محمد سيف الدولة
تحت أبصارنا جميعا، ورغما عن أنوفنا، بل وبمشاركة أنظمتنا، يشرع الأميركان اليوم في وضع اللمسات الاخيرة في مشروع تقسيم العراق، الذي لم يخفوا نواياهم فيه أبدا، بل اعلنوه جهارا نهارا، مرارا وتكرارا، هم والصهاينة منذ سنوات طويلة، إدراكا منهم ان العرب لم يعد لهم حول ولا قوة!
فبذريعة تزايد النفوذ الإيراني في العراق، والسياسات الطائفية للحكومة العراقية، مرَّرت لجنة القوات المسلحة في مجلس النواب الأميركي في الايام الماضية، مشروع قانون يدعو صراحة لاعتبار الاكراد والسنة بلدانا مستقلة، حتى يجوز تسليحهما مباشرة بعيدا عن السلطة المركزية العراقية.
قد تبدو الذرائع حقيقية، لكن النوايا والتوصيات والمخططات والمشروعات شديدة الخبث.
***
الهدف الحقيقي
لقد حذرنا مرارا، منذ بدايات الحملة الأميركية الاستعمارية الثالثة على العراق، المسماة بالتحالف الدولى لمواجهة داعش، حذرنا من ان الهدف الحقيقي للحملة هو حماية واستكمال مشروع بناء دولة كردية في شمال العراق، تقف، هي وجنوب السودان، جنبا الى جنب مع الكيان اليهودي الصهيوني في فلسطين، كنماذج للدويلات الطائفية والعرقية التي يريدون تخليقها على انقاض الوضع العربي الناتج عن ترتيبات ما بعد الحرب العالمية الاولى.
***
القانون الأميركي
أما عن دور مشروع القانون المذكور، الذي طرحه النائب ماك ثورنبيري، فإنه يفرض "شروطا" لتخصيص مساعدات عسكرية أميركية للعراق بقيمة 715 مليون دولار من ميزانية الدفاع لعام 2016.
فينص على أن يذهب 25 % منها مباشرة إلى قوات البيشمركة والقوات السنية، وأن يتم صرف الـ 75 % المتبقية بعد أن تقدم وزارتا الدفاع والخارجية ما يثبت التزام الحكومة العراقية بعملية المصالحة الوطنية، وفي حال فشلتا في إثبات ذلك، يذهب 60 % من المبلغ المتبقي أيضا للقوات الكردية والسنية.
كما نصَّ المشروع صراحة على ان هذه الخطوة تقتضي اعتبار كل من السنة والأكراد "بلادا مستقلة"، حتى يتسنى تسليحهما بشكل مباشر بعيدا عن السلطة المركزية، وفقا للقانون الأميركي.
***
وثائق التقسيم والعجز العربي
ليست المشكلة أو المأساة الحقيقية والوحيدة، في القانون ولا في المخططات والنوايا الأميركية والصهيونية، وانما في المجتمع العربي الذي يقف عاجزا مستسلما لعملية ذبحه وتقسيمه، رغم درايته بها من البداية، منذ كانت مجرد اوراق في الادراج وهمهات في الكواليس، ورغم أن باحثيه ومفكريه وإعلامه، وحتى حكامه، لم يكفّوا عن الحديث عنها والتحذير منها على امتداد سنوات طويلة.
لم يكن اولها الاعلان الصريح من جوزيف بايدن نائب الرئيس الأميركي الحالي، الذي دعا صراحة الى تقسيم العراق الى ثلاث مناطق تتمتع بالحكم الذاتي.
ولكن مشروعات التقسيم ووثائقه، وردت في عديد من الوثائق والكتابات الأميركية والصهيونية منذ الخمسينات من القرن العشرين، نورد منها على سبيل المثال وليس الحصر الوثيقتين التاليتين:
أولا: محاضرة وزير الامن الداخلي الصهيوني الأسبق، آفي ديختر، التي ألقاها يوم 4 سبتمبر 2008، في معهد ابحاث الامن القومي الاسرائيلي، والتي جاء فيها عن الساحة العراقية ما يلي:
-
ان تحييد العراق عن طريق تكريس أوضاعه الحالية ليس أقل أهمية وحيوية عن تكريس وإدامة تحييد مصر.
-
وان كان تحييد مصر قد تحقق بوسائل دبلوماسية (كامب ديفيد) لكن تحييد العراق يتطلب استخدام كل الوسائل المتاحة وغير المتاحة حتى يكون التحييد شاملا كاملا.
-
وان المعادلة الحاكمة لاسرائيل في البيئة العراقية تنطلق من مزيد من تقويض حزمة القدرات العربية في دولها الرئيسية من أجل تحقيق المزيد من الأمن القومي لإسرائيل .
-
العراق الذي ظل في منظورنا الاستراتيجي التحدي الاستراتيجي الأخطر بعد أن تحول الى قوة عسكرية هائلة، فجأة تلاشى كدولة وكقوة عسكرية بل وكبلد واحد متحد، العراق يقسَّم جغرافيا وانقسم سكانيا وشهد حربا أهلية شرسة ومدمرة أودت بحياة بضع مئات الألوف.
-
وان تحليلنا النهائي وخيارنا الاستراتيجى هو أن العراق يجب أن يبقى مجزأً ومنقسما ومعزولا داخليا بعيدا عن البيئة الإقليمية.
-
وليس بوسع أحد أن ينكر أننا حققنا الكثير من الأهداف في العراق أكثر مما خططنا وأعددنا له.
-
فنحن لم نكن بعيدين عن التطورات هناك منذ عام 2003.
-
وما زال هدفنا الإستراتيجي هو عدم السماح لهذا البلد أن يعود الى ممارسة دور عربي واقليمي، لأننا سنكون أول المتضررين.
-
ونحن نستخدم في ذلك كل الوسائل غير المرئية على الصعيد السياسي والأمني لتحقيق اهدافنا.
-
وذروة اهداف اسرائيل هو دعم الاكراد بالسلاح والتدريب والشراكة الامنية من اجل تأسيس دولة كردية مستقلة في شمال العراق تسيطر على نفط كركوك وكردستان.
-
ولقد كان من المستحيل ان تنجح اسرائيل في تحقيق ما حققته الولايات المتحدة في العراق الا باستخدام عناصر القوة لديها بما فيها السلاح النووي.
-
وان استمرار وجود الولايات المتحدة في العراق لعقد او عقدين سيكون ضمانة لاسرائيل ضد عودة العراق لمواجهة اسرائيل.
-
وان الاتفاقية الامنية الأميركية العراقية ستتضمن بنودا تضمن تحييد العراق في أي حرب مع سوريا او لبنان او ايران، كما تضمن عدم السماح للعراق بالالتزام بأي مواثيق تعادي اسرائيل مثل معاهدة الدفاع العربي المشترك.
***
ثانيا: وثيقة صهيونية هامة وقديمة عن العالم العربي، نشرتها مجلة "كيفونيم" لسان حال المنظمة الصهيونية العالمية عام 1982 تحت عنوان "استراتيجية اسرائيل في الثمانينات"، ونشرناها نحن بعنوان "الوثيقة الصهيونية لتفتيت الامة العربية"، حيث جاء في الجزء الخاص بالعراق ما يلي:
-
ان العراق لا تختلف كثيرا عن جارتها ولكن الأغلبية فيها من الشيعة والاقلية من السنة، ان 65% من السكان ليس لهم أى تأثير على الدولة التي تشكل الفئة الحاكمة فيها 20% الى جانب الأقلية الكردية الكبيرة في الشمال.
-
ولولا القوة العسكرية للنظام الحاكم وأموال البترول، لما كان بالامكان ان يختلف مستقبل العراق عن ماضى لبنان وحاضر سوريا .
-
ان بشائر الفرقة والحرب الأهلية تلوح فيها اليوم، خاصة بعد تولى الخميني الحكم، والذي يعتبر في نظر الشيعة العراقيين زعيمهم الحقيقي وليس صدام حسين. (تنويه من هيئة تحرير وجهات نظر: هذا نفس الزعم الذي أعلنه النظام الإيراني في حرب الثمانينات مع العراق وثبت فشله واندحاره على أرض الواقع).
-
ان العراق الغنية بالبترول والتي تكثر فيها الفرقة والعداء الداخلي هى المرشح التالي لتحقيق أهداف اسرائيل.
-
ان تفتيت العراق هو أهم بكثير من تفتيت سوريا وذلك لأن العراق أقوى من سوريا.
-
ان في قوة العراق خطورة على اسرائيل في المدى القريب أكبر من الخطورة النابعة من قوة أية دولة أخرى.
-
وسوف يصبح بالإمكان تقسيم العراق الى مقاطعات اقليمية طائفية كما حدث في سوريا في العصر العثماني.
-
وبذلك يمكن اقامة ثلاث دويلات (أو أكثر) حول المدن العراقية:
-
دولة في البصرة، ودولة في بغداد، ودولة في الموصل، بينما تنفصل المناطق الشيعية في الجنوب عن الشمال السني الكردي في معظمه.





