلية أو تغيير النظام الرئاسي.

تتضارب رؤى المحللين حول تجاوز حزب ديمقراطية الشعوب للحاجز الانتخابي (٪10)، فهناك من يرى أنه لن يستطيع تجاوز هذه النسبة، بسبب ضعف برامجه الانتخابية، التي ركزت على معاداة حزب العدالة والتنمية الحاكم، وكذلك معاداة رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان، أكثر من تركيزه على مخاطبة الناخب التركي بالبرامج الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، أي بسبب تقديم مواقفه الأيديولوجية في معاداة أردوغان على كل شأن آخر، ويرى آخرون أن الحزب سوف يتمكن من تجاوز الحاجز الانتخابي، لأن الحزب الحاكم حزب العدالة والتنمية قد يرى مصلحة في دخول حزب ديمقراطية الشعوب في البرلمان لإتمام المصالحة الداخلية، وبالتالي قد يوعز إلى جهات معينة للتصويت لحزب ديمقراطية الشعوب، في معادلة انتخابية وسياسية بعد الانتخابات، فنجاح حزب ديمقراطية الشعوب مقابل أن يدعم الحزب مشروع حزب العدالة والتنمية لتغيير النظام الرئاسي، وأن يدعم رؤية أدوغان وأوجلان للتوصل إلى اتفاق لحل المسألة الكردية في تركيا.

وهكذا قد يبدو أن في التحليلات تناقضاً في الرؤية، فهل من مصلحة حزب العدالة والتنمية أن يدعم حزب ديمقراطية الشعوب لتجاوز الحاجز الانتخابي 10٪ ويساعده بطريقة تحقق ارتفاع الاصوات المؤيدة لحزب ديمقراطية الشعوب في الانتخابات المقبلة، أو أن يعمل على عكس ذلك، فيعيق دخول حزب ديمقراطية الشعوب في البرلمان، لأن احتمالية قيام الحزب في حالة دخوله البرلمان أن يلعب دور الحزب المعارض هو الأرجح، وبالتالي فإن حزب العدالة والتنمية لا يستطيع أن يراهن على دور حزب ديمقراطية الشعوب بعد فوزه في الانتخابات وتجاوز الحاجز الانتخابي، ولذلك فإن الأرجح برأي آخرين ان حزب العدالة والتنمية لو تمكن من إبعاد دخول حزب ديمقراطية الشعوب إلى البرلمان فإنه لن يقصر في ذلك، ولكنه كعادته الانتخابية يترك هذا الأمر للشعب التركي، ويجعل قرار الشعب الانتخابي، المؤشر الحقيقي على قوة الأحزاب السياسية التركية، سواء في السلطة السياسية أو المعارضة.

من هنا فإن عدم إعطاء حزب العدالة والتنمية رأيه في المسألة دليل على انه لا يريد التورط في الاحتمالات التي قد لا تكون لصالحه بعد الانتخابات، وما يجعله يأخذ هذا الموقف هو أن حزب ديمقراطية الشعوب لم يعلن تأييده العلني لسياسات الحزب الحاكم، ولا تأييده لمشروع المصالحة الداخلية، ولا مشروع تغيير النظام الرئاسي، بل إن ما أبداه حزب ديمقراطية الشعوب هو عكس ذلك، ولذلك قد يكون من المقلق لحزب العدالة والتنمية أن يتحول كل دعم سياسي لحزب ديمقراطية الشعوب إلى دعم لمواقف حزب العمال الكردستاني، وبالأخص الجناح العسكري في جبال قنديل، وهو ما يجعل مسألة دخول حزب ديمقراطية الشعوب للبرلمان التركي مسألة تأخذ موقفاً محرجاً، بالأخص أن رئيس الحزب صلاح الدين تاش يغازل كل أحزاب المعارضة التركية الداخلية، ويظهر نفسه في ساحة اتصالات واسعة داخل تركيا وخارجها، بأنه خصم كبير لحزب العدلة والتنمية ورئيس الجمهورية أردوغان.

هذه المناورات السياسية لصلاح الدين تاش، من الصعوبة أن تكون لصالحه في الانتخابات البرلمانية المقبلة، وهو يظهر عدم تأييد لمشروع المصالحة الذي يؤيده ويدعو له رئيس حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان، فتاش يسعى لرئاسة الشارع الكردي، أكثر من زعامة أوجلان، وهو يعلم أنه لم يقدم للأكراد ما قدمه أوجلان في نظر الأكراد على أقل تقدير، وضرورة واضطرار أوجلان لإيجاد قيادة علنية وحزب سياسي كردي في الحياة السياسية التركية، وتشكيل حزب ديمقراطية الشعوب ليقوم بهذا الدور، لم يكن الهدف منه إيجاد قيادة سياسية بديلة لقيادة اوجلان، وإنما ليكون صوته وصوت حزبه، ولذلك يحاول تاش اللعب في الشارع الكردي على حبلين، أحدهما أنه يمثل مواقف أوجلان وحزب العمال الكردستاني، والحبل الثاني أنه لا يؤيد توجهات الحل السياسي الذي يتوافق عليه اوجلان مع الحكومة التركية، وبالتالي فهو يريد أن يدعي أنه أحرص على المصالح الكردية في بنود الاتفاقية مع الحكومة التركية من أوجلان نفسه، ولكن بدون أن يخسر شعبية حزب العمال الكردستاني، ولذلك فإن مناورته السياسية الداخلية قد تطيح بمشروعه الانتخابي، وتعيق دخوله البرلمان التركي.

أما الأمر الآخر الذي يراهن عليه تاش وبخطأ بالغ، فهو تأييده لتصريحات بابا الفاتيكان بخصوص ادعاء المجازر العثمانية على الأرمن، فتاش يصادم مشاعر الشعب التركي، بل ويسيئ إليها بذلك، وهذه نقطة فارقة كيف تجاهلها تاش وهو على أبواب الانتخابات، وكيف لم يتنبه إلى روح المصالحة الكردية التي بثها عبدالله أوجلان في رسالته الأخيرة في عيد النيروز وهو يحيي «روح أشمى»، حيث تم نقل رفات ضريح شاه سليمان جد الأسرة العثمانية، الذي تم نقله قبل أشهر في عملية عسكرية كبيرة، والذي وصفه عبدالله اوجلان في رسالته المذكورة بأنه «يعتبر رمز التاريخ الجديد ضمن شعوبنا».

وبهذا الموقف يظهر أن مواقف صلاح الدين تاش ليست لصالح الأكراد في تركيا أولاً، وتعمل ضد روح المصالحة التي يبثها عبدالله أوجلان في رسائله ولقاءاته ثانياً، أي التي يعمل أوجلان كل جهده لإنجازها، وبذلك يظهر تاش أنه لا يستثمر الجهود والعقود الطويلة التي ضحى بها الشعب الكردي في تركيا، وانه يعود بهم إلى عقود ماضية، وكأنه لا يعمل ضد حكومة العدالة والتنمية المنتخبة فقط، وإنما هو يخاطر بالمصالح الكردية أيضاً، ومن يسير في هذا المنهج يخشى عليه، سواء كان في البرلمان أو خارجه أن يعمل على طريقة قادة الكيان الموازي، الذي يصادق أعداء الوطن ويطعن دولته من أجل مكاسب سياسية وهمية.

 

نشر المقال هنا

comments powered by Disqus
خدمة RSS LinkedIn يوتيوب جوجل + فيسبوك تويتر Instagram

عدد الزوار :135,621,342

تطبيق الموبايل

-->

آخر الزيارات

مساحة اعلانية

الأكثر قراءة

الأكتر مشاهدة

تابعنا على "فيس بوك"